تواجه شركات الطاقة الأوروبية التي تستورد الغاز الطبيعي الروسي أكبر مأزق في تاريخها خلال الشهر الجاري الذي يحين فيه دفع الفواتير وتجديد العديد من عقود الغاز مع شركة غازبروم الروسية.
ووضعت الشركات الأوروبية أمام خيارات صعبة لتلبية المطالب الروسية، التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس/ آذار الماضي، وبمقتضاها تبيع شركة "غاز بروم" الغاز للدول غير الصديقة بالروبل.
ويتلخص المأزق الذي تعيشه الشركات الأوروبية في المفاضلة بين خيارين أحلاهما مُر، وهما تسديد أثمان الغاز الطبيعي المستورد من روسيا بالعملة الروسية، وبالتالي خرق العقوبات الاقتصادية والمالية على موسكو أو الاستمرار في تسديد الأثمان باليورو والدولار، كما هو منصوص عليه في العقود الحالية ومواجهة قطع الإمدادات.
انقسام داخل الاتحاد الأوروبي
ويرى محللون في معهد "بروغيل" للدراسات في بروكسل، أن الحكومة الروسية استهدفت عبر هذا القرار تحقيق ثلاثة مكاسب رئيسية، وهي حدوث انقسام داخل دول الاتحاد الأوروبي وبالتالي إضعاف العقوبات الغربية والدعم الأوروبي لأوكرانيا التي تواجه حرب احتلال شرسة منذ 24 فبراير/ شباط الماضي.
وثانيا: زرع الاضطراب في إمدادات الغاز بدول الكتلة الأوروبية ما يقود تلقائياً إلى ارتفاع أسعار هذه السلعة وتعظيم دخل شركة "غاز بروم" الحكومية من صادرات الغاز إلى الدول الأوروبية، وهو ما تحقق خلال الأسبوع الأول من صدور القرار إذ ارتفعت أسعار الغاز بمعدلات كبيرة.
أما المكسب الثالث، وفق معهد "بروغيل"، فهو دعم سعر صرف الروبل والاقتصاد الروسي الذي يعاني من العقوبات الغربية وفي حاجة ماسة لتمويل الحرب.
ونجح القرار حتى الآن في رفع سعر صرف الروبل من التدهور المريع الذي شهده في مارس/ آذار الماضي وبلغ في بعض اللحظات 130 روبلاً مقابل الدولار، بينما في أعقاب القرار استرد الروبل عافيته مسجلا ارتفاعا لافتا ليصل إلى أقل من 80 روبلاً للدولار.
أما بخصوص شق الصف الأوروبي، فلم يتمكن القرار من تحقيق نجاح يذكر حتى الآن، رغم النقاشات الجارية حول كيفية الحصول على إمدادات الغاز الروسي من دون خرق العقوبات الغربية على موسكو ومعارضة المجر فرض حظر على روسيا.
وحسب رويترز، قال وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو، في بيان، أمس الثلاثاء، إن بلاده لن تساند فرض عقوبات تقف حائلاً أمام شحنات النفط والغاز الروسية إلى المجر، في الوقت الذي أكدت فيه سلوفاكيا أنها ستسعى للإعفاء من أي حظر على النفط الروسي. عدا ذلك فهنالك اتفاق حول محاصرة التوسع الروسي في أوروبا عبر استخدام موسكو آلية الغاز للابتزاز السياسي.
خرق صريح للعقوبات
وحسب ما نقلت نشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في قطاع الطاقة، قال مفوض الطاقة الأوروبي، كادري سامسون يوم الاثنين، إن جميع وزراء الطاقة في الكتلة الأوروبية تم إبلاغهم بأن تسديد أثمان الغاز الطبيعي لشركة غازبروم بالروبل يمثل خرقاً صريحاً لقوانين الحظر الغربي على روسيا التي تغزو جيوشها حالياً أوكرانيا.
وكانت العديد من شركات الطاقة الأوروبية قد سارعت خلال إبريل/ نيسان الماضي بفتح حسابات في سويسرا لتلبية الطلب الروسي وتفادي قطع الإمدادات مثلما حدث لكل من شركات الطاقة في بلغاريا وبولندا قبل أيام.
ولكن مفوضية الطاقة الأوروبية قالت إن هذه الحسابات السويسرية تخرق الحظر الأوروبي على روسيا، ما يجعل العديد من شركات الطاقة في أوروبا في مرمى الأزمة.
وكانت بعض شركات الطاقة الأوروبية قد نفذت خلال الأسبوع الماضي آلية لتفادي أزمة الغاز الروسي عبر فتح العديد منها لحسابين في مصرف "غازبروم بنك" في سويسرا، أحدهما باليورو والدولار والآخر بالروبل.
وتقوم آلية فتح الحسابين، على أن يتم دفع الأموال في "حساب العملات الحرة " في مصرف "غازبروم بنك " باليورو أو الدولار ثم يتم تحويل الأموال إلى "حساب الروبل" حينما يتم تمرير الدفعات إلى البنك المركزي الروسي الذي يخضع للعقوبات الغربية.
وتدفع الشركات الأوروبية نحو 60% من فواتير الغاز باليورو و40% بالدولار وعملات أوروبية أخرى وفقاً للعقود السارية التي تم الاتفاق عليها مع شركة غازبروم.
وبينما تعكف دول الاتحاد الأوروبي على حظر صادرات النفط الروسي خلال الأيام المقبلة، فإن حظر صادرات الغاز الطبيعي الروسي مستبعدة في الوقت الراهن بسبب صعوبات التعويض رغم أن العديد من دول الكتلة الأوروبية قد تعاقدات مع دول عربية وأفريقية على شحنات من الغاز المسال.
وتعد ألمانيا أكبر دول الاتحاد الأوروبي المستوردة للغاز الروسي، حيث تستورد نحو 55 مليار متر مكعب سنوياً وكانت على وشك زيادة الكميات إلى 110 مليارات متر مكعب سنوياً قبل وقف التصريح لمشروع " نورد ستريم 2" بعد بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.