يستعدّ لبنان لحفر البئر الاستكشافية في البلوك رقم 9 على بعد حوالي 120 كلم من بيروت في المياه اللبنانية، وذلك بعد تسوية نزاعه البحري مع إسرائيل قبل نحو عشرة أشهر، لتتجه الأنظار إلى نتائج الأعمال، والمتوقع أن تظهر خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر، وسط تفاؤل سياسي من وجود حقل نفطي، وتخوّف شعبي من إهدار الطبقة السياسية ثروة البلاد النفطية.
وأعلنت السلطات اللبنانية، وشركة توتال "إنرجيز"، الأربعاء، وصول باخرة التنقيب عن النفط والغاز "Transocean Barents"، إلى الرقعة رقم 9، وقد حطّت بالتزامن طائرة هليكوبتر، التي تديرها شركة "غولف هليكوبترز"، في مطار بيروت، خُصِّصت لنقل فريق العمل إلى منصة الحفر، بعدما تعاقدت معها الشركة الفرنسية.
وأطلق وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية، على خط الملاحة الجوي للهليكوبتر بين مطار بيروت ومنصة الحفر والتنقيب، اسم "خط قانا 96"، وذلك تخليداً لـ"شهداء مجزرة قانا"، عام 1996، كتاريخ مفصلي بالنسبة إلى قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، التي أرست دعائم النصر في لبنان، وأسست لمرحلة تعافيه، وفق تعبيره.
وقال وزير الطاقة والمياه وليد فياض إننا إيجابيون لأن مسؤولي شركة توتال عندما التقيناهم كانوا متفائلين بوجود محتمل، تحديداً في البلوك رقم 9، ونحن نعوّل على رأي الاختصاصيين، وهم لهم الرصيد في اكتشاف حقول كبرى في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأبعد من المتوسط.
ووقّعت الحكومة اللبنانية عام 2018 عقوداً مع تحالف شركة "توتال" و"إيني" الإيطالية، و"نوفاتيك" الروسية، للتنقيب عن النفط في الرقعتين 4 و9، وذلك قبل أن تنسحب الأخيرة، بفعل عقوبات أميركية وأوروبية على قطاع الطاقة الروسي، وتنضم إلى الكونسورتيوم، "قطر للطاقة" في 29 يناير/كانون الثاني عام 2023.
وتبيّن نتيجة أعمال حفر الآبار الاستكشافية أن الرقعة 4 جافّة، وتوقفت الأعمال فيها، في حين لم يبدأ الحفر في الرقعة 9 نتيجة النزاع الذي كان قائماً، وهناك دراسات ثنائية وثلاثية الأبعاد أجريت قبل أكثر من عشر سنوات، تظهر احتمال وجود غاز في البلوك رقم 8 و9.
وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وقّع لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وقد قبل الطرف الأول، بالخط 23 بدلاً من الخط 29 بعد مفاوضات طويلة وصعبة، علماً أنّ الخط 29 كان يتيح للبنان الحصول على قسم من حقل كاريش الذي سبق أن بدأت إسرائيل الضخ التجريبي للغاز فيه. وبموجب الاتفاق، فإنّ حصول لبنان على حقل قانا لا يضمن له القدرة على استخراج الغاز منه بلا أي قيود، باعتبار أنّ الاستخراج يخضع لموافقة إسرائيل.
في السياق، يقول مارك أيوب، الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن دور الباخرة يتمثل بحفر بئر استكشافي في حقل قانا المُحتمَل، في الموقع الذي حدّدته الشركة الفرنسية، على بعد كيلومترات قليلة من الخط 23، وهو يبعد تقريباً من 10 إلى 15 كلم عن حقل كاريش الذي تنتج منه إسرائيل.
ويلفت أيوب إلى أن الأعمال اللوجستية والإمدادات، ووصول فريق العمل المكوّن من 140 شخصاً، وغيرها من الأعمال التحضيرية الإعدادية تحتاج حتى أواخر الشهر الجاري للانتهاء منها، مع الإشارة، إلى أن موقع الحفر، يبعد عن مرفأ بيروت حوالي 120 كلم، أي حوالي 6 إلى 7 ساعات في الباخرة، وساعة تقريباً بالطوافة.
ويشير أيوب إلى أن مدة الحفر تبعاً للعقد حدّدت بـ67 يوماً، وباعتبار أن الأعمال ستكون متواصلة من دون انقطاع، يُتوقع الانتهاء منها بحلول أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول، أو مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، المقبلين، وعندها يمكن معرفة ما إذا كان هناك مكمن نفطي أو غازي أو اكتشاف تجاري أم لا، والكميات، وهي الأهم، مع الإشارة، إلى أن الشركة الفرنسية ستستخدم تقنية متطورة، تستخدم في كثيرٍ من الحقول، توفّر من خلالها الوقت، وتقلّص المراحل المطلوبة، وتتيح الاستعاضة عن البئر التقييمي والعمل في البئر الاستكشافي، ثم تحويله بعد سنتين إلى ثلاث سنوات إلى بئر إنتاجي، يصبح جاهزاً بعد حوالي 5 سنوات من الآن.
ويوضح أيوب أنه عند الانتهاء من أعمال الحفر وتحديد الكميات يصار إلى إقفال البئر، وخلال سنتين إلى ثلاث سنوات، تقدم فيه الشركة الفرنسية خطة تطويرية تسويقية، والاستعمالات المطلوبة والوجهات، وهذا يكون بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، وهيئة إدارة قطاع البترول والحكومة اللبنانية.
ويعتبر أيوب أن التوقعات الإيجابية تنطلق من إشارات واعدة، باعتبار أن حقل قانا المحتمل هو امتدادٌ جغرافيٌّ للحقول في فلسطين المحتلة، التي حصلت فيها استكشافات، ولكن لا يمكن معرفة الكميات.
من ناحية ثانية، يرى الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، أن التخوف من سوء استخدام الطبقة السياسية عائدات النفط والغاز متوقع دائماً وموجودٌ، لكن الاستفادة المالية لا يمكن أن تبدأ قبل 5 إلى 6 سنوات، وبالتالي، الاستفادة لن تكون في الوقت الحاضر، بيد أن القلق يتصل باحتمال بيع الطبقة السياسية الغاز قبل إنتاجه، وتطلب من الجهات والدول المانحة الأموال، بذريعة أن لبنان أصبح بلداً نفطياً، وتستغل هذا التطور كذلك للهروب من الإصلاحات الاقتصادية، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أو تستخدم عائدات النفط لأمور سياسية، للخروج من الورطة التي هي فيها.
تبعاً لذلك، يؤكد أيوب أن المطلوب الشفافية لحماية ثروة لبنان وعائدات النفط، خصوصاً بكشف المعلومات المتعلقة بالشركات التي سوف تشارك بالأعمال وأصحابها أو الاتفاقات، وإقرار صندوق سيادي حقيقي، لا كالمتداول اليوم، يحمي الثروات المستقبلية، فهذه الأموال هي للأجيال القادمة، ولتطوير البنى التحتية في البلد، والنهوض بالقطاعات، وعلى رأسها الطاقة، وتالياً للاستخدامات المحلية، قبل بحث خيارات التصدير التي تتصل وقتها بالكميات التي تكون متوفرة.