لا تختلف المبررات التي ترفعها الحكومة المغربية عن قفزات الأسعار وموجة الغلاء في الأسواق عن مبررات معظم حكومات دول المنطقة. إلقاء المسؤولية كاملة على الخارج والحروب والأزمات، وأحياناً رمي جزء منها على التجار المحتكرين في الداخل.
وفي ظل هذه المبررات السهلة وغير المكلفة سياسياً واقتصادياً تخرج الحكومات من المشهد في مظهر الغاسل يده من الأزمة التي تعصف بالمواطن، وأحياناً في مظهر الضعيف والمغلوب على أمره في مواجهة إمبراطورية التجار الفاسدين الباحثين عن الثراء السريع، أو "البريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب" كما فعل أخوة يوسف عليه السلام.
خلال الفترة الماضية خرجت علينا حكومة الملياردير عزيز أخنوش بمبررات واهية لقفزات أسعار السلع الغذائية الأساسية وارتفاع مختلف أنواع المواد الاستهلاكية والوقود والخدمات والتي تشهدها أسواق المغرب منذ فترة.
خرجت حكومة عزيز أخنوش بمبررات واهية لقفزات أسعار السلع الغذائية وارتفاع مختلف أنواع المواد الاستهلاكية والوقود والخدمات والتي تشهدها أسواق المغرب منذ فترة
تنوعت تلك المبررات ما بين حجة التضخم المستورد، إذ تقول إن العالم كله يعاني من موجة تضخم بسبب اندلاع حرب أوكرانيا وأزمة سلاسل التوريد وقفزة سعر الفائدة على الدولار وركود الأسواق العالمية، أو حجة حدوث مضاربات على السلع الجماهيرية من قبل المحتكرين وحبس للمنتجات في المخازن من قبل تجار مستغلين، وكأن الحكومة لا حول لها ولا قوة وليس بمقدورها مواجهة تلك الاحتكارات ولوبيات التجار.
وهناك حجة ثالثة قدمتها الحكومة المغربية مؤخراً وهي تعرض البلاد لموجة من الجفاف الشديد أدت، كما تقول، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتأثير سلباً على قطاع الزراعة وإنتاج الحبوب من قمح وغيره، ما ساعد على إعادة مستويات الفقر إلى ما كانت عليه قبل نحو عقد من الزمان.
لا تكتفي الحكومة المغربية بالبحث عن مبررات وحجج واهية تبرر بها فشلها في وقف قفزات الأسعار والغلاء غير المسبوق للمواد الغذائية الأساسية، بل تقدم وعوداً مستمرة بخفض الأسعار وزيادة المعروض من السلع ومراقبة مختلف سلاسل الإنتاج والتسويق، لضمان تزويد الأسواق بالمنتجات الغذائية، دون أن يكون لتلك الوعود صدى على أرض الواقع.
والنتيجة النهائية وضع اجتماعي محتقن وهش وضغوط شديدة على المواطن والأسواق، وتعميق الركود داخل الأسواق، علما بأن المغرب هنا ليس الاستثناء بل يتكرر المشهد في معظم الدول العربية التي تشهد قفزات متواصلة في الأسعار وتهاوياً للقدرة الشرائية للمواطن وتآكلاً للعملة المحلية وزحفاً لأصحاب المدخرات نحو حيازة الدولار والذهب.
ويبدو أن مبررات حكومة أخنوش الضعيفة بشأن تفسير الغلاء الجامح والقهر الاجتماعي لم تقنع المغاربة، ولذا خرجوا إلى الشوارع أمس السبت في تظاهرات شهدتها أكثر من 60 مدينة، منها الدار البيضاء وطنجة وتطوان ومراكش وغيرها، وهي احتجاجات ملفتة لأي مراقب، خاصة مع القيود الشديدة التي تفرضها الدولة على تنظيم التظاهرات والإضرابات والاحتجاجات العمالية.
مبررات حكومة أخنوش بشأن تفسير الغلاء الجامح والقهر الاجتماعي لم تقنع المغاربة، ولذا خرجوا إلى الشوارع أمس في تظاهرات شهدتها أكثر من 60 مدينة
صاحبت تلك التظاهرات الشعبية احتجاجات أخرى يعتزم صيادلة المغرب تنظيمها يوم 13 أبريل الجاري على مستوى الدولة، اعتراضاً على الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي يواجهونها والوضع المتأزم الذي يشهده قطاع الأدوية.
الاحتجاجات الحالية في المغرب ليست الأولى من نوعها، وإن كانت ملفتة من حيث الانتشار الجغرافي والذي شمل 60 مدينة، ففي يوم 5 ديسمبر الماضي خرج آلاف الأشخاص في مسيرات في شوارع العاصمة الرباط احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة.
ساعتها هتفت الحشود: "الشعب يريد إسقاط الغلاء" و"علاش جينا واحتجينا.. المعيشة غالية علينا" و"الشعب يريد القضاء على الاستبداد والفساد".
تكرر المشهد في منتصف فبراير الماضي حيث نظمت نقابة الكونفدرالية الديموقراطية للشغل وقفة احتجاجية وسط العاصمة، ضد غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية.
غضبة الشارع الأخيرة ضد الحكومة المغربية والغلاء الفاحش مرشحة للزيادة في الفترة المقبلة والتظاهرات مرشحة للتكرار، خاصة عقب تقدم المغرب بطلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول منه على قرض بقيمة 5 مليارات دولار.
فالقرض قد تكون له شروط تتعلق بالعملة والدعم والأسعار، وربما إملاءات على الحكومة أسوة بما حدث مع دول أخرى استنجدت بالمؤسسة المالية الدولية لتعويمها ماليا.