تجتاح أوروبا موجة من إضرابات واحتجاجات المزارعين، لتزيد من أزمات الغذاء في القارة المترهلة، التي تعاني مجموعة أزمات خلال العام الجاري، تراوحت بين الجفاف الشديد والحرائق، وزيادة أسعار الوقود خصوصاً الغاز، وتراجع قيمة عملة اليورو إلى أقل من دولار واحد، وزيادة كلفة الإنتاج، وارتفاع معدل التضخم، وتداعيات الحرب الأوكرانية على النشاط الاقتصادي، وتراجع معدل النمو، وتراجع إنفاق المستهلكين على السلع وغيرها.
وتمتد إضرابات المزارعين في القارة لتشمل العديد من دول الاتحاد الأوروبي، وشملت حتى الآن كلا من هولندا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وبولندا. وهناك دعوة موجهة لاتحادات المزارعين في جميع أوروبا، للاحتجاج ضد الحكومات التي فشلت في حماية العاملين في القطاع الزراعي من الأزمات المتفاقمة. وأغلقت الجرارات والآليات الزراعية الطرق الرئيسية في المدن الكبرى، وعرقلت سير الشاحنات التي تنقل إمدادات المنتجات الزراعية إلى المتاجر ومحلات السوبرماركت في العديد من المدن الرئيسية في أوروبا.
وحسب تعليقات نشرها مختصون في دوريات زراعية، تحدُث احتجاجات المزارعين في دول الاتحاد الأوروبي بسبب معارضتهم لسياسات الحكومات الخاصة بـ"إجراءات الزراعة الخضراء" التي تجبر المزارعين على خفض كميات غاز النيتروجين في الأسمدة الزراعية، وكذلك بسبب غلاء الوقود الذي رفع من كلف الإنتاج الزراعي وإنتاج المحاصيل والحبوب وقلل من ربحيتهم.
وحسب نشرة يورو ويكلي، فإن أوروبا مهددة باحتجاجات كبرى من قبل المزارعين في مختلف أنحاء القارة، يوم 23 يوليو الجاري، تضاف إلى الاحتجاجات المتفرقة التي جرت خلال الأسبوع الماضي، وإن اتحادات المزارعين طلبت التجمع في هولندا، حيث بدأت جموع المزارعين الألمان تصل إلى المدن الهولندية، حسب النشرة الأوروبية. كما أن هناك دعوة إلى احتجاج دولي من قبل المزارعين على السياسات الخضراء وأسعار الوقود التي ترتفع بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. وتشمل الدعوة إلى الاحتجاجات العالمية كلا من مزارعي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا، لكن موعدها لم يحدد بعد.
من جانبها، تقول صحيفة مورنينغ ستار الإيطالية، إن المزارعين في شمال إيطاليا أغلقوا الشوارع المؤدية إلى مخازن الأغذية. وقال مزارع إيطالي، في تغريدة على "تويتر": "نحن مزارعون ولسنا عبيداً".
وتواجه إيطاليا، التي نشبت فيها عدة حرائق بسبب الجفاف وحرارة الطقس، أزمة حقيقية في الإنتاج خلال الموسم الجاري، فيما المحاصيل الزراعية مهددة بخسارة 30% من معدل العام الماضي، بسبب عوامل الجفاف. وكان وزير الزراعة الإيطالي، ستيفانو باتونيللي، قد أبلغ البرلمان في روما، حسب صحيفة مورنينغ ستار، بأن البلاد تواجه خسارة 40% من المحاصيل بسبب نقص المياه خلال العام الجاري والعقد المقبل.
من جانبهم، يقول مزارعون إيطاليون إنهم خسروا نحو 3 مليارات يورو بسبب غلاء الوقود وإجراءات الطوارئ الحكومية خلال الموسم الجاري. وتواجه إيطاليا أزمة سياسية، إضافة إلى الأزمة الزراعية وأمنها الغذائي، إذ قدم رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي استقالته يوم الخميس الماضي، وسط أزمة سياسية نجمت عن رفض حركة "خمس نجوم" المشاركة في تصويت بالثقة لصالح الحكومة. لكن الرئيس سيرجو ماتاريلا رفض الاستقالة، ودعا رئيس الوزراء إلى المثول أمام البرلمان، لـ"تقييم الوضع". ويواجه رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي احتمال السقوط، بسبب فشله في معالجة أزمة غلاء الوقود، وأن هذه الاضطرابات سترفع من أسعار الغذاء أكثر.
