عقد مؤتمر كوب 28 في الإمارات مؤخرا، بالتزامن مع حرب وحشية تشنها دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، وهو ما يطرح سؤالاً عن مدى تأثير العدوان على خطط التطبيع المناخي، والذي يتضمن مشروعات اقتصادية تستهدف الحد من تداعيات التغير المناخي، ومواجهة مشكلات يفاقمها، كما التصحر ونقص المياه والغذاء، وتشجيع الحد من انبعاثات الكربون، وتقليل الاحترار كهدف لاتفاقية الأطراف، وبين أدواتها الاستثمارات في مجال البيئة، ما يعتبر تطويرا لأوجه التعاون الاقتصادي، الذي تضمنته اتفاقيات التطبيع، بداية من كامب ديفيد ومرورا بوادي عربة وحتى اتفاقيات أبراهام.
منذ سنوات، تروج إسرائيل إقليميا وعالميا، كدولة ابتكار مناخي على حد تعبير رئيسها بمؤتمر للجامعة العبرية، ما يكسبها فرص الحصول على تمويلات واستثمارات ضخمة، وشركات أوروبية وأميركية، بينها الاستثمار في الطاقة النظيفة، والذي حظي باهتمام في COP27 حيث أعلنت شراكة إماراتية أميركية بتمويل 100 مليار دولار.
وخلال كوب28 أعلنت الإمارات عن استثمار 50 مليار دولار في 70 دولة، في قطاع الطاقة المتجددة، وترتبط بخريطة علاقاتها الدبلوماسية، وحسب تصريحات وزير التجارة الإماراتي، ثاني بن أحمد، يقدر حجم الاستثمارات في القطاع بـ385 مليار دولار.
وتعاونت إسرائيل والإمارات في مجال الطاقة المتجددة، أعلن صندوق استثمارات أبو ظبي في يناير 2021، وقبل مرور عام على اتفاقية التطبيع (أغسطس 2020) ضخت مئات ملايين الدولارات في مشاريع مشتركة.
لا ينفصل ذلك عن استراتيجية إماراتية للطاقة 2050، تتضمن خطة للاستثمار تزيد عن 163 مليار دولار، ستحصد منها إسرائيل نسبة ضخمة، سواء باستثمارات مباشرة في الأراضي المحتلة أو في مناطق أخرى، خصصت الإمارات لدول أفريقية 4.5 مليارات دولار، وعقدت اتفاقا (نوفمبر2021) لتمويل محطة كهرباء شمسية في سورية، بجانب الاتفاق الأهم، تمويل محطة كهرباء بالأردن تبادل إنتاجها بالمياه المحلاة في إسرائيل.
وفي سبتمبر الماضي، قال أمير حايك، السفير الإسرائيلي لدى الإمارات، إن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 2.5 مليار خلال 2022. ويتوقع ارتفاعه إلى 3 مليارات 2023، وبلغ حصاد التطبيع 27 اتفاقا، وسيوقع 100 اتفاق مستقبلا "في مجالات الزراعة والتجارة والاتصالات والمواصلات، الطاقة المتجددة".
وسعت إسرائيل إلى أن يكون مؤتمر المناخ الأخير، اتصالا بمستهدفاتها في مؤتمر شرم الشيخ، والذى جرى خلاله عقد بروتوكولات تعاون تدفع قطار التطبيع، وتحيي مشروع الشرق الأوسط الكبير مع اتفاقيات أبراهام، وخاطبت مشكلات لدى دول عربية وأفريقية، وطرحت إمكانيات حلها، وكرر مسؤولوها، أن العمل المناخي يحمل فرصا لتعزيز التعاون، عبر ما تمتلكه إسرائيل من تكنولوجيا ترتبط بالعمل المناخي.
تتشارك الإمارات ذات الرؤية، وتعتبر التعاون بين دول تملك موارد وخبرات، يعنى مستقبلا أفضل للمنطقة، وتعتبر إسرائيل الإمارات نقطة انطلاق، وتعمل الآن آلاف الشركات، بموجب اتفاق التجارة الحرة الموقع بين البلدين في مايو 2022
كما أعلنت الإمارات، ضمن COP28 طموحات في تطوير النظم الزراعية، وأقامت مركزا للابتكار، كما ستوظف الشبكة اللوجستية وطرق النقل لدعم سلاسل توريد الغذاء وهذا ليس بعيدا عن مستهدفات مشروعات لوجستية تجمع دول الخليج وإسرائيل بمشاركة الهند ودعم أميركي.
وخلال كوب 28، تم الإعلان عن تخصيص 200 مليون دولار لدعم الابتكارات والبحوث الزراعية، وهو أحد أنشطة برنامج دشن بشراكة أميركية إماراتية في كوب 26 وضم 600 شريك، و55 دولة، وتضاعفت استثماراتها من 8 مليارات في كوب 27 إلى تخصيص 17 مليار دولار في كوب 28 حسب تقرير للبيت الأبيض.
كل ذلك إلى جانب تعاون إماراتي مع مؤسسة "بيل وميليندا غيتس" في مجال بحوث الزراعة والطاقة، كما ترتبط إسرائيل بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وتعاونت مع جامعات أميركية وبريطانية في مواجهة التغيرات المناخية، واستفادت من تمويلات لمؤسسات دولية ومبادرات وصناديق سيادية عربية، تحت شعارات المناخ، بينها تمويلات للبنك الأوروبي والبنك الدولي، الذى زاد مخصصات مشروعات المناخ 10 مليارات دولار للعامين 2024-2025، واستثمارات خليجية تضخ تحت شعارات السلام وتدعم اقتصاد إسرائيل، الذي تعرض لأزمات خلال سنوات ثلاث ماضية، ستفاقمها الحرب على غزة.
