مبادرة لإنقاذ صفقات بيع الفنادق والممتلكات الحكومية في مصر

27 أكتوبر 2024
سائحة تلتقط صورة شخصية في شرم الشيخ شمال شرقي مصر، 27 مارس 2024 (Getty)
+ الخط -

بعد تعثر دام عامين، وافق البنك المركزي المصري، على إطلاق مبادرة لإقراض قطاع السياحة 50 مليار جنيه (1.02 مليار دولار)، بفائدة مخفضة، لإنعاش القطاع ومواجهة العجز المتزايد في عدد الغرف الفندقية الذي يقدر بنحو 250 ألف غرفة. وصف خبراء سياحة المبادرة بأن ميلادها المتأخر، جاء مدفوعاً برغبة الحكومة دعم بعض رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، الذين تعاقدوا على شراء الفنادق والأصول الحكومية التي ستحول إلى غرف فندقية، بعد تعثر تحويل المباني العامة ومقرات الوزرات والهيئات الحكومية، إلى منشآت سياحية.

أشار الخبراء إلى أن تعطل البنك المركزي في إطلاق المبادرة جاء تحت ضغط صندوق النقد الدولي، ما حرم القطاعات الصناعية والسياحية والإنتاجية، من القروض المخفضة، ما جعل الحكومة تتجه إلى تمويل الصفقة، من موارد الموازنة العامة بوزارة المالية، لإنقاذ قطاع السياحة المتعثر. وأكد أعضاء في اتحاد الغرف السياحية والفندقية، أن الأزمات التي يمر بها قطاع السياحة، من داخل الدولة أكثر خطورة وعمقاً من التداعيات التي يسببها العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.

وأقر البنك المركزي، الأسبوع الماضي، تنفيذ مبادرة أطلقها مجلس الوزراء في 24 يوليو/تموز 2024، تستهدف تقديم وزارة المالية 50 مليار جنيه لقطاع السياحة، بفائدة متناقصة ومخفضة بنسبة 12% بدلاً من المتوسط السائد في البنوك عند 30%. تشترط المبادرة أن تسلم شركات الفنادق والسياحة 40% من إيراداتها بالدولار إلى الدولة، بالسعر الرسمي السائد في البنوك، مع التزام القطاع بسداد ضريبة القيمة المضافة بنفس قيمة العملة لبيع الخدمة. وتحدد المبادرة حجم الائتمان لكل شركة في ضوء حجم أعمالها، على ألا يتجاوز الحد الأقصى لتمويل العميل الواحد مليار جنيه وفي حالة وجود أكثر من طرف يصبح الحد الأقصى ملياري جنيه (41 مليون دولار).

منحت المبادرة وزير المالية والسياحة مجتمعين استثناء بعض العملاء من الحد الأقصى، اعتبره خبراء القطاع يفتح أبواباً خلفيه لقصر الدعم على بعض المقربين من أجهزة السلطة أو الشركات التي تراها الأجهزة الرسمية، مستحقة للدعم دون غيرها. يجري سحب قيمة الدعم خلال 16 شهراً من تاريخ الإصدار، وبحد أقصى 30 يونيو/حزيران 2026، وتوظف أموال المبادرة في تمويل بناء وتشغيل غرف فندقية جديدة، والتوسعات في مشروعات قائمة، والاستحواذ وإجراء عمليات الإحلال والتجديد بغرف فندقية مغلقة، لمدة سنة على الأقل، في حدود 500 مليون جنيه (10.25 ملايين دولار)، للعميل الواحد ومليار جنيه للشركات متعددة الأطراف.

تسمح المبادرة بمنح التمويل للاستحواذ على المباني المغلقة، غير الفندقية، التي ستحول إلى منشآت فندقية. يعتبر خبراء البند بوابة خلفية للحكومة لتمويل صفقات تحويل مجمع التحرير والمباني الوزارية وعقارات القاهرة الخديوية المطروحة أمام إدارتها وبيعها للمستثمرين العرب والأجانب، بعد أن أحجم المستثمرون عن تسليم المجمع والمشروعات المتفق عليها خلال العامين الماضيين، بسبب نقص التمويل لتطوير المنشآت من قبل البنوك المحلية، مع عدم رغبتهم في ضخ أموال جديدة لتلك المشروعات بالدولار، خشية تراجع قيمة العملة، وتأثر عوائد السياحة بالحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.

