توقفت كثيرا أمام تصريح وزير المالية المصري، محمد معيط، يوم 9 سبتمبر الجاري، الذي قال فيه إن مصر سددت التزامات خارجية من فوائد وأقساط ديون تبلغ قيمتها نحو 25.5 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري، أي في الفترة من يناير وحتى 30 يونيو 2023.
وتوقفت أكثر أمام تصريحه الذي قال فيه في نفس اليوم إن مصر سددت نحو 52 مليار دولار من أقساط وفوائد التمويلات المستحقة عليها، خلال العامين الماليين الأخيرين (2021 - 2022) و(2022 - 2023)، وهما أكثر عامين مر فيهما العالم بتحديات اقتصادية صعبة.
هنا يقصد الرجل تداعيات حرب أوكرانيا الخطيرة وقبلها وباء كورونا والتي أثرت سلبا على الاقتصاد العالمي بما فيها الاقتصاد المصري.
وزاد من استغرابي قوله إن هذه القيم المسددة تأتي فضلا عن 22 إلى 23 مليار دولار من الاستثمارات قصيرة الأجل التي خرجت من مصر خلال الأعوام الماضية.
هذا يعني أن الحكومة سددت التزامات خارجية من فوائد وأقساط ديون تقارب قيمتها ما يقرب من 75 مليار دولار إذا ما أضفنا إليها الأموال الساخنة
هذا يعني أن الحكومة سددت التزامات خارجية من فوائد وأقساط ديون تقارب قيمتها ما يقرب من 75 مليار دولار إذا ما أضفنا إليها الأموال الساخنة التي خرجت من مصر في الربع الأول من عام 2022 عقب اندلاع حرب أوكرانيا والتي قدرتها الحكومة وقتها بنحو 23 مليار دولار.
مصدر الاستغراب هو أن إجمالي قيمة الالتزامات المستحقة على مصر خلال العام المالي الجاري 2022-2023، الذي انتهى في يوليو 2023، يبلغ نحو 20.2 مليار دولار منها نحو 8.7 مليارات دولار مستحقة خلال النصف الأول المنتهي في ديسمبر 2022، وفق بيانات البنك المركزي المنشورة في تقريره على موقعه الإلكتروني.
رجعت للمصادر الرسمية لأتأكد من الأرقام الواردة على لسان وزير المالية، فوجدت أنها منشورة في وكالة أنباء الشرق الأوسط، وهي الوكالة الرسمية للدولة، كما أعادت مواقع رسمية نشر التصريحات نقلا عن الوكالة.
لا أعرف حقيقة تلك الأرقام الواردة على لسان محمد معيط نظرا لضخامتها واستحقاقها خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، فنحن نتحدث عن سداد أكثر من 25 مليار دولار خلال 6 أشهر فقط تمثل فوائد وأقساط ديون، وعن 52 مليار دولار خلال عامين.
كما أن الأموال المسددة تفوق كثيرا قيمة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي والبالغ نحو 34 مليار دولار، علما بأن الاحتياطي يرتفع ولم يتراجع طوال الشهور الماضية.
لكن لنعتمد تقديرات معيط، لأنها جاءت على لسان المسؤول الأول عن السياسة المالية في مصر وتم نشرها في الوكالة الرسمية ولم يتم نفيها أو حتى تعديلها في وقت لاحق.
الأرقام الضخمة تلك تطرح عدة أسئلة، أولها وأبرزها، إذا كانت الحكومة قد سددت ما يزيد عن 52 مليار دولار في عامين وفق تصريحات وزير المالية، فلماذا يواصل الدين الخارجي قفزاته، علما بأن رقم الدين المعلن، وهم 165 مليار دولار، هو رقم يخص نهاية شهر مارس الماضي، ولا نعرف أحدث رقم طوال فترة مضت تقترب من النصف عام.
إذا كانت الحكومة قد سددت ما يزيد عن 52 مليار دولار في عامين وفق تصريحات وزير المالية، فلماذا يواصل الدين الخارجي قفزاته
ومن هذا السؤال المهم تتفرع أسئلة، منها ما حقيقة الرقم الذي تم سداده بالفعل، هل هو أعباء ديون خارجية ومحلية على حد سواء، أم التزامات أخرى، منها مثلا قيمة الواردات الضخمة، وهي ضخمة بالمناسبة وتتجاوز 40 مليار دولار في نصف عام.
وإذا كان الوزير يتحدث عن سداد بالدولار فإن الذهن هنا يذهب مباشرة للدين الخارجي، وهذا ما يجرنا لسؤال آخر هو عن حقيقة رقم الدين الخارجي المستحق على مصر الذي تقف أرقامه عند نهاية شهر مارس الماضي. ولماذا لم يتم اعلان الأرقام الحديثة؟
وهل يتضمن رقم الدين الخارجي المعلن ديون الحكومة مباشرة، أم يتضمن أيضا الديون الخارجية المستحقة على المؤسسات الحكومية وفي مقدمتها هيئات البترول، والسلع التموينية وقناة السويس وغيرها من الجهات التي تحصل على قروض خارجية سواء بضمان الدولة أو بضمانها مباشرة؟
وإذا كان الرقم الوارد على لسان الوزير يتعلق فقط بأعباء الدين الخارجي، فما حقيقة الأرقام الأخرى التي تتحدث عن أن الدولة مطالبة بسداد أعباء من أقساط وفوائد بقيمة تزيد عن أكثر من 55.2 مليار دولار في عام واحد، مارس 2023 إلى مارس 2024، تتوزع ما بين ديون مستحقة على الحكومة والبنك المركزي وودائع الخليج والمؤسسات الاقتصادية والبنوك وفقا لبيانات البنك الدولي.
إذا كانت الحكومة قد سددت كل هذه الأموال للخارج، فما الذي يتبقى من إيرادات الدولة لإنفاقه على الصحة والتعليم وتوفير فرص عمل وغيرها من الخدمات
وإذا كانت الحكومة قد سددت كل هذه الأموال للخارج، فما الذي يتبقى من إيرادات الدولة لإنفاقه على الصحة والتعليم والحد من البطالة وتوفير فرص عمل وغيرها من الخدمات العامة المتعلقة بالمواطن؟
علما بأن الحكومة تواجه أصلا مهمة تزداد صعوبة يوما بعد يوم لجمع السيولة المطلوبة لسداد فاتورة ديونها الخارجية بعدما ارتفع الاقتراض الخارجي في الأعوام الثمانية الماضية إلى 4 أمثاله، بحسب تقرير لوكالة رويترز نشرته بداية شهر يونيو الماضي