تصل إلى لبنان في الساعات القليلة المقبلة القاضية الفرنسية أود بورسي، لاستجواب حاكم البنك المركزي رياض سلامة في الاتهام الموجّه إليه بجرائم الاختلاس وتبييض الأموال والتزوير واستعمال المزور والإثراء غير المشروع، وذلك وفق ما أعلن المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان في بيان اليوم الاثنين.
وأشار المرصد إلى أن "استجواب سلامة سيجرى بحضور قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا"، الذي بهذه الحالة سيكون الطرف الذي يطرح الأسئلة مباشرة على حاكم مصرف لبنان في التهم الموجهة إليه.
ويأتي استئناف الاستجواب الفرنسي، الذي سبق أن بدأته بورسي في إطار التحقيق الفرنسي والأوروبي، في وقتٍ كان القاضي أبو سمرا أصدر قراراً حدّد بموجبه يوم 15 مارس/آذار الحالي موعداً لاستجواب حاكم البنك المركزي وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، وذلك استناداً إلى ادعاء النيابة العامة ضدّ الأشخاص المذكورين بجرائم "الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي".
وكان المرصد الأوروبي أشار إلى أن الاستجواب المحلي سيكون بـ"حضور وفود قضائية من بلجيكا وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ"، مع العلم أن الجلسة بعد غدٍ الأربعاء قد يصار إلى ارجائها بالنظر إلى التحقيقات الأوروبية الجارية والاستجواب الذي تقوم به القاضية الفرنسية، الذي قد يشمل شقيق سلامة ومساعدته، في حال طلبت التوسع بالتحقيق، والذي سيكون بحضور قاضي التحقيق الأول في بيروت.
جزء من سلسلة تحقيقات
في السياق، تقول المحامية في "رابطة المودعين" دينا أبو زور، لـ"العربي الجديد"، إن القاضية الفرنسية تصل اليوم إلى بيروت للاستماع إلى سلامة في الشكاوى المقدمة في فرنسا بجرائم الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع واستعمال المزور، وهي أرادت أيضاً استجواب شقيق حاكم البنك المركزي رجا، ومساعدته ماريان حويك، الوارد اسماهما في الشكاوى المقدمة فرنسياً.
وتلفت إلى أن التحقيق الفرنسي، وهو جزء من التحقيقات الأوروبية، سيكون بحضور القاضي أبو سمرا وعبره، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تأجيل الاستجواب المحلي المنتظر يوم الأربعاء، وسط ما يُحكى عن عدم قدرة القاضي أبو سمرا على القيام بالاستجوابين معاً، علماً أن التهم الموجهة إلى الثلاثة المذكورين، ضمن الادعاءات، تصبّ كلها في الخانة نفسها، أي موضوع الدعوى على صعيد تبييض الأموال والاختلاس والإثراء غير المشروع، واستعمال المزور، وذلك في قضية شركة "فوري" التي يملكها رجا، وبالتالي، فالمعطيات ذاتها سيجرى التطرق إليها في التحقيقين الفرنسي والمحلي.
وتشير أبو زور إلى أن ألمانيا ولوكسمبورغ سبق أن قدمتا استنابات قضائية للمشاركة في التحقيق الفرنسي، لكن قد لا يشاركان في الجلسة المخصصة للقاضية الفرنسية، ولا سيما الجانب الألماني، حيث هناك تغيير على مستوى المسؤول عن الوفد.
وترى أبو زور أن هذه التحقيقات ضرورية ومهمة جداً، ولا سيما في ظل التجاذبات السياسية والتقاعس على مستوى القضاء المحلي، لافتة إلى أنه يحق لكل بلد لديه أي شبهة من الشبهات بجرائم مالية أن يقوم بالتحقيقات التي يراها مناسبة بموجب الاتفاقيات الدولية الموقع لبنان عليها، ولا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
كذلك، تتوقف أبو زور عند أهمية هذه التحقيقات الخارجية التي يقوم بها قضاة أوروبيون، باعتبار أن المشتبه بهم يمثلون أمامهم، بعكس ما يحصل على صعيد التحقيقات المحلية التي تُعرقل نتيجة المحسوبيات المعروفة بالبلد، من هنا لا مهرب ولا حلّ لهذه القضية إلا عبر القنوات القانونية، أي القضاء، ومن المهم أن تبادر الدولة أيضاً لمتابعة الأموال الموجودة في الخارج لاستعادتها.
