تنذر الأزمة المالية القاسية التي ضربت سريلانكا وتطورت إلى انهيار سياسي العديد من الدول الفقيرة وذات الدخل المنخفض والمديونيات العالية بالدخول في أزمات سياسية مماثلة خلال العام الجاري.
وكانت الأزمة المالية في سريلانكا قد تطورت إلى اضطرابات سياسية واحتجاجات أجبرت الرئيس السريلانكي غوتابايا راجابكسا على الهروب إلى جزر المالديف.
وحسب تقارير دولية، فإن قائمة الدول التي تواجه أزمات مالية وربما ستعاني من الفشل في خدمة ديونها زادت حتى مارس/ آذار الماضي إلى 23 دولة.
لكن القائمة تواصل إضافة عدد من الدول لتبلغ حالياً 74 دولة من بينها دول قد تفشل في خدمة ديونها وسداد أقساط الديون في أية لحظة، وتتفاوض حالياً مع صندوق الدولي للحصول على قروض جديدة.
وحسب صحيفة" فاينانشيال تايمز" فإن هنالك 74 دولة من الدول ذات الدخل المنخفض، والدول الفقيرة في العالم تواجه احتمال التخلف عن خدمة ديون قيمتها 35 مليار دولار خلال العام الجاري 2022.
من جانبها تقول وكالة بلومبيرغ إن هنالك سندات قيمتها 237 مليار دولار من سندات ديون الدول ذات الدخل المنخفض والناشئة يتم التجارة فيها خلال شهر يوليو/ تموز الجاري بغرض التخلص منها أي يسعى المستثمرون إلى بيعها بحسومات كبيرة من سعرها الأصلي لخفض الخسائر في حال عدم الدفع من قبل الدول.
وتشير بيانات نشرتها وكالة بلومبيرغ إلى أن إجمالي حجم سندات ديون الدول الناشئة بلغ حتى نهاية يونيو/ حزيران الماضي نحو 1.4 تريليون دولار.
ويحذر عدد من كبار خبراء الاقتصاد من حدوث أزمة تخلف عن سداد الديون خلال العام الجاري شبيهة بما حدث في سيرلانكا. وجاءت التحذيرات في تعليقات نقلتها قناة بلومبيرغ عن كبيرة خبراء الاقتصاد بالبنك الدولي كارمن رينهارت.
وتقول الخبيرة الاقتصادية رينهارت، إن "أخطار ديون الدول ذات الدخل المنخفض ليست مسألة نظرية وإنما هي موجودة".
ومن بين الدول المرشحة للتخلف عن خدمة ديونها وربما تدخل في أزمات مالية عميقة تقود إلى اضطرابات سياسية واجتماعية خلال العام الجاري كل من السلفادور وغانا وباكستان وتونس.
والدول الأكثر مديونية في العالم العربي هي لبنان ومصر والسودان وتونس، وفي أميركا الجنوبية الأرجنتين وفنزويلا وفي آسيا الوسطى، سريلانكا وباكستان وبنغلاديش.
ودخلت بعض هذه الدول فعلاً في أزمة التخلف عن تسديد الديون مثل لبنان والسودان، كما أن مصر وزامبيا وباكستان والأرجنتين طلبت المساعدة من صندوق الدولي.
وما يفاقم أزمة الدول الأكثر مديونية في الاقتصادات الناشئة غلاء أسعار الغذاء والوقود وارتفاع التضخم، وهذه العوامل تكون لها عادة تداعيات سياسية واجتماعية على المواطن، وتمس معيشة المواطن بشكل مباشر عادة تكون وقود الاحتجاجات الشعبية.
مثلا، تعاني بكستان حالياً من أزمة مالية حادة في العملات الصعبة، حيث انخفض رصيد العملات الأجنبية بالبلاد إلى 10.5 مليارات دولار، حسب تصريحات البنك المركزي الباكستاني في مايو/ الماضي.
هذا الرصيد لا يغطي واردات البلاد لأكثر من شهرين. في المقابل ارتفعت خدمة الدين الخارجي لباكستان إلى 4.357 مليارات دولار في الربع الثاني من العام الجاري ومن المقدر أن ترتفع خدمة الديون الخارجية إلى 4.876 مليارات دولار حسب تحليل بمجلة "أوت لوك" الآسيوية المتخصصة في الشؤون المالية.
ويسعى رئيس الوزراء الباكستاني الجديد شهباز شريف إلى الحصول على تمويلات من دول الخليج، إضافة إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي وفك تجميد ما تبقى من قرض صندوق النقد.
لكن الصندوق يطالب بتنفيذ المزيد من شروط تقليص الإنفاق. وكانت حكومة رئيس الوزراء شهباز شريف قد أوقفت فاتورة الدعم الحكومي للوقود الذي يبلغ شهرياً 620 مليون دولار. وحصلت حكومة باكستان على قرض مالي من الصين بقيمة 2.5 مليار دولار.
وما يرفع من احتمال ارتفاع نسبة التخلف عن سداد ديون الدول ذات الدخل المنخفض والفقيرة، أن سوق التمويل العالمية تواجه ثلاثة اختناقات رئيسية ستكون لها تداعيات خطيرة على سندات الدين التي ستطرحها الدول الناشئة.
هذه الأزمات هي أولا زيادة المخاطر الجيوسياسية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي رفع من حجم الأصول عالية المخاطر في العديد من بقاع العالم.
وثانياً رفع بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي من سعر الفائدة على الدولار ومن المتوقع أن يتواصل زيادة الفائدة الأميركية خلال العام الجاري ضمن استراتيجية مكافحة التضخم. وهذا العامل رفع من قيمة الدولار مقابل عملات الدول الناشئة والفقيرة ورفع من قيمة خدمة الديون الخارجية للدول وهدد بعضها بالانهيار مثلما حدث للروبية السريلانكية.
وثالث هذه العوامل يكمن في أن الدول الفقيرة والناشئة تواجه أزمة ارتفاع فواتير المواد الغذائية والطاقة، خاصة السلع المستوردة.
ويلاحظ أن العديد من الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية تعتمد على استيراد الغذاء والطاقة، ولكن هذه السلع الحيوية للنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي تباع بالدولار وليس بالعملات المحلية.
ويعني ذلك أنها بحاجة إلى دولارات لا تملكها خلال العام الجاري وربما لن تجد مقرضين من البنوك الغربية بسبب تفادي المستثمرين لشراء الأصول عالية المخاطر حتى وإن كان العائد عليها مرتفعاً.
وبالتالي، يرى محللون أن العديد من الدول الفقيرة ربما تقع في فخ التخلف عن تسديد الديون وبالتالي تواجه الإفلاس الذي هو حلقة رئيسية من حلقات الاضطراب السياسي والاجتماعي وسقوط الحكومات.