فيما كان العالم ينتظر بفارغ الصبر نهاية أسوأ أزمة صحية عرفها وهي تفشي فيروس كورونا، تلقى واحدة من أكبر المخاطر الجيوسياسية التي عرفها التاريخ الحديث حينما صحا يوم 25 فبراير 2022 على جريمة غزو روسيا أوكرانيا، ومحاولة موسكو احتلال دولة مستقلة وابتلاعها والسيطرة على أراضيها وثرواتها.
وفيما كان العالم منهكا بشدة من تأثيرات الوباء الاقتصادية والمالية والصحية، كان الروس يحرقون أوكرانيا ومزارعها، ويدمرون مصانعها وبنيتها التحتية، ويمنعون صادرات القمح والشعير والزيوت الأوكرانية مع تلغيم الموانئ، ويتسببون في حدوث واحدة من أعتى موجات التضخم التي عرفها العالم، حيث قفزات في أسعار الأغذية والحبوب والغاز الطبيعي والنفط والمواد الخام وغيرها من السلع الأولية.
ببساطة، خلطت حرب أوكرانيا كل الأوراق، وعمقت خسائر الدول المرتبطة بها سواء بشكل مباشر كما هو الحال مع المتحاربين، أو حتى غير مباشر مثل الدول المستوردة للغذاء والطاقة.
خلطت حرب أوكرانيا كل الأوراق، وعمقت خسائر الدول المرتبطة بها
فقد خسر العالم نحو 2.8 تريليون دولار، وهو مبلغ كاف لانتشال الاقتصاد العالمي من عثرته في مرحلة ما بعد كورونا، وإيجاد فرص عمل لمئات الملايين من العاطلين، وسد رمق ملايين الجوعى حول العالم، ولم يسلم أحد من التأثيرات الكارثية للحرب المستعرة حتى الآن.
روسيا الدولة الغازية تعرض اقتصادها لضربات موجعة عقب تجميد أكثر من 300 مليار دولار من احتياطياتها النقدية المودعة لدى البنوك الغربية، وهروب آلاف الشركات والاستثمارات الأجنبية، والتعرض لواحدة من أعنف العقوبات الاقتصادية في التاريخ الحديث.
كما خسرت روسيا سوق الطاقة الأوروبي ربما للأبد والذي كان يدر أكثر من 100 مليار دولار سنويا على الخزينة، إضافة إلى زيادة النفقات العامة بما فيها الإنفاق العسكري.
أوروبا أيضا تعرضت لخسائر فادحة حيث شهدت أعتى موجة تضخم وقفزات في أسعار الطاقة والسلع الغذائية، وتسببت الحرب في غلاء تكاليف المعيشة داخل دول القارة، والضغط على المواطن، واشتعال التظاهرات المنددة بالغلاء الفاحش، وإغلاق مصانع بسبب توقف تدفق الغاز الروسي.
خسرت روسيا سوق الطاقة الأوروبي ربما للأبد والذي كان يدر أكثر من 100 مليار دولار سنوياً
الولايات المتحدة لم تسلم أيضا من تداعيات حرب أوكرانيا الخطيرة، حيث عانى المواطن من موجة تضخم لم يشهدها منذ 40 سنة، وبسبب هذه الموجة اضطر البنك الفيدرالي الأميركي لزيادة سعر الفائدة على الدولار عدة مرات، وهو ما تسبب في زيادة الدين العام وتكلفة الأموال وإفلاس شركات وكساد في الأسواق.
أوكرانيا كانت أكثر المتضررين من الحرب الحالية، فالدولة باتت تحتاج إلى 750 مليار دولار لإعادة الإعمار، كما تكبدت خسائر تقدر بأكثر من 97 مليار دولار من الأضرار المباشرة سواء في البنية التحتية والأنشطة الاقتصادية وغيرها.
كذلك أدت الحرب إلى تكبد الدولة الأوكرانية خسائر بقيمة 252 مليار دولار ناجمة عن انخفاض الإنتاج الزراعي وانقطاع الكهرباء عن الأعمال التجارية والنقل.
المنطقة العربية كانت أيضا من أبرز المتضررين حيث تسببت الحرب في نزوح الأموال الساخنة من العديد من الدول، وهروب الاستثمارات الأجنبية، واختفاء السياح، واندلاع أزمة سيولة، والضغط الشديد على العملات المحلية ودفعها نحو الارتماء في أحضان صندوق النقد الدولي أو تعويم العملة 3 مرات في أقل من عام، كما عانت تلك الدول من تضخم فاتورة واردات القمح والأغذية والسلع الأولية والمشتقات البترولية.
المنطقة العربية من أبرز المتضررين من نزوح الأموال الساخنة وهروب الاستثمارات والسياح
لا رابحون من حرب أوكرانيا سوى الدول المصدرة للسلاح، وكذا الدول المنتجة للنفط والغاز، والتي تدفقت مليارات الدولارات على خزائنها مع قفزات أسعار الطاقة عقب اندلاع الحرب.
لكن الجميع خسر وفي مقدمتهم الذين يحرضون على روسيا، ويصرون على استمرار سعير تلك الحرب حتى انهيار الاقتصاد الروسي، وبالتالي تكرار ما حدث مع الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي.