انتظرت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، أسابيع حتى تخرج علينا محذرة من مخاطر الاستثمار في عملة بيتكوين الرقمية باعتبارها "من الأصول عالية المضاربة وضعيفة الكفاءة لإجراء التحويلات"، ومحذرة كذلك المستثمرين من خسارة أموالهم في تلك العملة الافتراضية، والتأكيد على أن المضاربة وحدها هي أساس تذبذبات السعر، وهذا أمر عالي المخاطرة.
ولا نعرف هل التحذير الأميركي الذي جاء متأخراً جداً هو خوف حقيقي على المستثمرين الذين راحوا يتدافعون نحو الاستثمار في تلك العملة الرقمية بلا عقل أو منطق، وخسروا نحو 14% من أموالهم بين ليلة وضحاها حينما تهاوى السعر من 58.3 ألف دولار إلى 47 ألفا، يوم الثلاثاء؟
أم هو خوف من وزيرة الخزانة على مستقبل الدولار الذي باتت بيتكوين وغيرها من العملات الرقمية تهدده بشكل مباشر، بعدما باتت هذه العملات رقما صعبا في سوق المعاملات والتداولات العالمية، وإعلان بنوك أميركية وعالمية ومؤسسات كبرى عن الاتجاه للاستثمار بها.
بيتكوين وغيرها من العملات الرقمية باتت تهدد مستقبل الدولار بشكل مباشر
منذ بداية العام الجاري، ارتفعت قيمة بيتكوين بمقدار الضعف وبشكل قياسي غير مسبوق، بل إن الارتفاع بلغت نسبته 75% يوم الأحد الماضي، حينما تجاوز سعر بيتكوين أكثر من 58 ألف دولار.
ساعتها تيقن الجميع أن المضاربة وحدها هي التي تقف وراء قفزات سعر أشهر عملة رقمية، وأن إقبال بعض المؤسسات على الاستثمار بها وضخ مليارات الدولارات، مثل شركة تيسلا، أكبر شركة لإنتاج السيارات الكهربائية، ليس مبررا وحده لتلك القفزات القياسية.
حتى أن الملياردير إيلون ماسك، الذي استثمر قبل أيام 1.5 مليار دولار في بيتكوين، قال في تغريدة على تويتر أول من أمس إن العملة الرقمية قد يكون مبالغا في قيمتها، وهو ما تلاه انخفاضها الحاد الذي ترتبت عليه خسارة رئيس تيسلا 15.2 مليون دولار من إجمالي ثروته في يوم واحد بسبب انخفاض أسهم شركته بنسبة 8.6%.
وباستثناء موقفي يلين وماسك المتأخرين بالتحذير من التدافع في الاستثمار في بيتكوين، لم نجد موقفاً دولياً وعربياً صارماً من المضاربات الأخيرة في العملات الرقمية.
بل وجدنا مواقف نادرة وخجولة بعض الشيء من قبل البنوك المركزية رغم المخاطر الشديدة التي تكتنف الاستثمار في تلك العملات وعلى رأسها بيتكوين، واحتمال تحولها إلى فقاعة كبيرة تصاحبها انهيارات كما حدث يوم الثلاثاء يمكن أن تهز الأسواق العالمية في حال استمرارها بعدما تجاوزت القيمة السوقية لأشهر عملة رقمية التريليون دولار.
من بين تلك المواقف ما صدر عن الحكومة الهندية، يوم 10 فبراير/ شباط الجاري، بأنها تخطط لتقديم مشروع قانون إلى البرلمان يقضي بحظر التداولات في العملات المُشَفّرة الخاصة، مثل بيتكوين وغيرها، وإصدار عملة رقمية وطنية.
وجاء التحذير الثاني الشهر الماضي من هيئة تنظيمية في بريطانيا هي هيئة السلوك المالي (FCA)، التي حذرت الذين يستثمرون أموالهم في العملات الرقمية، بأن عليهم الاستعداد لخسارة كل أموالهم.
لا أعرف هل تنتظر الحكومات والبنوك المركزية انفجار فقاعة بيتكوين وحدوث أزمة مالية جديدة
وما صدر عن الكويت قبل أيام من حظرها التعامل في بيتكوين، وإصدار البنك المركزي الكويتي تعليمات للبنوك والشركات بعدم التعامل أو الدخول في استثمارات مباشرة أو غير مباشرة في بيتكوين وغيرها من العملات المشفرة.
لا أعرف هل تنتظر الحكومات والبنوك المركزية انفجار فقاعة بيتكوين وحدوث أزمة مالية جديدة تعمق الأزمة الاقتصادية الحالية الناتجة عن تفشي كورونا وحالة الانكماش والركود والتعثر على مستوى العالم، وبعدها تبدأ التحرك والتحذير بعد أن تكون الخسائر الفادحة قد لحقت بالمستثمرين والأسواق على حد سواء.
أم أن تلك الحكومات مشغولة بأزمة واحدة هي مواجهة وباء كورونا والتأثيرات الصحية والاقتصادية والإنسانية الناجمة عن تفشيه، ولا تهم تلك الحكومات الخسائر الفادحة التي يمكن أن تلحق بملايين المضاربين في العملات الرقمية حول العالم، أو الخسائر التي يمكن أن تلحق بالاقتصادات الوطنية نتيجة نزوح النقد الأجنبي إلى الخارج.