ثروة مثار شكوك
ويُلاحَق حاكم مصرف لبنان من قبل القضاءين المحلي والأوروبي، وسط نفي مستمرّ من قبله للتهم الموجّهة اليه، ورفضه المتواصل المثول أمام القضاء اللبناني، معتبراً أن هناك حملة تشنّ عليه ذات أهداف سياسية، ترتفع وتيرتها مع قرب نهاية ولايته التي امتدت نحو 30 عاماً، رافضاً اختصار الأزمة الاقتصادية النقدية التي تعيشها البلاد، لا سيما منذ أواخر عام 2019، بشخصه.
وفتح القضاء الأوروبي، لا سيما السويسري، تحقيقاً بشأن ثروة حاكم مصرف لبنان، للاشتباه بضلوعه في قضايا اختلاس بما يزيد عن 300 مليون دولار، في وقتٍ تتجه الأنظار إلى استئناف المحققين الأوروبيين مهامهم في بيروت ضمن المرحلة الثانية من التحقيقات الجارية في قضية سلامة وكبار المصرفيين والماليين.
وفي 20 يناير/كانون الثاني الماضي، انتهت المرحلة الأولى من التحقيقات الجارية في قضية سلامة وآخرين بشبهات تبييض الأموال والإثراء غير المشروع، والتي شملت جلسات الاستجواب فيها عدداً من المصرفيين والماليين بصفة شهودٍ، وتركزت الأسئلة من دول فرنسا، ألمانيا، ولوكسمبورغ، حول التحويلات المالية إلى الخارج، لا سيما إلى دول أوروبية، والتي جرت عبر شركة "فوري" والتي تصل إلى حوالي 330 مليون دولار، وسط شبهات فساد، ونيل الشركة المذكورة، التي يشتبه بأنها وهمية أو صورية، عمولات غير مشروعة من بنوك محلية.
وأعلنت النيابة التمييزية في لبنان، في بيان سابق لها، أن الجلسات امتدت على مدى 5 أيام في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز، وجرت بصورة سرية، بحضور فريق التحقيق المشترك من البلدان الثلاثة والمحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، واتبعت الإجراءات المنصوص عليها في القوانين اللبنانية.
كذلك، جرت الاستعانة بمساعدتين قضائيتين لطباعة محاضر الضبط، التي يصار إلى إيداع نسخ عنها لدى السلطات الطالبة وفق الأصول الدبلوماسية المعمول بها، وتولت مترجمتان الترجمة الفورية ومترجم للغة الألمانية.
وأشار البيان إلى أنه بتكليف من النائب العام التمييزي، ترأست المحامية العامة التمييزية القاضية إميلي ميرنا كلاس جلسات الاستماع إلى الشهود، الذين حضر منهم ثلاثة نواب سابقون لحاكم مصرف لبنان، إضافة إلى مديرين في مصرف لبنان، ومصرفيين لبنانيين، ومدقق حسابات، بعدما أتم قسم المباحثات الجنائية المركزية برئاسة العقيد نقولا سعد تبليغهم أصولاً، كما قام القسم بمشاركة شعبة المعلومات، القوة الضاربة في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، والمجموعة الخاصة في الشرطة القضائية بالعمل على تأمين الحماية الأمنية للوفود ولقاعة المحكمة ومحيطها.
وتدخل مصارف لبنان يوم غدٍ الثلاثاء في إضراب مفتوح جديد، في ظلّ عدم تصحيح الخلل في بعض القرارات القضائية التعسفية الصادرة بحقها وفق تعبيرها، وذلك في وقتٍ يسجل فيه سعر صرف الدولار في السوق السوداء أرقاماً غير مسبوقة، تخطت صباح الاثنين عتبة 93 ألف ليرة لبنانية، لترتد تلقائياً على أسعار المحروقات والسلع والمواد الغذائية بتحليق يفاقم معاناة المواطنين.
من جهته، يواصل مصرف لبنان رفع سعر منصته صيرفة، الذي بلغ يوم الجمعة الماضي 73100 ليرة، ما أدى تلقائياً إلى رفع أسعار خدمات أساسية تسعّر عبرها، في مقدمها الاتصالات، علماً أن تدخله بهذه الطريقة للجم ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء استمرّ أياماً معدودة قبل أن يثبت مرة جديدة عدم جدواه.