ما لنا وقرار خفض سعر الفائدة الأميركية؟

19 سبتمبر 2024
رئيس البنك المركزي الأميركي جيروم باول، واشنطن، 10 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

ما لنا وقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) خفض سعر الفائدة في الولايات المتحدة نصفاً في المائة لأول مرة منذ شهر مارس 2020، ما الذي يعود علينا إن خفض البنك الفائدة على الدولار أو حتى رفعها، هل ستخفض تلك الخطوة الأسعار الملتهبة أو تملأ حافظة نقودنا الفارغة وارصدتنا المصرفية غير الموجودة اصلاً.

دعنا غارقين في أزماتنا الداخلية من غلاء فاحش لتكاليف المعيشة وتضخم غير مسبوق للأسعار وتهاوٍ في القدرات الشرائية والعملات المحلية، خفض الفائدة أمر يخص المواطن والاقتصاد الأميركيين وأصحاب الثروات المستثمرة سواء في البورصات الأميركية "وول ستريت" أو في البنوك الأميركية والغربية بشكل عام، ولا يخص الشعوب المطحونة في الدول العربية والنامية واللاهثة وراء لقمة عيش حتى لو كانت حافية، أو التطلع لحياة كريمة يبدو أنها لن تتحقق في القريب العاجل، أو العثور على فرصة عمل باتت مستبعدة.

ربما يكون هذا هو لسان حال الملايين في منطقتنا الذين سمعوا أو قرأوا عن قرار البنك الفيدرالي الصادر مساء يوم الأربعاء والخاص بخفض سعر الفائدة الأميركية لأول مرة منذ أكثر من أربع سنوات، وهو القرار الذي كانت تترقبه كل الحكومات والبنوك المركزية وصانعي السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وبنوك وصناديق الاستثمار الكبرى وكبار المستثمرين والأسواق حول العالم، ذلك باعتباره واحدا من أهم القرارات الصادرة في السنوات الأخيرة بسبب تأثيراته العميقة على مجريات الاقتصاد العالمي وحركة الأموال، بما فيها الساخنة، واتجاهات أسعار الصرف العملات والمعادن والفائدة والذهب وتحركات أسعار الأسهم والسندات وأذون الخزانة وغيرها.

خفض الفائدة لا يخص الشعوب المطحونة اللاهثة وراء لقمة عيش حتى لو كانت حافية، أو التطلع لحياة كريمة يبدو أنها لن تتحقق في القريب العاجل، أو العثور على فرصة عمل باتت مستبعدة

لكن التصور الذي يستبعد أي علاقة بين المواطن في منطقتنا وما جرى للفائدة الأميركية غير دقيق، فالمقولة المعروفة تقول: "إذا عطست أميركا فإن العالم سيصاب بالزكام"، والاقتصاد الأميركي لا يزال هو الأضخم في العالم، ولا تزال الولايات المتحدة تتحكم في الجزء الأكبر من حركة الأموال والتجارة حول العالم، وتستقطب النسبة الأكبر من احتياطيات الدول من النقد الأجنبي داخل قطاعها المصرفي وأدوات الدين ومنها السندات.

أما عن الدولار فلا يزال هو ملك العملات رغم تراجع حصته عالميا لأقل من 60%، والورقة الخضراء لا تزال العملة المفضلة للمدخر والرابحة بين عملات الودائع والادخار والأداة الأبرز للاستثمار حول العالم، والولايات المتحدة سحبت الأموال الفائضة من دول العالم عندما رفعت أسعار الفائدة لنسبة 5.5% وهي الأعلى منذ نحو أربعة عقود.

وبالتالي فإن حركة أسعار الفائدة على العملة الأميركية تهم الاقتصادات كافة سواء المتقدمة المنتمية إلى مجموعة السبع الصناعية أو مجموعة العشرين، أو المنتمية إلى الاقتصادات الناشئة التي تنتمي إليها معظم الدول العربية، خاصة وأن الدولار لا يزال عملة التسعير الأولى في العالم سواء لسلع النفط والغاز والمعادن والحبوب وغيرها، وأن الدولار لا يزال يهيمن على احتياطيات البنوك المركزية العالمية من النقد الأجنبي ويستحوذ على نحو 59% منها مقابل 20% لليورو و7% للين الياباني و6% للجنيه الإسترليني.

وقرار خفض سعر الفائدة الأميركية ستكون له آثار إيجابية على سلع مرتبطة بالمواطن في أي مكان مثل الذهب الذي شهد زيادة عقب صدور قرار الفيدرالي مباشرة، ومن المتوقع أن يواصل سعر المعدن الأصفر ارتفاعه مع مواصلة الفيدرالي خفض سعر الفائدة لتصل إلى مستويات مارس 2020 وهي ما بين الصفر والربع في المائة.

خفض الفائدة على الدولار ستكون له تأثيرات إيجابية للدول التي تعتمد على القروض الخارجية في علاج فجواتها التمويلية وعجز موازنتها إذا ما تراجعت تكلفة الأموال

ومن المتوقع أن يكون لخفض الفائدة الأميركية تأثيرات إيجابية على البورصات العربية والعالمية في ظل توقع مغادرة أموال ضخمة البنوك الغربية للاستقرار في البورصات، دليل ذلك الزيادات التي شهدتها معظم البورصات الأوروبية والآسيوية والخليجية اليوم الخميس. وأن يلقي قرار الخفض بظلاله على حركة الأموال الساخنة بحيث تعود مرة أخرى إلى الدول المتعطشة للأموال والنقد الأجنبي ومنها مصر وتركيا وباكستان وسريلانكا وجنوب أفريقيا والأرجنتين.

أيضا قرار خفض سعر الفائدة على الدولار ستكون له تأثيرات إيجابية للدول التي تعتمد على القروض الخارجية في علاج فجواتها التمويلية وعجز موازنتها العامة خاصة إذا ما تراجعت تكلفة الأموال وأسعار الفائدة على القروض والسندات وأذون الخزانة الأميركية بشكل سريع.

بقيت نقطة أخيرة وهي تتعلق بمدى استفادة المواطن العربي العادي من قرار خفض سعر الفائدة الأميركية، والحقيقة هنا هي أن ذلك المواطن ربما يكون خارج الحسابات العالمية المعقدة في ظل تبعية دول المنطقة للخارج واعتمادها على أسواق وعملات وقروض ومعونات ومنح الخارج، ولهثها وراء حكومات ومؤسسات الغرب المالية للاستدانة، حتى لو بتكاليف أعلى.

يمكن أن يختلف الوضع إذا تراجعت معدلات التضخم المحلية، واستردت العملات المحلية عافيتها، وتحسنت إيرادات النقد الأجنبي من موارد ذاتية وليس من قروض خارجية وعبر طرح مزيد من السندات الدولية. ويبدو أن الوصول إلى تلك اللحظة لن تكون قريبة.

المساهمون