مجاعة تفتك بشمال غزة... الاحتلال يمنع الغذاء

10 أكتوبر 2024
سكان الشمال يعيشون أوضاعاً صعبة وسط مبانٍ مدمرة (داود أبو الكاس/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً خانقاً على نحو 400 ألف فلسطيني في محافظتي غزة والشمال، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وانتشار المجاعة بسبب منع دخول المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية.
- استهدف جيش الاحتلال المخابز والبنية التحتية الزراعية، مما أدى إلى نقص حاد في الخضار وتوقف الأسواق عن العمل، مع تضخم تجاوز 250% في القطاع.
- أكد تقرير البنك الدولي أن قطاع غزة يواجه أزمة إنسانية تاريخية، مع نقص حاد في الغذاء والماء والوقود، ودعا إلى وقف الأعمال العدائية وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.

 

يفرض الاحتلال الإسرائيلي منذ ثلاثة أسابيع حصاراً مشدداً وخانقاً على نحو 400 ألف فلسطيني بقوا طوال عام من حرب الإبادة في محافظتي غزة والشمال، وذلك من خلال وقف إمدادات الغذاء وإيصال المساعدات عنهم بشكل منظم ومدروس، حتى قبل العملية العسكرية البرية التي بدأت قبل خمسة أيام وتهدف إلى تهجيرهم من منازلهم.
وقال مصدر حكومي في قطاع غزة لـ"العربي الجديد" إنّ الاحتلال الإسرائيلي يمنع منذ ثلاثة أسابيع دخول المواد الغذائية والمستلزمات الأخرى للمؤسسات الخيرية والأمم المتحدة والتجار في شمال قطاع غزة.
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن الاحتلال الإسرائيلي يسمح فقط بإدخال الدقيق الذي أصبح متكدساً في هذه المناطق بغير حاجة له.
 

وقف الإمدادات الغذائية

من جانب آخر، أفاد سكان فلسطينيون في مناطق شمال قطاع غزة في حديثهم لـ"العربي الجديد" بأن الاحتلال مارس حصاراً أشد على المناطق الشمالية، ولم يسمح بأي إمدادات غذائية على مدار الأسابيع الماضية في ما يبدو كتمهيد للعملية العسكرية التي انطلقت قبل 5 أيام فقط.
وأوضح بعض السكان أن ما سمح الاحتلال الإسرائيلي بإدخاله فقط الحد الأدنى من بعض المنتجات، فيما منع إدخال أي مواد غذائية أخرى، ما فاقم الأوضاع المعيشية وأعاد المشهد في مناطق الشمال وتحديداً مخيم جباليا للاجئين إلى ما كان عليه الواقع قبل شهور حيث وصلت المجاعة إلى حدها الأعلى والتي أدت إلى وفاة نحو أربعين غالبيتهم من الأطفال نتيجة سوء التغذية.
وأشار السكان إلى أن هناك نقصاً كبيراً على صعيد مياه الشرب ومياه الاستهلاك اليومي نتيجة للحصار المطبق الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي ومنع إدخال الوقود علاوة عن توقف عمل بعض المخابز عن العمل نهائياً وتعرض بعضها للحرائق بفعل الأوضاع الميدانية.
 

استهداف المخابز وغياب الخضار

واستهدف جيش الاحتلال على مرتين مخبز الشلفوح الآلي، أحد أهم وأكبر مخابز الشمال من حيث الحجم والإنتاج، ما أدى لحريق كبير عجزت عن إطفائه فرق الدفاع المدني لساعات، وقد منع الطيران المُسير الذي يطلق الرصاص الحيّ على المتحركين بالمنطقة المستهدفة غربي جاليا عمليات الإطفاء أيضاً، بحسب مصادر لـ"العربي الجديد".
ولفت السكان إلى أنّ هناك غياباً تاماً للخضار وتوقف في عمل الأسواق جراء العملية العسكرية البرية التي يتعرض لها مخيم جباليا للمرة الثالثة على التوالي منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع قبل أكثر من عام.
وأوضح تقرير حديث صادر عن البنك الدولي أن التضخم في قطاع غزة تجاوز الـ250%، بسبب تبعات العدوان المستمر منذ نحو عام.
 

400 ألف محاصرون

إلى ذلك، قال المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني إن ما لا يقل عن 400 ألف شخص محاصرون شمال قطاع غزة، وأوامر الإخلاء الإسرائيلية تجبر الناس على الفرار مراراً وتكراراً، خصوصاً من مخيم جباليا.
وأوضح لازاريني في منشور عبر منصة إكس، أمس الأربعاء، أنّ عدداً كبيراً من الفلسطينيين يرفضون الإخلاء، لأنهم يدركون أنه لا مكان آمناً في قطاع غزة، مشيراً إلى انتشار المجاعة وتفاقمها في جميع أنحاء القطاع، مع عدم توفر الإمدادات الأساسية. وكشف عن اضطرار بعض مراكز الوكالة للايواء والخدمات إلى الإغلاق للمرة الأولى منذ بدء الحرب.
وأكد لازاريني في تغريدة نشرها عبر منصة التواصل الاجتماعي "إكس" تويتر سابقاً أنّ المجاعة انتشرت وتفاقمت في جميع أنحاء القطاع، مع عدم توفر الإمدادات الأساسية ونتيجة لحالة النزوح المتواصلة بين فترة وأخرى بفعل الحرب الإسرائيلية.
وبحسب المفوض العام لوكالة أونروا فإنّ المنظمة الأممية اضطرت وللمرة الأولى من بدء الحرب الحالية في أكتوبر 2023 إلى الإغلاق في ما يتعلق بمراكز الإيواء التي تضم الآلاف من النازحين ونتيجة للأوضاع الميدانية.
ويعتمد أكثر من 90% من سكان القطاع على المساعدات التي تقدمها المنظمات الأممية في غزة منذ أكثر من عام في ظل تفشي الفقر لأكثر من 85% في صفوف السكان وانعدام الأمن الغذائي بوتيرة غير معتادة جراء الحرب الإسرائيلية.
 

