بينما تعقد الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، اليوم الخميس، اجتماعاً لتشديد رابع للحظر الغربي على روسيا، ربما يشمل حظر النفط والغاز، للضغط على موسكو التي تواصل حربها الشرسة في أوكرانيا، تثار المخاوف من إفساد الشركات الصينية للعقوبات الغربية، عبر شراء حصص في الشركات الروسية المهمة في الطاقة والمعادن، ومواصلة شراء السلع الروسية المحظورة في الأسواق العالمية.
وهذه المخاوف باتت تتردد بقوة بين تجار السلع في عواصم المال الغربية، وتشغل في الوقت نفسه بال الساسة في أوروبا.
وحتى الآن، ترفض الحكومة الصينية التعاون مع الغرب وإقرار العقوبات المالية والاقتصادية ضد موسكو، أو حتى إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتتاجر بشكل طبيعي مع روسيا، حسب بيانات وزارة الخارجية الصينية الصادرة أخيراً في بكين.
وكما استفادت الشركات الصينية، خلال الأربعين عاماً الماضية، من العولمة في التوسع التجاري والاقتصادي الخارجي، يتخوف خبراء غربيون من استغلال الشركات الصينية للحظر الغربي الذي يحاصر منتجات روسيا الرئيسية من النفط والغاز الطبيعي والمعادن والحبوب وتتمكن من التربح منها، عبر الحسومات الكبيرة التي تجدها في الوقت الراهن، أو بناء مخزونات هائلة تحتكرها للمستقبل.
وما يشجع الشركات الصينية على شراء السلع الروسية أن الصفقات تتم بعملة اليوان الصيني، بدلاً من الدولار المحظور على روسيا، والمراقب بواسطة وزارة الخزانة الأميركية، إضافة إلى رخصها مقارنة بسعرها في الأسواق العالمية. ويلاحظ في هذا الصدد، أن شركات الطاقة الصينية رفعت مشترياتها من الغاز الطبيعي، خلال شهر فبراير/شباط الماضي، إلى ضعف مشترياتها الشهرية المعتادة.
وحسب الاقتصادي في جامعة كولومبيا الأميركية في نيويورك، والذي عمل سابقاً كبير خبراء الاقتصاد في بنك التنمية الآسيوي، شانغ جن وي، فإن الصين ترفض حتى الآن المشاركة في الحظر الاقتصادي والمالي الغربي، لأسباب جيوسياسية واقتصادية ومالية، لأن حجم تجارتها مع روسيا تضاعف ثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة، كما أنها تستورد من روسيا سلعاً مهمة لنموها الاقتصادي، من بينها النفط والغاز الطبيعي وبعض المعادن. وبالتالي، يقول جن وي، إن بكين ترى أن تبنّي الحظر الاقتصادي والمالي على روسيا سيكون مكلفاً لها اقتصادياً مقارنة بالكلف التي تتكبدها الولايات المتحدة أو بريطانيا.
ويقول وي، في مقال تحليلي بدورية "بروجكت سيندكت"، إن الحظر الاقتصادي سيعرقل نمو الاقتصاد الصيني المستهدف بنسبة 5.5% خلال العام الجاري.
ومن الناحية الجيوسياسية، يرى خبراء أن الصين تتخوف من هزيمة روسيا وتأثير الهزيمة على موقع نفوذها الجيوسياسي العالمي وعلى نجاح استراتيجية "الصين الواحدة" التي تنوي بموجبها في المستقبل ضم جزيرة تايوان.
كما يدخر الرئيس شي جين بينغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمستقبل المواجهة المحتملة مع الولايات المتحدة التي يرى أنها لا بد أن تحدث وأنها مسألة حتمية ومؤجلة فقط، وبالتالي فهو ينظر لروسيا كحليف استراتيجي متوقع ضد القوى الغربية في الصراع المستقبلي. ولكن رغم ذلك، تبدو الحكومة الصينية مترددة حتى الآن في تقديم دعم واضح وكبير للاقتصاد الروسي الذي يقدّر مصرف "جي بي مورغان" أنه يعاني بشدة وسينكمش بنسبة 33% خلال الربع الثاني من العام، وهي تقديرات متواضعة جداً.
على صعيد مصالح الشركات الصينية من الحرب الدائرة في أوكرانيا، يرى محللون أن الشركات الصينية تنظر إلى أن روسيا المحاصرة حالياً توفر فرصة نادرة لاستغلالها، وشراء بعض الحصص في شركات الطاقة والمعادن الاستراتيجية.
في هذا الشأن، يقول الخبير الاقتصادي في مؤسسة "كابيتال إيكونومكس" البريطانية، مارك ويليامز، إن الصين ستساعد روسيا مالياً واقتصادياً، ولكن بحذر شديد، خشية على مصالحها التجارية في أوروبا وأميركا.
