ماذا تكون ردّة فعل رجل ناضج واثق من نفسه، ومن قدراته، لو دخل في منافسةٍ مع طفل صغير وخسر لمصلحة ذلك الطفل؟
هكذا كان حال العرب مع إسرائيل عام 1948 أولاً، وثانياً عام 1967، حيث بلغت إسرائيل قمة نجاحها التاريخي باحتلالها أراض في ثلاث دول عربية؟
وهذا ما أسميه "عقدة شيرلي تيمبل" (Shirley Temple)، الفتاة ذات السنوات الخمس من شركة "فوكس"، ومثلت مع أعتى ممثلي زمانها في ثلاثينيات القرن الماضي، وفاقتهم شعبية وقدرة، أمثال غاري كوبر، وكاري غرانت، ولايونيل باريمور.
ولما احتلت شيرلي تيمبل المكانة الأولى عام 1934 من بين كل ممثلي "هوليوود"، رفض ممثلون كثيرون بعدها الوقوف أمامها، لأنها كانت، كما يقول أهل السينما، "تسرق المشاهد منهم"، وحتى كانت تسرق الفيلم كله، ولا يتذكّرهم الناس، بينما تبقى ألسنتهم تلهج بذكرها.
(شيرلي تيمبل بلاك ولدت في 23 نيسان/ إبريل 1928 وتوفيت في 10 شباط 2014، وهي ممثلة سينمائية وتلفزيونية ومغنية وراقصة ومؤلفة سيرة ذاتية وسفيرة أميركية سابقة في غانا وتشيكوسلوفاكيا).
إسرائيل مثل شيرلي تيمبل، حققت نجاحاً نيزكياً سريعاً، وفّر لها الشهرة والسمعة، وبلغت أوجها عام 1967، ولكنها لم تحقق بعد ذلك أي إنجاز عسكري يذكر، فقد دخلت إلى لبنان عام 1982 بقيادة أرئيل شارون، بمساعدة بعض الفئات، لِيُسْمَحَ بالفتك بلاجئي مخيمي صبرا وشاتيلا. وبعد ذلك، فشلت إسرائيل في حربها ضد غزة مرّتين، فاضطرت للجوء إلى حصار لاإنساني، والذي ما زال قائماً. وكذلك فشلت فشلاً واضحاً في حربها ضد حزب الله عام 2006.
وأصبحت إسرائيل الآن في نظر دول كثيرة وشعوبها دولة ظالمة مستبدّة، وعنصرية تحمل في طياتها بذور التفرقة العنصرية (الأبارتهايد) إلى درجةٍ باتت فيه موضوعاً للنقد اللاذع من كثيرين من يهود العالم الآخرين.
لمّا كبرت شيرلي تيمبل الطفلة، بذلت وبذل المنتجون وصنّاع الرأي العام في شركة "فوكس" كل طاقتهم ليُحدثوا تلك النقلة من عالم نجومية البدايات والطفولة إلى عالم النضج والشباب، ولكنهم فشلوا. فقد ظلت في رأي الناس طفلة، مثل بيتر بان، لا تكبر. وحيث أنها بشر، وليست مجرد كارتون (مثل ميكي ماوس، أو دونالد دك)، لم يقبلها الناس عندها. وهذه إسرائيل، بدأت تفقد موقعها الإنساني والأخلاقي، وأصبحت دولة عنصرية مضطهدة، ترتكب جرائم عبر المتعصبين فيها، فخسرت براءتها في نظر من أحبوها وأعجبوا بالصورة الجميلة المرسومة لها.
ظروف اقتصادية صعبة
وفي المقابل، يعاني الأردن حالياً الأمرّين من الظروف الصحية والسياسية والاقتصادية التي يمر بها. وهو بلد شحيح بالموارد الطبيعية والمالية. وكان كل جيرانه من العرب وإسرائيل ينظرون إليه كأنه ساحة خلفية لكي يلعبوا فيها. ولكن الأردن بنى جيشاً عربياً حسن التدريب، وإنْ لم يَحظَ بالتسليح المناسب. وفتح الأردن أبوابه للطارقين، طلباً لملاذ آمن أو موئل دافئ يحميهم من الظلم والاحتلال في بلدانهم، بل وشاركهم لقمة العيش وقلة الماء وشقّ التمرة.
و
كان موقف الأردن تجاه أشقائه، وما زال، موقف الممثل المساعد الذي يتمتع بقدرات فذّة، تدعم غيره لكي يبرز. ويذكرني هذا بالممثل عبد الوارث عسّر في السينما المصرية، فقد لعب دور الأب أو الجد مدة تزيد على ثلاثة عقود، كان يسند فيها الممثلين أصحاب الأسماء الكبيرة. ومع أنه يلقى الاحترام منهم، إلا أنه مطلوبٌ منه أن يبقى في المكان نفسه بدون ترفيع إلى درجة أعلى، لأنه أتقن دوره في الدرجة الأدنى.
وقد تحمل الأردن أعباء كثيرة، وجديدها ما يعانيه الآن، فإيران التي يقول الأشقاء في منطقة الخليج إنها تعاندهم وتستهدفهم، يطلبون الملجأ منها بالاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها. ولا يحققون لفلسطين أو للأردن أي إنجاز مقابل هذا التطبيع المجّاني، بل ويعرّضون الأردن وفلسطين لضغوط إضافية. والأردن وفلسطين في المقابل، عليهما أن يقبلا بذلك من غير احتجاج، وإن وافقا مع دول الخليج على التطبيع، فإن ذلك يجعلهما أقلّ وزناً وأهمية في المنطقة. وبالطبع، هنالك استهداف واضح للأردن من بعض الوسائل والمواقع ذات الولاء المشبوه، والتمويل من جهات غير معلنة.
شماتة بالفقر والبطالة
ولذلك، يشهد الأردن حالياً حملة شعواء من كل أنواع الإعلام، وبخاصة الإلكتروني منه. وهنالك دور لبعضها يشكّك في النظام، والدور الذي يقوم به وبالتركيبة السكانية، ويشمت باتساع مساحة الفقر والبطالة. ولكن الأردن حتى اللحظة يرى أن مستقبله مربوطٌ بتطورات القضية الفلسطينية، وعدم التنازل عن حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة ذات السيادة.
صحيح أن لدول الخليج موقفا اقتصاديا حيال الأردن، وهو معترف بذلك وصامت، ولكنه لن يقطع حبل التواصل مع الأشقاء، ولن يتنازل، في الوقت نفسه، عن موقفه. وهل يستطيع البلبل إلا أن يغرد والعندليب إلا أن يصدح؟
يتعرّض الأردن لحملة ظالمة إعلامية بالمعلومات الخاطئة (misinformation)، والمعلومات الدسيسة (disinformation)، والمعلومات المختلقة (fabricated lies)، وغيرها من الوسائل، لأنه يريد أن يصمد.
قلبي على بلدي الأردن، وعلى مسقط رأسي فلسطين، وحبي لكليهما كبير. وحبي للعرب والوطن العربي ليس له حدود أو شروط. ولكننا نحن في الأردن طلاب سلام عادل بذمةٍ لا تخفر وعقود لا تنتقض، وعهود لا تترك. إننا بحاجة إلى تفهم أشقائنا العرب.
لقد كنّا دائماً مع الأشقاء عندما احتاجونا، وليس من الوفاء أن تصبح إسرائيل الصديق، ونحن المستهدفين. .. وتذكروا أن الأردن لم يخسر حيال من اختلف معه، بل إنه انتصر دائماً حتى ولو كان في الظاهر هو الطرف الأضعف.