يشكل تزايد عدد العمالة الأجنبية غير المنظمة تحدياً آخر للاقتصاد العراقي، يؤدي إلى تزايد البطالة بين العمالة الوطنية وخروج مبالغ مالية شهرية كبيرة بالعملة الصعبة من البلاد، فضلاً عن استغلال التحويلات المالية الخاصة بالعمالة الأجنبية في استحداث وسائل تهريب جديدة للدولار، من قبل شبكات غسل الأموال.
وتقدَّر الأموال الخارجة من العراق كتحويلات مالية للعمال الأجانب بأكثر من 8 مليارات دولار سنوياً، حسب تقديرات غير رسمية، فضلاً عن الرواتب العالية التي يتقاضاها معظم العاملين الأجانب في الشركات النفطية وغيرها من الشركات العاملة في العراق بشكل غير مبرر حسب تصريحات رسمية.
أعداد العمال الأجانب
كشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق، عن أن عدد العمال الأجانب في العراق تجاوز حاجز المليون عامل، والمسجلين من بينهم وفق إجازات عمل رسمية في العراق بحدود 71 ألف عامل فقط.
وقال المتحدث باسم الوزارة، نجم العقابي، إن إحصائية الوزارة للعمالة الأجنبية تكون للأشخاص الحاصلين على إجازة رسمية، وتشكل أعدادهم وفق آخر إحصائية 71 ألفاً و146 عاملاً فقط.
وأكد العقابي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عدم وجود إحصائية دقيقة عن حجم العمالة الأجنبية غير المرخصة، ولا يمكن لأي جهة تحديد أعداد هؤلاء العمال بشكل دقيق، لأنهم لم يدخلوا العراق بصفة العمل، بل من طريق تأشيرات سياحية، وعند دخولهم يباشرون العمل بشكل غير قانوني.
من جانبه، كشف وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي، أحمد الأسدي، عن وجود أكثر من مليون عامل أجنبي في العراق، نسبة كبيرة منهم تعمل بشكل غير قانوني.
وأوضح الأسدي، في حديث صحافي، أن هذه العمالة تشكل خطراً كبيراً على سوق العمل العراقية، ما دفع وزارته إلى إعداد قانون أُقرّ في مجلس الوزراء بالتعاون مع وزارة الداخلية، من أجل ضبط العمالة غير القانونية وتحديد سقف زمني لتسجيلهم وبخلافه يُرحَّلون خارج البلاد.
وأضاف أن وزارته أعطت الشركات سقفاً زمنياً، وعند انتهاء المهلة تُرسَل لجان تفتيشية مشتركة إلى جميع الشركات العاملة في العراق بحثاً عن العاملين بشكل غير قانوني ولاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم.
سوق العمل
أكد مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح، أن العمال الأجانب المسجلين رسمياً فقط يحولون 600 مليون دولار سنوياً خارج العراق، ويعملون في قطاعات محدودة الإنتاجية.
وأضاف صالح، لوسائل إعلام محلية، أن البطالة الفعلية في العراق تبلغ 16 بالمئة من إجمالي القوى العاملة، إلا أن العراق ملتزم أحكام المادة الثامنة من اتفاقية صندوق النقد الدولي التي تقضي بتحرير الحساب الجاري لميزان المدفوعات العراقي، ما يعني حرية الاستيراد والتصدير للسلع والخدمات وحرية تحويل عوائد المشتغلين من العمال الأجانب وعوائد رأس المال الأجنبي العامل في البلد.
وأشار إلى أن العمالة الأجنبية الشرعية العاملة في العراق حالياً تتمتع بحرية تحويل مستحقاتها من الأجور والرواتب إلى بلدانها الأم، لكن سوق العمل العراقية شديدة الضبابية في عاداتها وتقاليدها، ويبلغ إجمالي القوى العاملة من السكان النشيطين اقتصادياً 6 ملايين عامل، عدا الموظفين الحكوميين.
وانتقد وجود مئات الآلاف من العمال الأجانب في العراق، وأغلبهم يعملون في قطاع الخدمات المحدودة والضعيفة والتي يسهل تعويضها بالعمالة العراقية من أجل تقليص حجم البطالة.
ومن جانب آخر، بيّن عضو لجنة العمل في البرلمان، حسين عرب، أن من أهم أسباب تدهور سوق العمل العراقية، وجود العمالة الأجنبية غير الرسمية.
وقال عرب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن من بين العمالة الأجنبية في العراق التي تتجاوز المليون عامل، أكثر من 800 ألف يعملون بصورة غير شرعية، ويدخلون في السوق بطرق احتيال دون الحصول على أذونات العمل.
وأشار إلى أن الأرقام الرسمية التي اطلع عليها عن طريق رصد التحويلات المالية للعاملين الأجانب تبلغ أكثر من 350 مليون دولار شهرياً، ما يشكل عبئاً كبيراً على النظام المالي في الاقتصاد العراقي.
وشدد عرب على أهمية تنفيذ قرار مجلس الوزراء الذي يقضي بأهمية تسجيل العمالة الأجنبية رسمياً وتكييف وضعها القانوني لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
مخاطر اقتصادية
أكد الباحث الاقتصادي، أحمد صباح، أن أرقام العمالة الأجنبية في العراق البالغ عددها مليون شخص، يعطي الفضول حول إجراء حساب بسيط عن متوسط رواتبهم والأموال المحولة إلى الخارج.
وافترض صباح في حديثه لـ"العربي الجديد" تقاضي العامل الواحد راتباً شهرياً بحدود 700 دولار في المتوسط، فهذا يعني أن هناك 700 مليون دولار تخرج شهرياً كرواتب للعمال الأجانب، أي حوالى 8.5 مليارات دولار سنوياً.
بيّن عضو لجنة العمل في البرلمان، حسين عرب، أن من أهم أسباب تدهور سوق العمل العراقية، وجود العمالة الأجنبية غير الرسمية
وأضاف أن أغلب هؤلاء العمال غير ماهرين، ويمكن الاستغناء عنهم وتعويض أماكنهم بالعمال المحليين، والإبقاء على العمالة التي يمكن الاستفادة منها في نقل الخبرات للعامل المحلي.
وأوضح صباح أن التحويلات المالية التي تحصل عبر منافذ التحويل تشوبها الكثير من الشبهات، ويمكن استغلالها في عمليات تهريب العملة من خلال تجنيد بعض المتنفذين لأعداد من العمال الأجانب، وتحويل أموالهم من طريق شركات مملوكة لهم أو متواطئة معهم إلى الخارج بحجة تحويل أموال العمالة.
وبيّن أن هناك عمليات تهريب للعملة جرت بهذا الشكل من طريق شركات التحويل المالي العالمية باستخدام الأوراق الثبوتية وجوازات السفر الخاصة بالعاملين الأجانب إلى أشخاص يرتبطون بهذه الشركات موجودين في بعض الدول.
ولمعالجة هذه المشكلة، شدد صباح على أهمية وضع قيود تحويل مالي على العاملين وتحديد المبالغ التي يُراد تحويلها، وبهذا الشكل تُحصَر العملة الصعبة ويُحافَظ عليها داخل البلد، فضلاً عن إمكانية إحصاء العاملين بشكل غير شرعي من طريق وجود أسمائهم ضمن النظام الإلكتروني الخاص بالتحويل.
وأكد أهمية وضع قوانين ومحددات تُلزم أرباب العمل بتشغيل نسبة أكبر من العمال المحليين أو تشغيل عامل محلي مقابل كل عامل أجنبي يُوظَّف، وبخلافه تُتَّخَذ إجراءات وعقوبات قانونية.