ذكر تحليل في موقع "زيرو هيدج" المتخصص في الشؤون المالية حول العالم، أن البنك الفيدرالي الأميركي أمضى الأعوام الستة عشر الماضية في تغذية "الفقاعات المالية في وول ستريت". ومن خلال التأثيرات غير المباشرة لسياسة "التيسير الكمي"، عزز ضخ التريليونات كذلك فقاعات موازية في الأصول العقارية التجارية والسكنية، ليس في الولايات المتحدة فقط، ولكن في جميع أنحاء العالم خاصة في الدول الرأسمالية وتلك التي تتبنى سياسة الدولرة، وفق التحليل الذي نشره الموقع، مساء الاثنين.
وعلى الرغم من الأعراض الجانبية التي أدت إلى هزة البورصات العالمية في الأسبوع الماضي، يرى محللون أن سياسة ضخ تريليونات الدولار التي بلغت حتى الآن 6 تريليونات دولار ساهمت في فقاعة أسهم وول ستريت التي تهدد بركود الاقتصاد الأميركي وعمليات إفلاس واسعة وسط شركات العقارات.
وربما تكون سياسة التحفيز الكمي التي نفذتها الولايات المتحدة والدول الغربية للخروج من الأزمة المالية العالمية في 2008 وجائحة كورونا في 2020 قد نجحت وقتها في إنقاذ الاقتصادات والبنوك والشركات الكبرى من الإفلاس ولكنها كانت لها ارتدادات قاسية لاحقاً، إذ رفعت معدل التضخم وأسعار الأسهم فوق قيمها الحقيقية. إذ ضخت الحكومة الأميركية نحو 3 تريليونات دولار في الاقتصاد الأميركي منذ الجائحة الصحية.
وأدخلت الولايات المتحدة سياسة "التيسير الكمي"، لأول مرة بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، ثم كررت السياسة مرة أخرى أثناء كورونا للمساعدة في إبقاء الاقتصاد صامداً. وسياسة التيسير هي عبارة عن طباعة النقود من أجل مساعدة الاقتصاد على البقاء مزدهراً وتعرف اختصاراً بـ (QE). وتم تقديم برنامج التيسير الكمي لأول مرة في مارس/آذار 2009، في أعقاب انهيار سوق الأسهم في العام الذي سبقه.
ووفق تقرير في موقع "دي بليدج" الذي يعنى بطباعة الثروات، طبع البنك الفيدرالي الأميركي ما يقرب من 3.3 تريليونات دولار في عام 2020 وحده، وهو ما يعادل، وفقاً لموقع "سيتي ايه ام" City AM اللندني خمس إجمالي الدولارات الأميركية المتداولة في نفس العام.
الدافع الرئيسي للتيسير الكمي هو تشجيع الاقتراض وتحريك السوق عبر تنشيط الإنفاق، ولكن نظراً للعدد الكبير من القروض المتاحة من البنوك، تظل أسعار الفائدة منخفضة عادةً، مما يعني أن الاقتراض يظل رخيصاً. على سبيل المثال، وفقا لشركة "تريدنغ إيكونومكس" انخفض "سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية" لدى بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) إلى 0.25% في مارس/آذار 2020.
وبالتالي أتاح سعر الفائدة المقترب من الصفر للأفراد فرصة الاقتراض بأرخص سعر ممكن خلال جائحة كورونا ومواصلة الإنفاق على السلع والخدمات لتعزيز الاقتصاد. وهذا مثال على الكيفية التي يمكن أن يفيد بها التيسير الكمي البلاد على المدى القصير، فهو يشجع الأفراد على مواصلة إنفاق الأموال في وقت غير مستقر اقتصاديًا.
وفي حين أنه ربما ساعد في استقرار الاقتصاد الأميركي خلال ذروة "كوفيد ـ 19"، فإن سياسة التيسير الكمي بدأت عيوبها تظهر في العام 2022. حيث بدأ التضخم يرتفع مما دفع البنك المركزي الأميركي إلى تشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم الذي بلغ أعلى مستوى له في تاريخ الولايات المتحدة وارتفع إلى أعلى من 8%. ويقول تقرير "دي بيلدج"، خلال إغراق الاقتصاد بالنقود، يعمل التيسير الكمي على تعزيز قوة الإنفاق العام، وبالتالي يساهم في ارتفاع أسعار الأسهم، ولكن عندما يبدأ التضخم في الارتفاع، وتحذو أسعار الفائدة حذوها، يمكن أن تنخفض قيم السوق مرة أخرى.
وعلى النقيض من التيسير الكمي، يأتي تشديد السياسة النقدية عبر رفع سعر الفائدة، ما يجعل الاقتراض أكثر تكلفة لإبطاء معدل التضخم، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى الحفاظ على استقرار أسعار الفائدة والأسواق ولكن تبقى مخاطر الوقوع في فخ الركود الاقتصادي حاضرة بسبب تراجع القوة الشرائية. ويلاحظ أن النمو الاقتصادي الأميركي يعتمد على القوة الشرائية وإنفاق الأسر على السلع والخدمات. وبلغ حجم القوة الشرائية 19.56 تريليون في نهاية العام 2022، بينما بلغ حجم سوق المال الأميركي أكثر من 50 تريليون دولار.