تحدث عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتى قبيل مؤتمر المناخ، عن "حرص دول المنطقة على العمل معا من أجل تعزيز أمن الطاقة وأمن المياه وبناء مستقبل أكثر استدامة للجميع". وهنا لا يمكن رؤية مشروعات الاستثمار فى قضايا المناخ، ضمن عمليات التطبيع دون مشاركة أوروبية ودعم أميركي، سواء من مؤسسات التمويل الدولية، أو عبر الحامل السياسي، المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية، وهدفها دمج إسرائيل في المنطقة بكافة السبل ومنها قضايا المناخ، كما يتضح في خطابات أميركية، وتلعب الإمارات دورا مركزيا في ذلك.
كما شجعت الإمارات البحرين والمغرب في تعاونها مع إسرائيل، وسعت البحرين للتعاون مع تل أبيب في تقنيات إدارة المياه والطاقة، وقال سفيرها لدى إسرائيل، خالد يوسف الجلاهمة، إن قضايا المناخ تدخل ضمن تعزيز أوسع للعلاقات بين البلدين، مشيرا إلى تكنولوجيا الزراعة كما أشار إلى التعاون مع مركز شيبا الطبي، الذي سيعمل فيه أطباء بحرينيون. وكما الإمارات ستسعى البحرين لتدشين مركز للابتكار، بما يوضح تشابها كبيرا في أجندة التطبيع وبرامجه.
ومع طوفان الأقصى، أصبحت عمليات التطبيع المناخي محل إعادة تقييم، بما فيها مشروعات التعاون مع المغرب والبحرين، والأخيرة بعد طوفان الأقصى جمدت العلاقات الاقتصادية، وغادر سفيرها تل أبيب، والمغرب شهد مظاهرات واسعة ومتكررة سمحت بها السلطة، وهناك احتمالات لتأجيل بعض خطط التعاون في مجال المناخ، كما النقل والزراعة، مع البحث عن بدائل أوروبية.
لكن الإمارات لم تغير مسارها، ولا يبدو هناك تأثير على خطط التعاون، رغم رفضها حسب تصريحات رسمية "سياسة العقاب الجماعي ورفضها استهداف المدنيين رغم إرهاب حماس" على حد قول مسؤول إماراتي. أو حسب ما قال أحد مسؤوليها في تجمع للوبي اليهودي في أميركا، إن اتفاقيات التطبيع أبراهام ولدت لتبقى، بل اعتبر أن مظاهرات مناهضة العدوان على غزة تحمل عنفا وكراهية.
تعاون الأردن مع إسرائيل والإمارات في مشروعات العمل المناخي، حيث وقع إعلان نوايا مبدئيا، على مشروع تبادل المياه مقابل الطاقة، خلال معرض إكسبو دبي، وقوبل الاتفاق باحتجاجات خلال نوفمبر2021.
وفي مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، وقع بروتوكول التعاون الثلاثي برعاية أميركية، وبموجبه ستبادل عمان ما ستنتجه من الطاقة الشمسية (600 ميغاواط) مقابل 200 مليون متر من المياه المحلاة. وسّع العدوان على غزة، دوائر الاحتجاج الشعبي والغضب ضد إسرائيل، وعطل التطبيع مع السعودية، وأثر على مشروعات تعاون مع المغرب والبحرين، بينما لم يكن هناك تأثير ملحوظ على مخططات الإمارات التي ترفع شعار الأمن المناخي عبر تعزيز أمن الطاقة والمياه والمصالح المشتركة مع إسرائيل.
وربما التأثير الأكبر للحرب على مشروعات التطبيع المناخي، سيكون تعطيل مشروع الكهرباء مقابل المياه، خاصة مع غضب أردني شعبي تجاه دولة الاحتلال، دفع لتعطيل الاتفاق النهائي (مدته 35 عاما) الذي كان مفترض إنجازه خلال كوب 28.
وكذلك لعبت الحرب دوراً دافعاً للنقاش حول الاعتماد جزئيا على المياه والغاز من إسرائيل، وإعادة النظر في مشروعات تعاون بلغت 13 اتفاقية، بدأ البرلمان الأردني مراجعتها جميعا، وهي جزء من التطبيع الاقتصادي. وضغطت إسرائيل لتقليص إمدادات الغاز للأردن بنسبة 50 بالمائة، وبذات الأسلوب تعاملت مع القاهرة، قبل أن تعاود ضخ الغاز مجددا.
اليوم، أمام الأردن تحدي البحث عن بدائل، كما تحلية مياه البحر، والذي يحتاج تمويلا ضخما، إضافة للبحث عن بدائل للطاقة، وهو ذاته التحدي الذي يقابل دولا عربية، تقوم إسرائيل بطرح نفسها كمنقذ وشريك ومستثمر، بينما يمكنها التعاون بإمكاناتها ومواردها الطبيعية والمالية وخبرات بشرية لمواجهة تغيرات مناخية.
لكن إسرائيل في مؤتمر المناخ، لم تخسر وحسب توقيع اتفاقها مع الأردن، بل كانت مثار هجوم العديد من المتحدثين في المؤتمر من ممثلي الدول، وموضوعا للتظاهر والاحتجاج بوصفها تمارس جرائم مستمرة، تضر كل مناحي الحياة وتتناقض عمليا مع أهداف المؤتمر.