وفي إسبانيا، تظاهر المزارعون في عدة مدن جنوبية، من بينها غرناطة وملقا، بسبب النقص في الغازولين، حسب "يورو ويكلي نيوز". ويواجه المزارعون في إسبانيا غلاء الوقود وعدم توفره في بعض المناطق الزراعية، لكنّ بعض الجماعات الليبرالية تتهم المزارعين بأنهم يرغبون في الحكم الفاشي الذي كان يقوده الجنرال فرانكو، وأنهم يناصرون بشكل غير مباشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإسبانية كشفت النقاب عن خطة بقيمة مليار يورو لخفض أسعار الوقود، لكن الغضب ما زال يسيطر على المزارعين بسبب "الزيادة الوحشية" في أسعار الوقود، وفق "يورونيوز"، فضلاً عن انخفاض عائدات المنتجات الزراعية. كما اشتكى مزارعو منطقة مدريد من ارتفاع سعر الأسمدة التي وصل ارتفاع الكثير منها سابقًا من أوكرانيا إلى 300%.
وفي هولندا، بدت رفوف المتاجر والسوبرماركت خالية من الألبان والجبن، بسبب إغلاق المزارعين للطرق المؤدية إلى مخازن السلع ومنع الشاحنات من التحميل، وهو ما أدى إلى تفريق الشرطة للمزارعين بالقوة خلال الأسبوع. وشعر أصحاب مزارع الأبقار ومنتجات الجبن والألبان في هولندا بالصدمة، حينما أعلنت الحكومة خارطة تحدد المناطق الزراعية التي يجب خفض كميات النيتروجين المطلقة في الجو فيها بنسبة 90%.
وبحسب "لوموند" الفرنسية، تتعرض سبل عيش المزارعين الهولنديين للخطر، بسبب سياسة النيتروجين التي اقترحتها الحكومة الهولندية، والتي قد تتطلب الذبح الجماعي للماشية، وربما إغلاق ما يقرب من ثلث مزارع البلاد.
وشرحت الصحيفة الفرنسية أن احتجاجات المزارعين لن تطاول فقط الأسواق المحلية، وإنما ستمتد تأثيراتها إلى أوروبا والعالم بأسره.
وفي حين أن هولندا بلد صغير في أوروبا يبلغ عدد سكانها 17 مليون نسمة، لكنها ثاني أكبر مصدر للمواد الغذائية في العالم، و"لديها أكثر المزارعين كفاءة في العالم"، وفقا للصحيفة. وتخطط الحكومة الهولندية للحد من انبعاثات أكسيد النيتروجين والأمونيا خلال السنوات المقبلة.
وتشير محللة الأغذية آن فيننغان، في تعليقات لصحيفة فارمرس جورنال الأيرلندية، إلى أن "النظام الغذائي العالمي يشهد تحولات جذرية، ويتطلب إجراء تغييرات رئيسية في نظم الإنتاج". ولكن المزارعين في أوروبا يرون أن تنفيذ هذه السياسات يأتي على حساب ربحيتهم، وأن الحكومات لا تقدم الدعم الكافي لهم.
وفي بولندا، عرقلت احتجاجات المزارعين حركة السير في شوارع وارسو. ووفقاً للفيديوهات التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن حركة الاحتجاج تتسع في بولندا القريبة من مناطق الحرب في أوكرانيا، وتعاني البلاد من تدفق اللاجئين الأوكرانيين.
ويحتج المزارعون في بولندا، إضافة إلى سياسات الزراعة الخضراء، كذلك على سياسات رفع الفائدة المصرفية. ويرون أن سعر الفائدة المرتفعة التي ينفذها البنك المركزي البولندي لم تفلح في خفض أسعار السلع الاستهلاكية، ولكنها في ذات الوقت أضرت بعمليات التمويلات التي يحصلون عليها من المصارف، حيث بات ما يدفعونه لهذه التمويلات مكلفاً ويحدّ من الأرباح التي يحصلون عليها من الإنتاج.
وكانت دول القارة الأوروبية قد واجهت، خلال الشهر الماضي، فوضى في عمليات السفر الجوي وحركة القطارات، بسبب إضرابات العمال في بريطانيا. وواجهت لندن احتجاجات عطلت قطارات السكك الحديدة في الأسبوع قبل الأخير من يونيو الماضي، كما شهدت المطارات البريطانية فوضى في السفر وتراكم الأمتعة، لدرجة جعلت السلطات تحدد عدد المسافرين بألا يتجاوز 100 ألف مسافر عبر مطار هيثرو.