الاحتلال يشهر سلاح التجويع

اتبع الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع منذ بداية الحرب على غزة حيث قطع خطوط الإمداد عبر إغلاق المعابر والمنافذ الحدودية وقام بالتحكم في أعداد الشاحنات الواردة للقطاع بعد عمليات تفتيش تقوم بها قواته لها.
وسجلت المنظمات الحقوقية والأممية استشهاد نحو 40 فلسطينياً بفعل عمليات التجويع كانت غالبيتهم من الأطفال وكبار السن في المناطق الشمالية للقطاع إلى جانب مدينة غزة، فضلاً عن تعرض المئات من السكان لتدهور في الأوضاع الصحية نتيجة لسوء التغذية.
وقبل أسابيع قليلة، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتدمير وتجريف مئات الدونمات المزروعة بالخضروات شمالي قطاع غزة، في مسعى قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه يعكس إصراره على إبادة الفلسطينيين جماعيّاً هناك، من خلال فرض ظروف معيشية تؤدي بهم إلى الهلاك الجسدي والتجويع وتدمير الموارد التي لا غنى عنها للبقاء، وحرمانهم من الإنتاج الزراعي في وقت تواصل فيه حصار القطاع بشكل غير قانوني وتقيد بشدة دخول الإمدادات الغذائية منذ نحو عام.
وكانت قوات من جيش الاحتلال معززة بآليات عسكرية وجرافات قد قامت بتجريف وتدمير عشرات الدونمات الزراعية التي أعاد المزارعون في بيت لاهيا شمالي القطاع زراعتها وتجهيزها للاستفادة منها في ظل حرب التجويع.
وأكد المرصد الأورومتوسطي في بيان أن هذا التدمير يأتي في إطار خطة منهجية إسرائيلية منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث عملت القوات الإسرائيلية على إخراج قرابة 80% من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة، إما بعزلها تمهيداً لضمها للمنطقة العازلة بالقوة على نحو يخالف القواعد الآمرة بالقانون الدولي، أو من خلال تدميرها وتجريفها.
وبحسب تحليل "الاستشعار عن بعد" الأخير الذي أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات)، أكد أنّ 63% من الأراضي الزراعية الدائمة في غزة شهدت انخفاضاً في صحة المحاصيل وكثافتها. كما تتأثر محافظات خانيونس ومدينة غزة وشمال غزة بشكل خاص، حيث تضرر ما يقرب من 70% من أراضيها الزراعية، وفق التحليل.
 

أزمة إنسانية تاريخية في غزة

قال البنك الدولي في تقرير صدر مؤخراً إنه بسبب الصراع في الشرق الأوسط تقترب الأراضي الفلسطينية من السقوط الاقتصادي الحر، وسط أزمة إنسانية تاريخية في قطاع غزة.
وبحسب التقرير، انكمش اقتصاد غزة بنسبة 86% في الربع الأول من عام 2024، مما أدى إلى انخفاض حصتها من الاقتصاد الفلسطيني من 17% إلى أقل من 5%، موضحا أن الوضع الإنساني يتفاقم بسبب نزوح ما يقرب من 1.9 مليون شخص، مع امتلاء الملاجئ، وعدم كفاية خدمات الصرف الصحي، كما أدى النقص الحاد في الغذاء والماء والوقود والمعدات الطبية إلى انتشار انعدام الأمن الغذائي، وظروف شبيهة بالمجاعة.
وأكد البنك الدولي ارتفاع حالة انعدام الأمن الغذائي في غزة، مما دفع ما يقرب من مليوني شخص إلى حافة المجاعة على نطاق واسع، قائلاً: ما يقرب من 90% من الأطفال دون سن الثانية، إلى جانب 95% من النساء الحوامل والمرضعات في غزة، يعانون من فقر غذائي شديد، ويستهلكون مجموعتين غذائيتين أو أقل. وشدد البنك الدولي على ضرورة إعطاء الأولوية لوقف "الأعمال العدائية" لتقليل المعاناة الإنسانية، وتمكين استعادة الخدمات الأساسية، والانتعاش الاجتماعي الاقتصادي. وطالب بإعطاء الأولوية لجهود الإغاثة الإنسانية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي، والتعاون مع المنظمات الدولية لتسهيل دخول الإمدادات الأساسية والمساعدات إلى غزة.

المساهمون