توقع بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" أن يكون لحرب غزة تأثير كبير على النمو الاقتصادي والتضخم في منطقة اليورو، ما لم يتم احتواء ضغوط أسعار الطاقة.
وأبرزت محللة الاقتصاد الأوروبي بالبنك كاتيا فاشكينسكايا، في مذكرة بحثية حديثة، أن ما سمته بالأعمال العدائية المستمرة بالشرق الأوسط يمكن أن تؤثر على الاقتصادات الأوروبية من خلال انخفاض التجارة الإقليمية، وتشديد الظروف المالية، وارتفاع أسعار الطاقة، وانخفاض ثقة المستهلكين.
وتتزايد المخاوف بين خبراء الاقتصاد من احتمالات امتداد الصراع ليشمل بلداناً أخرى داخل الشرق الأوسط، مع تبادل الصواريخ بين إسرائيل ولبنان، وتصاعد عمليات القصف بقطاع غزة، ما من شأنه أن يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين، ويفاقم الأزمة الإنسانية.
وقالت فاشكينسكايا إنه "رغم إمكانية أن تؤثر التوترات على النشاط الاقتصادي في أوروبا، عبر تراجع حجم التجارة مع الشرق الأوسط، إلا أن تأثيرات هذه التوترات على القارة ستكون محدودة"، مشيرة إلى أن صادرات منطقة اليورو لدول الشرق الأوسط تمثل نحو 0.4% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما لا تتجاوز 0.2% في المملكة المتحدة.
وأشار البنك إلى أن الظروف المالية الأكثر صرامة يمكن أن تؤثر على النمو، وتؤدي إلى تفاقم التأثير الحالي على النشاط الاقتصادي، من ارتفاع أسعار الفائدة في كل من منطقة اليورو والمملكة المتحدة، ولكن "غولدمان ساكس" أكد عدم وجود نمط ثابت للعلاقة التاريخية بين توترات الشرق الأوسط والظروف المالية في القارة العجوز.
وقالت فاشكينسكايا إن الطريقة الأكثر أهمية التي قد تمتد بها التوترات إلى الاقتصاد الأوروبي ستكون من خلال أسواق النفط والغاز.
وقالت إنه منذ اندلاع الصراع الحالي، شهدت أسواق السلع الأساسية تقلبات متزايدة، مع ارتفاع أسعار خام برنت والغاز الطبيعي الأوروبي بنحو 9% و34%، على التوالي، عند الذروة.
وقام فريق السلع في "غولدمان ساكس" بتقييم مجموعة من السيناريوهات السلبية التي يمكن أن ترتفع فيها أسعار النفط بنسبة تتراوح بين 5% و20% فوق خط الأساس، اعتماداً على شدة صدمة إمدادات النفط.
وبينت فاشكينسكايا أنه عادة ما تؤدي الزيادة في أسعار النفط بنسبة 10% إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمنطقة اليورو بنحو 0.2% بعد عام واحد، وترفع أسعار المستهلكين بنحو 0.3% خلال نفس الفترة، مع ملاحظة تأثيرات مماثلة في المملكة المتحدة. ومع ذلك، يقول البنك، "لكي يظهر هذا التراجع، يجب أن تظل أسعار النفط مرتفعة باستمرار، وهو أمر محل تساؤل حالياً، مع عودة سعر خام برنت إلى مستويات ما قبل الصراع تقريبًا في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول".
وأوضحت المحللة الاقتصادية أن تطورات أسعار الغاز تمثل تحديًا أكثر حدة، حيث أن زيادة الأسعار، المدفوعة بانخفاض الصادرات العالمية للغاز الطبيعي المسال من حقول الغاز بالأراضي المحتلة، وسوق الغاز الحالية، هما أقل قدرة على الاستجابة لصدمات العرض السلبية.
وذكرت فاشكينسكايا أنه على الرغم من أن فريق السلع لدى "غولدمان ساكس" يتوقع ارتفاعاً كبيراً في أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي، يتراوح بين 102 إلى 200 يورو/ ميغاواط في الساعة، في حالة نقص العرض، إلا أنهم واثقون من أن سياسات الدعم سيكون من شأنها أن تخفف من التأثير على الدخل المتاح للمواطنين، وتقديم المساعدة للشركات في حالة حدوث هذه المخاطر.
وأكد محافظ بنك إنكلترا أندرو بيلي، أمس الخميس، أن التأثيرات غير المباشرة للصراع على أسواق الطاقة تشكّل خطراً محتملاً على جهود البنك المركزي لكبح جماح التضخم.
وقال بيلي لقناة "سي إن بي سي" الاقتصادية إنه "حتى الآن، لم نشهد زيادة ملحوظة في أسعار الطاقة، وهذا أمر جيد، لكنها مخاطرة".
وشهدت أسعار النفط تقلبات منذ أن بدأت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عملية طوفان الأقصى. وحذر البنك الدولي في تحديث ربع سنوي، يوم الاثنين، من ارتفاع أسعار النفط الخام لأكثر من 150 دولاراً للبرميل، إذا استمر التصعيد في الصراع.
وتعد ثقة المستهلك العامة هي القناة المحتملة الأخيرة للتأثيرات غير المباشرة، وفقاً لمحللي البنك، حيث أشارت فاشكينسكايا إلى أن منطقة اليورو شهدت تدهوراً كبيراً في ثقة المستهلكين، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في مارس/آذار 2022.
ولم يلاحظ نفس التأثير تاريخياً جنباً إلى جنب مع اندلاع التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، لكن مقياس "غولدمان ساكس" لحالة عدم اليقين المرتبطة بالصراع وصل إلى مستويات قياسية في أكتوبر.