شكلت ليبيا، ولسنوات طويلة، متنفسا للعديد من الاقتصادات والشعوب العربية والأفريقية المأزومة عبر رفدها بمليارات الدولارات التي كان يتم تحويلها في شكل تحويلات نقدية من قبل ملايين من العمالة الوافدة، أو في شكل دعم ليبي للبنوك المركزية واحتياطياتها من النقد الأجنبي، أو في شكل دعم مباشر لحكومات هذه الدول.
فليبيا النفطية الثرية التي كانت تملك نقدا أجنبيا لدى البنك المركزي تجاوز 134.5 مليار دولار قبل ثورة 2011، إضافة إلى ثروة ضخمة أخرى كانت مودعة في حسابات معمر القذافي الشخصية ببنوك سويسرا وغيرها، كانت أبرز وجهة للعمال العرب والأفارقة خاصة من مصر وتونس والسودان والجزائر والمغرب وموريتانيا وتشاد ومالي والنيجر وغيرها.
وليبيا قبل 2011 كانت متنفسا للمصدرين والتجار العرب، حيث إنها كانت سوقاً بكراً تستورد كل السلع والمنتجات والمواد الخام والسلع الوسيطة، خاصة مع عدم اهتمام القذافي بتطوير الإنتاج والقاعدة الصناعية والزراعية في البلاد طوال فترة حكمة التي زادت على 40 عاما، وليبيا القذافي كانت وجهة مهمة أمام الشركات العربية لاسيما العاملة في مجال المقاولات والبناء والتشييد والبنية التحتية.
لكن ليبيا الآن اقتربت من حالة الإفلاس بعد أن كانت من أعلى الدول العربية حيازة للنقد الأجنبي، والسبب الحروب الأهلية، والتدخلات الخارجية، ومحاولة قوى إقليمية ودولية السطو على ثروات الليبيين، وعرقلة اللواء المتقاعد خليفة حفتر صادرات البلاد النفطية وهي المورد الأساسي لإيرادات النقد الأجنبي مع استمرار سيطرته بالقوة على منطقة الهلال النفطي الواقعة شرق البلاد.
حالة الإفلاس القريبة تلك عبر عنها محافظ مصرف ليبيا المركزي الصدِّيق الكبير، يوم الثلاثاء، والذي حذر من انهيار مالي في البلاد، نتيجة الارتفاع الكبير والقياسي في الدين العام للدولة والذي زاد إلى 270 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة ضخمة مقارنة بالمعايير العالمية.
ومع تهاوي إيرادات النفط الليبي بشكل قياسي وغير مسبوق من 53.2 مليار دولار في العام 2012، إلى ما يقرب من الصفر العام الحالي، وتكبد قطاع النفط خسائر تجاوزت 180 مليار دولار، في الفترة من 2013-2020، بسبب الإيقاف التعسفي لإنتاج النفط الخام وتصديره من قبل قوات اللواء المتقاعد ومليشياته، واستمرار خنق حفتر لمنطقة الهلال النفطي وحقول نفطية أخرى، وتوقف مشروعات التنقيب عن النفط والغاز، وهروب الاستثمارات الأجنبية، فإن الخزانة العامة للدولة مرشحة للنفاد.
هنا ستتحول ليبيا من دولة نفطية كبرى في المنطقة، إلى دولة مفلسة غير قادرة على سداد ديونها الخارجية، ليس لديها السيولة الكافية لسداد رواتب موظفي الدولة، أو توفير التمويل اللازم لاستيراد السلع الأساسية ومنها القمح والأغذية والوقود والزيوت وغيرها، خاصة مع تهاوي احتياطي النقد الأجنبي.
هذا بالطبع سينعكس سلبا على المواطن الليبي ومعيشته والخدمات المقدمة له من زيادات أسعار السلع الرئيسية واختفاء سلع مهمة من الأسواق من بينها الأدوية، وتأخر صرف الرواتب، وتدهور مستمر في البنية التحتية.
وفي هذه الحالة فإن المواطن قد يغامر ويستقل أحد قوارب الهجرة غير المشروعة المتجهة إلى أوروبا، أو أن يبحث عن فرصة عمل في الدول المجاورة مثل مصر والسودان وتونس والجزائر وتشاد، أو أن يتجه إلى إحدى الدول الأفريقية أو منطقة الخليج باحثا عن فرصة عمل وحياة كريمة، وفي كل الأحوال فإن كل هذه الخيارات المتاحة صعبة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها دول المنطقة وقلة فرص العمل بها.