زادت معاناة السوريين بعد ارتفاع الأسعار وشح السلع والمنتجات بالأسواق، في الآونة الأخيرة. وما فاقم من موجة الغلاء، شلل قطاع النقل إثر تقنين توزيع المشتقات النفطية بعد رفع أسعارها للمرة السادسة خلال الثورة.
وفي حين يصرّ نظام بشار الأسد على تثبيت الرواتب والأجور، رغم تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار من 50 ليرة عام 2011 إلى 3700 ليرة، أمس الإثنين، ارتفعت تكاليف معيشة الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص، بحسب مركز "قاسيون" للدراسات، من العاصمة دمشق، من 773 ألف ليرة، مطلع العام الجاري، إلى مليون وأربعين ألف ليرة حالياً.
ويبيّن مركز قاسيون (مستقل) من العاصمة السورية، أن أسعار سلة إنفاق الأسرة السورية المكونة من ثماني حاجات أساسية (غذاء، سكن، صحة، تعليم، لباس، أثاث، نقل واتصالات)، ارتفعت خلال الشهرين الماضيين، بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والمشتقات النفطية وتراجع سعر صرف الليرة من 2900 ليرة في نهاية عام 2020 إلى 4000 ليرة الشهر الماضي، قبل أن تتحسن إلى 3700 ليرة، أمس.
وتشهد الأسواق السورية ارتفاعات كبيرة في الأسعار، بعد توقف الاستيراد جراء وقف المصرف المركزي تمويل المستوردات، وزيادة أسعار المشتقات النفطية، التي تصفها مصادر من دمشق، بالسلع التحريضية التي رفعت مجمل أسعار المنتجات الزراعية والصناعية.
وأشارت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إلى أن نظام الأسد أوقف توزيع المشتقات النفطية، بعد تقنينها للحد الأدنى، ويعد اليوم بالتوزيع وفق رسائل ترسل للمستهلكين على هواتفهم، مبينة أن سعر ليتر المازوت ارتفع بالسوق السوداء إلى 2000 ليرة، وليتر البنزين إلى 3500 ليرة، الأمر الذي شلّ حركة النقل وزاد من معاناة السوريين.
ويرى أسامة القاضي، وهو رئيس مجموعة اقتصاد سورية، أن "وضع سوريي الداخل بات خانقاً بمعنى الكلمة، بعد أن زاد انقطاع التيار الكهربائي عن 20 ساعة يومياً ونفدت المشتقات النفطية من الأسواق، وإن وجدت بالسوق الهامشية فسعرها يفوق قدرتهم الشرائية".
ويؤكد القاضي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أسعار السلع والمنتجات الضرورية للاستهلاك اليومي ارتفعت خلال الشهر الأخير بأكثر من 30%، فسعر ربطة الخبز (أقل من 2 كيلوغرام) تباع بألف ليرة في الأسواق، في حين أن التسعير الرسمي لها هو 100 ليرة، كما أن تصميم النظام على تصدير الخراف والخضر والفواكه، ليحصّل الدولار، رفع من أسعار اللحوم والخضر والفواكه، كما انتشر بأسواق دمشق نمط الشراء بالحبة اليوم، جراء ارتفاع الأسعار ومحدودية الدخل.
وحول أسباب ارتفاع الأسعار واستمرار تراجع سعر صرف الليرة، يقول القاضي إن الأسعار لم ترتفع منذ عام 2011 إذا ما قيمناها وفق أي عملة عدا الليرة السورية، لكن الذي تهاوى واقترب من الانهيار هو العملة السورية، فقد تراجعت أكثر من 210% خلال العام الماضي فقط وتستمر بالتراجع حتى الآن، وهذا هو سبب الغلاء وفقر السوريين، لأن دخولهم مثبتة بالليرة.
ويضيف رئيس مجموعة اقتصاد سورية أن من أهم أسباب تراجع سعر صرف الليرة هو عجز الموازنة منذ سنوات بأكثر من 30%، إذ يلجأ نظام الأسد لتمويل العجز عبر طبع أوراق نقدية جديدة وضخها بالأسواق، من دون زيادة بالإنتاج أو وجود عملات أجنبية، بعد تبديد الاحتياطي النقدي الذي تجاوز 18 مليار دولار عام 2011.
وحسب مصادر خاصة من العاصمة السورية دمشق، ارتفعت أسعار المنتجات الاستهلاكية خلال شهر بين 30 و50%، وانتشرت سلع متدنية المواصفات ومجهولة المصدر.
وكانت جهات دولية عدة قد حذرت من مجاعة بسورية، إذ قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إن سورية تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9.3 ملايين شخص إلى الغذاء الكافي، مشيراً إلى أن عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 2.2 مليون.
كما قال تقرير أصدرته "نقابة عمال المصارف في دمشق"، الشهر الماضي، إن خسائر الاقتصاد السوري وصلت إلى أكثر من 530 مليار دولار حتى الآن؛ أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.
وقال رئيس النقابة أحمد حامد، خلال تصريحات سابقة، إنه خلال السنوات الماضية بقيت العدالة الاجتماعية غائبة، وتدنت معها التنمية التي أوصلت أكثر من 80 في المئة من شعبنا إلى خط الفقر وما دونه، وباتت المجاعة تلوح في الأفق.
واعتبر التقرير أن الحكومة حتى هذه اللحظة لم تقدم أي مبادرات حقيقية لتجاوز الأزمات التي يعيشها السوريون، بل زاد احتكار الثروة في أيدي قلة قليلة من المستفيدين على حساب الشريحة الكبرى من المجتمع.
وكان رئيس حكومة النظام السوري حسين عرنوس قد أكد، أول من أمس، أن الحكومة تعمل جاهدة لتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وأصبح لديها من احتياطي القمح ما يكفي كل هذا الموسم.
وأشار عرنوس، خلال كلمة لأعضاء مجلس الشعب والفعاليات الاجتماعية بمدينة حماة، وسط سورية، إلى أن كيس الدقيق يباع للمخابز بـ2000 ليرة وبعض المخابز تبيعه بـ40 ألف ليرة، ولتر المازوت بـ135 ليرة ويباع بالآلاف، وقال: في وقت ما سنصوب هذا الأمر ولن نقبل بغير سعر واحد للمشتقات النفطية.