ويقدر حجم التجارة الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا بأكثر من تريليون دولار، من إجمالي حجم تجارتها البالغ 3.3 تريليونات دولار في العام الماضي 2021، حسب البيانات الصينية. ويضيف ويليامز، في تعليقات نقلتها صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ"، "أن الشركات الصينية الصغيرة والبنوك ربما تخرق الحظر الغربي على روسيا، ولكن الشركات الكبرى ربما لن تخاطر بمصالحها الغربية".
لكن، لا يستبعد مراقبون أن تقوم الشركات الصينية بإنشاء شركات جديدة تحت مظلتها من دون أن تعلن عنها للتجارة مع روسيا، وربما تتمكن من حلها لاحقاً. ولكن البروفيسور مايكل غازينوريك، من جامعة سسكس البريطانية، يرى أن "بعض السلع المحظورة غربياً ربما يتم توجيهها إلى الصين".
على صعيد فرص شراء الشركات الصينية لحصص في الشركات الروسية، قالت مصادر لوكالة بلومبيرغ، إن بعض الشركات الصينية الكبرى تخطط لشراء حصص في شركات غازبروم عملاق الغاز الروسي وشركة روسال إنترناشونال وشركات معادن ونفط أخرى.
وحسب تقرير وكالة بلومبيرغ، فإن شركة "الصين الوطنية للبترول ـ تشاينا ناشونال بتروليوم" وشركة "الصين للبتروكيماويات" وشركة صاينوبيك تجري مفاوضات أولية لشراء حصص روسية. كما أشارت المصادر إلى تكثيف الصين لمشتريات الطاقة والحبوب الروسية. ولدى شركة صاينوبيك استثمار بحصة 20% في مشروع يامال الروسي للغاز المسال في شمال روسيا، كما لديها حصة 10% في مشروع غاز في منطقة ألاسكا. ومعروف أن لدى الصين اتفاقات تجارية طويلة الأجل لشراء الغاز الروسي قيمتها 400 مليار دولار، كما أن لديها اتفاقات أخرى لا تقل عن مائة مليار دولار.
من جانبه، يرى المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية، الذي يعرف اختصاراً باسم "آسيب"، أن هناك آليات ربما تستخدمها الصين لمساعدة الاقتصاد الروسي المنهك لتفادي الحظر الغربي. ويشير في تحليل صدر أمس الأربعاء، إلى أن من بين هذه الآليات توجيه الحكومة الصينية للبنوك بزيادة حجم القروض للشركات الروسية، وكذلك زيادة ضمانات التصدير الخاصة باستيراد السلع.
وحتى الآن، خفض أكبر بنكين في الصين، وهما بنك التنمية الصيني وبنك الصادرات والواردات ببكين، من حجم التمويل الدولاري لمشتريات السلع الصينية لتفادي الحظر الأميركي الثانوي.
كما أشار تحليل المعهد الأسترالي كذلك إلى أن الصين يمكنها الطلب من البنك المركزي الصيني تسريع مد موسكو بالأصول الاحتياطية التي تملكها روسيا في الصين والبالغة 77 مليار دولار.
وهذه الأصول مودعة باليوان، وبالتالي فهي خارج دائرة الحظر الغربي، وتستطيع الحكومة الروسية استخدامها لاستيراد السلع المهمة ودفع المستحقات العاجلة للدائنين الغربيين.
كما يقول المعهد إن النافذة الأخرى التي يمكن أن تستخدمها الصين لدعم الاقتصاد الروسي، هي السماح للشركات الروسية بشراء السلع وتسوية الفواتير عبر نظام التحويلات الصيني "سيب"، وهو نظام شبيه بنظام التحويلات العالمية الموجود في بلجيكا "سويفت".
لكن المعهد لاحظ أن نسبة التحويلات التي تمرر عبر نظام سيب لا تتجاوز 3% فقط من إجمالي التحويلات العالمية التي تمر عبر "سويفت". وبالتالي، فإنها ربما لن تكون كافية لتغطية احتياجات روسيا التجارية. وحتى الآن، تستفيد الشركات الصينية من زيادة صادراتها من السلع الإلكترونية لروسيا.
ويذكر أن سفير الصين لدى موسكو، جانغ هانهوي، حث رجال الأعمال الصينيين في روسيا على اغتنام الفرص الاقتصادية الناجمة عن الأزمة. وحسبما ذكرت الرابطة الروسية لتعزيز الثقافة الكونفوشية عبر "وي تشات" فإن السفير جانغ وجّه 12 من رؤساء الأعمال بعدم إضاعة الوقت، وسد الفراغ في السوق المحلية.
وذكر سفير بكين لدى موسكو في المنشور أن "الوضع الدولي الحالي معقد، وتواجه الشركات الكبرى تحديات كبيرة أو اضطرابات في الدفع وسلاسل التوريد، وهذه لحظة يمكن أن تقوم فيها المؤسسات الخاصة والصغيرة ومتوسطة الحجم بدور". كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء أن الصين وروسيا قامتا بإجراء تعاون متبادل المنفعة بشأن الاقتصاد والتجارة.