فيما تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء 13 ألف ليرة، يعيد مشهد اقتحام محتجّين في لبنان عدداً من السوبرماركت، لمواجهة عمليات تخزين المواد الغذائية والسلع المدعومة، وتنديداً بغلاء الأسعار، التذكير بتحرّكات المنتفضين داخل المصارف على خلفية فرض قيود مشددة على السحوبات، واحتجاز الودائع بالعملة الخضراء، وتهريب الأموال إلى الخارج، التي ارتفعت حدّتها لتصل الى الاعتداء عليها وإحراق أجهزة الصراف الآلي، ما دفع إدارات البنوك إلى تحصين مداخلها بجدران حديدية، وتدعيم أبوابها وزيادة عناصر الأمن المولجة بحمايتها.
هذه الخطوات قد تلجأ إليها محال السوبرماركت في لبنان، حيث أشار مصدر أمني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ عدداً من المحال الكبرى طلب الحماية الأمنية، وزاد عناصر الحراسة على المداخل، تخوفاً من الإشكالات التي تتكرّر في السوبرماركت، سواء بين الزبائن أو الموظفين على المواد المدعومة، واقتحام المحتجين لها، والعبث بالبضائع والمعلبات والمواد الغذائية، خصوصاً بعد الإشكال الذي حصل يوم السبت الماضي في "لو شاركوتيه عون"، فرع منطقة أدونيس (شمال العاصمة بيروت)، عند إقدام محتجين على تكسير الموجودات والبرّادات، متهمين الشركة بأنها تحتفظ بالمواد الغذائية المدعومة في مستودعاتها ولا تعرضها للبيع، الأمر الذي عادت ونفته الإدارة، في بيان، مؤكدة أن الكميات تنفد بسرعة نتيجة ارتفاع الطلب عليها.
وفي جولة لـ"العربي الجديد" على بعض السوبرماركت في بيروت، لوحظت زيادة كبيرة في الأسعار، اليوم الإثنين، مقارنة مع الأسبوع الماضي، منها ما وصل إلى الضعف، بالتزامن مع الارتفاع السريع في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، علماً أن المنحى التصاعدي لم يقتصر فقط على المواد الغذائية والسلع المستوردة بل طاول أيضاً المنتجات المحلية الصنع.
يقول صاحب أحد المحال الغذائية في بيروت لـ"العربي الجديد"، إن كل المؤسسات والفئات متضرّرة من ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي، ولا يمكنها أن تستمر على سعر الصرف الرسمي البالغ لدى "مصرف لبنان" 1515 ليرة لبنانية وعند الصرافين المرخصين 3900 ليرة، للصمود وإلّا ستقفل أبوابها، إذ لم يعد تفكير أصحاب العمل بتحقيق أرباح، بل همّهم الوحيد تفادي الإغلاق النهائي، ودفع أجور العمّال.
ويضيف أن "السوق يشهد فوضى غير مسبوقة واختلافا في الأسعار بين محلٍ وآخر، فالكلّ بات يسعّر كما يريد، منهم من يخفّض الأسعار على مواد شارفت صلاحيتها على الانتهاء، وهذا ما لا يدركه الناس ويسارعون لشرائها كونها أرخص، ومنهم من يرفعها لأنه يريد بكل بساطة أن يشتري الدولار بسعر السوق السوداء، بعد توقف الصرافين عن بيعه، لتأمين البضائع، وهو ما يحتّم عليه تسعيرها تبعاً لسعر الدولار اليومي".
من جهته، يقول رئيس جمعية المستهلك زهير برو، لـ"العربي الجديد"، إنّ على اللبنانيين عدم إضاعة الوقت بالتفاصيل، سواء باقتحام سوبرماركات أو قطع طرقات وغيرها، بل عليهم محاصرة المسؤولين السياسيين في بيوتهم، ووضعهم قيد الإقامة الجبرية لمنعهم وعائلاتهم من الخروج، وتحويلهم للمحاسبة القضائية، فهم يرتكبون جرائم بحق الناس، والأكثرية الساحقة أصبحت تعاني من ارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء المعيشة، على أن تحافظ القوى الأمنية على سلامة المتظاهرين.
