بينما تتجاهل الاقتصادات العالمية الكبرى اهداف السيطرة على التضخم وتفاقم الديون السيادية والخاصة وخدمتها وتواصل الحكومات سياسات التحفيز المالي والنقدي في سبيل تحقيق مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادي، يخاطر ساسة الاقتصادات الكبرى بإدخال العالم في دورة اضطراب اقتصادي واجتماعي. ولا يستبعد اقتصاديون أن يقود ذلك تدريجياً إلى عدم الاستقرار الاجتماعي ويهدد بحدوث اضطراب سياسي في العالم.
واستدانت دول العالم والشركات والأفراد خلال جائحة كورونا نحو 24 تريليون دولار خلال العام الماضي 2020، ليرتفع إجمالي حجم الديون العالمية إلى 281 تريليون دولار بنهاية العام الماضي 2020، أو ما يعادل أكثر من 355% من إجمالي حجم الاقتصاد العالمي، وذلك وفقاً لبيانات وكالة بلومبيرغ.
وهذا المعدل المتفاقم من الديون السيادية والخاصة ربما يسبب كارثة إفلاسات بالعديد من دول العالم حينما يتزايد معدل التضخم ويجبر البنوك المركزية في أوروبا وأميركا على رفع الفائدة المصرفية من مستوياتها الصفرية وتحت الصفرية الحالية وتجد الدول والشركات صعوبة في تلبية احتياجات خدمة هذه الديون.
وفي ذات الشأن، حذر البنك الدولي في تقريره الصادر يوم الثلاثاء، من مخاطر تفاقم الفجوة في الدخول داخل الدول الرأسمالية وفجوة النمو غير المتوازن بين الاقتصادات الغنية والفقيرة، إذ قال تقرير البنك نصف السنوي، إن دولاً قليلة ستتمكن من تحريك الاقتصاد العالمي في فترة ما بعد كورونا، بينما ستجاهد دول العالم الفقيرة والاقتصادات الناشئة للخروج من دائرة الركود الاقتصادي والعودة لمعدلات نموها الاقتصادي الذي كانت عليه بعد جائحة كورونا. وهذه الفجوة التي تزداد اتساعاً بين الدول الفقيرة والغنية ستقود إلى هجرات ضخمة من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا وكذلك من أميركا اللاتينية إلى اميركا.
من جانبه حذر مصرف "دويتشه بنك"، في تقرير يوم الاثنين، من مخاطر التضخم وزيادة فجوة الدخول بين الدول الغنية والفقيرة وبين أفراد المجتمع في الدول الغنية. وأشار المصرف الألماني في تقريره، إلى أن العالم سيشهد خلال السنوات المقبلة ارتفاعاً كبيراً في معدلات التضخم التي تهدد دورة النمو الاقتصادي المتوازن وتؤذن بدورات اقتصادية مضطربة وسريعة تراوح بين الانتعاش الاقتصادي السريع ودورات الركود الاقتصادي.
وقال المصرف في تقرير بعنوان،" التضخم : قصة توصيف الاقتصاد الكلي خلال العقد المقبل"، إن العالم يشهد تحولاً غير مسبوق في سياسات الاقتصاد الكلي في فترة ما بعد كورونا، إذ إن مخاوف التضخم وتفاقم الديون السيادية تختفي من سياسات الاقتصاد الكلي للحكومات الغنية في العالم وتحل محلها سياسات التوسع النقدي والإنفاقي التي تعتمد على سياسات التحفيز الاقتصادي وعدم الاكتراث لعواقبها.
ووصف وزير الخزانة الأميركي الأسبق والبروفسور الحالي بجامعة هارفارد، لاري سمرز، "سياسات الاقتصاد الكلي في أميركا بانها سياسات غير مسؤولة، وقال في هذا الصدد، حسب موقع زيرو هيدج الاقتصادي الأميركي "اعتقد أن هذه السياسات الاقتصادية أكثر سياسات غير مسؤولة نفذناها في أميركا منذ 40 عاماً". وبينما ترى وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، أن التضخم خطر مؤقت تواصل الحكومات الاستدانة.
ونصح مصرف "دويتشه بنك" في تقريره بضرورة تكثيف الحكومات الغربية لتمويل برامج العدالة في توزيع الثروة وزيادة الدعم للأقليات العرقية والعمل على تقليص الفوارق الطبقية وسن التشريعات الكفيلة بتحقيق العدالة الاجتماعية لتلافي حدوث شروخ في المجتمعات.
وبينما توقع البنك الدولي عودة 90% من الاقتصادات المتقدمة للنمو الاقتصادي بالمستويات التي كانت عليها قبل جائحة كورونا بحلول العام المقبل 2022، توقع احتمال استعادة نحو 33% فقط من الأسواق الناشئة والدول النامية لمعدلات النمو الاقتصادي خلال العام المقبل. وهذا يعكس تزايد فجوة النمو الاقتصادي في سنوات ما بعد جائحة كورونا التي تهدد الاستقرار العالمي، حيث ستجد العديد من الدول الفقيرة نفسها مثقلة بالديون وربما تواجه احتمالات الإفلاس وعدم القدرة على التمويل المتاح من قبل البنوك التجارية.
وفي ذات الصدد، قال رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس،" بينما هنالك إشارات مشجعة على انتعاش الاقتصاد العالمي، فإن جائحة كورونا تواصل زيادة الفقر وفجوة الدخول بين مواطني الدول النامية حول العالم". وأشار البنك إلى أن جزءاً من تفاقم فجوة النمو الاقتصادي يعود إلى عدم توفر اللقاحات في الدول الفقيرة.
وكان البنك الدولي قد رفع معدل النمو الاقتصادي العالمي من 4.1% إلى 5.6% خلال العام الجاري. ومن المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة والصين قيادة النمو الاقتصادي العالمي، ولكن دورة تفاقم الديون السيادية في أميركا والديون المصرفية والعقارية في الصين ربما تكون من بين المعوقات الكبرى التي ستهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي.
وحتى الآن تنظر وزارة المالية إلى أن ارتفاعات الأسعار الحالية ستكون مؤقتة، وأنها ضرورية لاستعادة الانتعاش الاقتصادي، ولكن خبراء يرون أن التضخم الحالي سيهدد الاقتصاد العالمي ويزيد من الاضطراب في سعر صرف الدولار خلال العام الجاري.