احتفل السوريون منذ القدم بعيد القمح السوري، وأطلقوا على احتفالياتهم أسماء مختلفة بحسب مواسم الزراعة والحصاد والبيادر والسليق وغيرها من الطقوس المتوارثة التي ارتبطت بتواريخ محددة، وحافظت عبر الزمن على طقوس احتفالية تميز سنبلة القمح عن غيرها من النباتات وتعطيها هالة من القدسية.
والروايات التي ارتبطت بالقمح السوري وغيرها مما تحدث عنه تاريخ الإمبراطورية الرومانية من مواسم غلال القمح في سهل حوران، جنوبي سورية، تؤكد أن لهذه البقعة من العالم المؤهلات المناخية والجيولوجية لإنتاج أفضل أنواع الخضار والفواكه والحبوب، وفي مقدمتها القمح.
فماذا حصل للذهب الأصفر السوري؟
يتحدث المهندس الزراعي كمال العاسمي عن سماسرة أصبحوا يتحكمون بتصريف الإنتاج، قائلاً في تصريح لـ"العربي الجديد": "يعود التراجع في إنتاج القمح السوري إلى ما قبل عام 2011 بسنوات، نتيجة إهمال متعمد لواقع الفلاح السوري، حيث أدى هذا إلى إهمال للأرض ولزراعة الحبوب عموماً، ويمكن أن نؤكد هذا الإهمال بمراقبة حركة النزوح من الريف إلى المدينة، فالحكومات السورية المتعاقبة منذ خمسين سنة لم تقدم للريف الخدمات المناسبة لتشجع الفلاح على الزراعة ولم تقم بمشاريع إصلاح زراعي واستثمار تنموي يساهم في بناء أمة تعتمد على الاكتفاء الذاتي، بل اهتمت بالزراعة من منظور الربح والخسارة لطغمة حاكمة".
والأسوأ أنها تسمح لبعض الشركات الخاصة باستجرار كميات من القمح بشكل مباشر من الفلاح وتصديرها بشكل معلّب أو مصنع بحجة الحاجة للنقد الأجنبي، فيما تترك المواطن السوري يلهث خلف رغيف الخبز ويأكل من الطحين الروسي والإيراني الأقل جودة والأرخص.
في 1 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، قال رئيس وزراء النظام السوري حسين عرنوس إن سورية كانت تنتج حوالي 5 ملايين طن من القمح سنوياً، بينما حاجتها لا تزيد عن 2.5 مليون، وتستثمر الكمية المتبقية في التصدير، بينما لا يصل إنتاجها الآن إلى مليون طن، وتستورد 1.5 طن سنوياً، موضحاً أن هذا التراجع يعود للحرب على سورية والحصار الاقتصادي والتغير المناخي.
وباعتماد هذه الأرقام واستثناء احتياجات المناطق الخارجة عن سلطة النظام والتي تنتج حوالي 1.5 مليون طن، وباستثناء الاستهلاك السنوي لـ7 ملايين مهاجر أصبحوا خارج البلد، وحوالي 7 ملايين نازح معظمهم في مخيمات خارج سلطة النظام، تتأكد حاجة السوريين داخل مناطق سلطة النظام لكمية من القمح لا تتجاوز مليون طن، ما يعادل تقريباً إنتاج هذا العام. فما الحاجة إلى الاستيراد؟