مؤشرات مقلقة لصانع القرار المصري

02 ابريل 2019
سحر نصر وزيرة الاستثمار المصرية (الأناضول)
+ الخط -


بما أن الحكومة المصرية مشغولة بملفات أخرى، أكثر أهمية من وجهة نظرها، منها القروض الخارجية والمنح والمساعدات وجذب الأموال الساخنة للبورصة وأدوات الدين وبيع شركات قطاع الأعمال العام، فإنها غير معنية بملف أخطر هو الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي توجه للمشروعات الإنتاجية وخلق فرص عمل، وإقامة مصانع جديدة وحل مشكلة المصانع المغلقة.

والدليل على ذلك المؤشرات التي كشف عنها البنك المركزي المصري، أول أمس الاثنين، وتتعلق بأرقام النصف الثاني من العام الماضي، 2018، فهذه المؤشرات يجب أن تكون مصدر قلق لصانع القرار السياسي والاقتصادي، وخاصة أنها تكشف عن حدوث تراجع في إيرادات النقد الأجنبي من نشاطين مهمين للاقتصاد، هما الاستثمارات الخارجية وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.

ومبعث القلق هنا هو التراجع الحاد مثلا في ايرادات الاستثمار الأجنبي المباشر التي فقدت نحو 36% من قيمتها خلال نصف عام، وكذا تراجع أرقام التحويلات الخارجية ووقف زخمها الذي حدث عقب تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.

كما ينبع القلق من أرقام البنك المركزي الأخيرة كون إيرادات الأنشطة الاقتصادية الخمسة المعروفة، السياحة وقناة السويس والصادرات والتحويلات والاستثمارات الخارجية، لم تستفد كثيرا من قرار تعويم الجنيه المصري، ولم تحقق القفزات التي توقعتها الحكومة في وقت سابق، مع الإشارة هنا إلى أن هذه الأنشطة ضرورية للاقتصاد لأنها المسؤولة عن تغذية الاحتياطي الأجنبي للبلاد، وتلبية احتياجات سوق الصرف الأجنبي، وتغطية فاتورتي سداد قيمة الواردات الخارجية وأعباء الديون المستحقة على البلاد.

تهاوي الاستثمار المباشر

أول وأخطر مؤشر في أرقام البنك المركزي المصري، التي كشف عنها يوم الاثنين، يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر، وهو المؤشر الذي تتحدث الحكومة دوماً عن تحسينه، فحسب بيانات البنك فقد تراجع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة إلى مصر بنسبة 36% خلال النصف الثاني من العام 2018. وبالأرقام، فإن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض إلى 2.8 مليار دولار، مقابل 3.8 مليارات دولار في الفترة المقابلة من العام المالي الماضي.


والملفت هنا أن هذا الانخفاض الحاد في الاستثمارات الأجنبية المباشرة حدث رغم إصدار الحكومة، منتصف عام 2017، قانون الاستثمار، الذي قالت إنه سيحدث قفزة في جذب الاستثمارات الخارجية عن طريق تقديم حزمة حوافز للمستثمرين، وسيعمل على تحسين مناخ الاستثمار في مصر.

كما أن التراجع الكبير في رقم الاستثمارات الأجنبية المباشرة يتناقض مع تصريحات حكومية أعلنت أكثر من مرة أنها تستهدف زيادة صافي هذا النوع من الاستثمارات إلى 11 مليار دولار في العام المالي الجاري 2018-2019 مقابل 7.9 مليارات دولار في العام المالي السابق له.

بل إن وزيرة الاستثمار سحر نصر، تحدثت أكثر من مرة عن جذب استثمارات تفوق رقم الـ11 مليار دولار، مع التأكيد على أن مصر أصبحت أكبر مستقبل لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في قارة أفريقيا خلال النصف الأول من عام 2018.

وتنبع أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة من كون أن حصيلتها توجه لتأسيس مشروعات صناعية وإنتاجية وخدمية، وهذه المشروعات تحقق عدة مزايا للاقتصاد الوطني، منها توفير فرص عمل للشباب، وزيادة صادرات البلاد الخارجية مع الحد من الواردات، وتلبية احتياجات الأسواق المحلية، وبالتالي خفض الأسعار مع توفير النقد الأجنبي الموجه لفاتورة الواردات.

تراجع التحويلات

المؤشر الثاني الذي يجب أن يلفت نظر صانع القرار السياسي والاقتصادي هو تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 6.7 بالمائة، لتصل إلى 12.045 مليار دولار في النصف الثاني من العام الماضي، 2018، مقابل 12.923 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام السابق له. فهذا التراجع وإن بدأ بسيطا إلا أنه يجب التحرك لمعرفة الأسباب، وخاصة أن التحويلات تحتل الرقم واحد في إيرادات النقد الأجنبي للبلاد.


في مقابل تراجع المؤشرين السابقين، تحسنت إيرادات المرور في قناة السويس بنسبة 5.7 بالمائة لتصل إلى 2.928 مليار دولار في النصف الثاني من العام الماضي، مقابل 2.768 مليار دولار في الفترة المقابلة.

وقد يكون التحسن راجعا إلى عدة أسباب، منها الإجراءات التسويقية التي قامت بها إدارة القناة لجذب السفن العملاقة، والحسومات الكبيرة التي منحتها لسفن النفط والغاز والتي تصل إلى 50% من قيمة رسوم المرور، كما أن تحسن أسعار النفط في الأسواق العالمية جعل شحنات الطاقة تعود إلى المرور في قناة السويس بدلاً من اللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح عالي الكلفة.