ويرى برو أن "ما يحصل من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية واختلافها بين محل وآخر مسألة طبيعية في مرحلة الانهيار، حتى أنه لم يعد بإمكاننا إصدار تقارير لرصد الغلاء، كما نفعل دائماً، لأننا أصبحنا نعيش في فوضى شاملة، وقد وصلت إلينا معلومات بأنّ هناك متاجر أقفلت أبوابها مؤقتاً كي لا تبيع وفق السعر القديم، بعدما زاد سعر صرف الدولار بحدود 30% خلال 4 أيام فقط، وهذا رقم خطير جداً، سيزيد المعاناة والفقر والفوضى في قادم الأيام".
ويلفت إلى أن التجار في لبنان يستفيدون من سياسات الحكومة والأحزاب التقليدية والطائفية، ويعمدون إلى تخزين البضائع لتحقيق أرباح طائلة، في حين يقوم آخرون ببيع مواد مدعومة بعد إعادة توضيبها وفق سعر السوق، ومنهم من يهربها إلى الخارج في ظل غياب أي رقابة أو محاسبة.
وقد انتشرت في الفترة الأخيرة صور ومقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر بيع مواد غذائية مدعومة في الخارج، بعد تهريبها، سواء إلى السويد أو تركيا، أو غيرها العديد من دول العالم، ما يحرم اللبنانيين منها وهم الذين أصلاً يتكبدون دعمها من البنك المركزي بدولاراتهم المحتجزة، وهو ما يدفع بعض الجهات المعنية إلى طلب إيقاف الدعم، سواء عن المواد الغذائية أو المحروقات، وإيجاد أطر بديلة لمساعدة المواطنين، نتيجة التهريب وعدم قدرة الدولة على ضبطه.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن أساليب الاعتراض على ارتفاع سعر صرف الدولار اختلفت بين محال وأخرى غذائية وتجارية، فهناك من عمد إلى إقفال أبوابه وتعليق يافطات يعلن فيها الإغلاق لعدم رغبته في رفع الأسعار، وهناك من فتح محله لساعات معدودة فقط خلال النهار، لعدم كفاية البضائع وعجزه عن تسعيرها نتيجة تغير سعر صرف الدولار السريع في اليوم الواحد، إذ بات يقفز أكثر من ألف ليرة في 24 ساعة فقط، ومنهم لم يسعّر البضاعة، وبات يقوم ببيعها تبعاً للسعر اليومي.
وفي هذا الإطار، أطلق أصحاب المحال التجارية الصرخة أيضاً، بعد فترة قصيرة من استئناف نشاطهم بالتزامن مع رفع قيود الإقفال العام تدريجاً لمواجهة فيروس كورونا، اعتراضاً على فوضى سعر صرف الدولار، فهم ما زالوا يسعّرون على 7 و8 و9 آلاف ليرة لبنانية للدولار، مقابل الشح في البضائع، ما وضعهم أمام واقع خطير، إما ترك أسعارهم على حالها وتكبّد خسائر طائلة، لا سيما مع شرائهم الدولار على السعر العالي، في ظل انعدام القدرة الشرائية عند المواطن، أو رفعها وخسارة الزبائن الذين يعجزون عن دفع ثمنها، وخصوصاً على صعيد المتاجر الصغيرة، وهو ما دفع أصحاب محال إلى الإقفال حتى معرفة ما ستحمله الأيام القادمة من تطورات.
وطاول ارتفاع الأسعار أيضاً القطاع الزراعي، والدواجن، ومختلف القطاعات الغذائية، ما يضع الأمن الغذائي بخطر كبير.
وأكدت مصادر وزارة الاقتصاد لـ"العربي الجديد"، قيامها بتسطير محاضر ضبط بحق المخالفين والمحال التي تتلاعب بالسلع المدعومة أو تقوم بتخزينها، وتتابع مسألة بيع المواد المدعومة في الخارج للجمها، لكنها في المقابل، تتمنى على المستهلك أن لا يلجأ إلى شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية لتخزينها في منزله، في ظلّ الشحّ بالبضائع.
من ناحية أخرى، عمدت محطات محروقات إلى الإقفال ورفع خراطيمها اعتراضاً على ارتفاع الأسعار أسبوعياً، كما أقفل صرافون مرخصون في عددٍ من المناطق اللبنانية أبوابهم اعتراضاً على الفوضى الحاصلة.
وفشلت إجراءات الاجتماع الأمني والقضائي والمالي والاقتصادي الذي عقد في قصر بعبدا، مقرّ الرئاسة اللبنانية، الاثنين الماضي، بلجم الارتفاع الجنوني للدولار، عبر إقفال منصات أو تطبيقات تتلاعب بسعر الصرف، أو توقيف صرافين غير مرخّصين.