عزز البنك المركزي، رأي الخبراء، بوضعه المشروعات الفندقية غير المرخصة فنادق من قبل، التي بدأ العمل بها ولم تكتمل، تحت مظلة المبادرة، مع منحه أولوية التمويل للمشروعات القائمة، بكل من الأقصر وأسوان (جنوب مصر)، القاهرة الكبرى، البحر الأحمر (شرق)، وشرم الشيخ وطابا ونويبع ودهب (شمال شرق).

تسدد أقساط القروض على أقساط ربع سنوية بحد أقصى خمس سنوات، من تاريخ أول سحب، مع منح المقترض رخصة التشغيل للمشروع النهائية أو المؤقتة خلال ستة أشهر من تاريخ نهاية مدة السحب، مقابل إقراره ببدء النشاط وبيع 40% من إيرادات الفندق أو المنشأة السياحية محل المبادرة بالعملة الأجنبية، وطوال مدة التعاقد على القرض، على أن يكون الحد الأدنى للعائد يساوي إجمالي القرض والعوائد. ينص الاتفاق على تحمل الشركات المستفيدة من المبادرة الفارق في سعر الائتمان والخصم حال زيادته عن السعر السائد حاليا بالبنك المركزي، وتقديم تقرير من مكتب محاسبة معتمد يفيد بيعها الإيرادات المتفق عليها بالعملة الأجنبية للدولة.

ولا تبدو أن مشكلة القطاع السياحي تقتصر على التمويل لتطوير المنشآت الفندقية وزيادة عدد الغرف وإنما أمور عدة أخرى وفق محللين. وأكد خبير إدارة الفنادق هيثم نصار، أن مشاكل السياحة تحتاج إلى حل من الجذور، مشيرا إلى أن الأزمات التي تعرضت خلال العقدين الماضيين، وزادت حدتها مع توقف السفر خلال فترة انتشار وباء كورونا عام 2020، ونشوب الحرب الروسية الأوكرانية في 2022 ثم الحرب في غزة ولبنان منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أدت إلى هجرة نحو 35% من العمالة الماهرة إلى الدول المجاورة والعمل في صناعات أخرى، بحثاً عن ضمان الراتب والوظيفة المستدامة. ولفت نصار إلى وجود نقص كبير في عدد الفنادق وقلة الخدمات المقدمة للسائحين، مع تركيزها في مناطق جغرافية محددة، وفئات فندقية مرتفعة.

كما عبّر رئيس اتحاد الغرف السياحية السابق إلهامي الزيات عن مخاوفه من التأثير السيئ مما يسميهم بـ"أعداء السياحة في الداخل"، على صناعة السياحة، بالإضافة إلى تأثيرات الحروب في المنطقة وأزمات دولية والتي تجعلها صناعة أكثر هشاشة. قال الزيات لـ"العربي الجديد" إن أزمة السياحة تظل رهنا بتطورات الحرب في غزة، والتحولات الجيوسياسية بالمنطقة، والأوضاع السيئة في المطارات، وقلة الطاقة الناقلة جوا وعدم استعداد شركات الطيران، لمضاعفة سعة الركاب، حيث يمثل النقل الجوي نحو 90% من إجمالي عدد القادمين لمصر.

ولفت إلى تحول المطارات إلى حالة من الفوضى، مع عدم التزام خطوط الطيران بمواعيد السفر ومرور المسافرين بتجارب مريرة، في تعاملاتهم بمنافذ الوصول، والتي تظل متخلفة بكافة المطارات، ومتوقفة عند حدود استقبال وسفر الركاب، في ظل إدارة غير جيدة، وسلوكيات منفرة للأجانب، من قبل الموظفين والعمال، بينما أصبحت المطارات بأنحاء العالم، منشآت سياحية وحياتية متكاملة، يمارس فيها المواطنون والمسافرين الرياضة والأنشطة الصحية والاجتماعية.

وقال الخبير السياحي المسؤول حالياً عن ملف النشاط السياحي في الصندوق السيادي إن تحويل إدارات المطارات إلى شركات خاصة، بالتوازي مع إسناد إدارة المزارات السياحة للقطاع الخاص، سيساهم في تطوير تلك الخدمات والقضاء على سطوة السماسرة الذين يلاحقون السائحين، بطريقة مسيئة، في ظل غياب الرقابة الصارمة بمنافذ الوصول والمزارات السياحية.

المساهمون