أصبح الاقتصاد المصري عاجزا عن توليد فرص عمل لحاملي الشهادات العليا والمتوسطة والعمالة الفنية، مع التراجع المستمر في عروض الوظائف الصناعية، وفقا لما كشفت عنه دراسة متخصصة صدرت مؤخرا.
كشفت دراسة بحثية للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، حول الطلب في سوق العمل، عن تلاعب الحكومة في الأرقام الرسمية حول معدلات البطالة، بما يخالف القواعد الدولية لحساب فرص العمل.
وبيّن خبراء أن تراجع معدلات البطالة، وفقا للإحصاءات الحكومية من 7.4% ديسمبر 2022 إلى 7.1% في إبريل 2023، يتناقض مع واقع مرير، يظهر تراجعا حادا في قدرة الشركات الخاصة والعامة على التوظيف، وتوقف الحكومة عن تعيين الخريجين الجدد.
وأشارت إلى أن الحكومة تحصر من يعمل لمدة ساعات أو أيام معدودات سنويا، على أنه حصل على فرصة عمل، مع تجاهلها رصد العاطلين الذين فقدوا الأمل في الحصول على فرصة عمل أو توقفوا طوعا عن طلب الوظائف، خاصة من النساء.
وكشفت الدراسة التي أجراها خبراء المركز بالتعاون مع عدد من الوزرات المعنية والبنك الأهلي ومنظمة العمل الدولية، وجود تراجع مستمر في الوظائف الصناعية بجميع تخصصاتها، مع مركزية شديدة في إنتاج الوظائف في العاصمة، التي تضم محافظتي القاهرة والجيزة، وأصبح الاقتصاد لا ينتج عددا كافيا من الوظائف لجميع الراغبين في العمل.
خريجون غير مؤهلين
وقالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي للمركز، في ندوة موسعة عقدت هذا الأسبوع لعرض تحليل نتائج دراسة ربع سنوية لسوق العمل، إن الغالبية العظمي من المتقدمين للوظائف غير مؤهلين بنسبة 90٪ لسوق العمل.
وذكرت أن تراجع فرص العمل المتاحة من المنزل تراجعت منذ الربع الثاني لعام 2022، وأصبح يمثل رفاهية غير متاحة لجميع التخصصات، مع تراجع الطلب على حديثي التخرج، لمحدودية خبراتهم.
وبيّنت المناقشات أن تدهور التعليم أدى إلى تراجع مهارات الخريجين، بما يهدر قيمة الشهادات العليا، ويدفع أصحاب الأعمال إلى طلب خريجين ذوي تعليم عال، لشغل وظائف لا تحتاج إلا لشهادات متوسطة، لضمان توافر الحد الأدنى من المهارات، مع ثبوت هبوط مستوى التعليم الفني المتوسط.
وأوضحت أن انخفاض قيمة الأجور وعدم توافر فرص العمل يشجع أصحاب الأعمال على اختيار حاملي المؤهلات العليا للوظائف المتاحة، بما يهدر قيمة التعليم العالي، والشهادات الجامعية وللطاقات البشرية.
كشفت نتائج تحليل سوق العمل ربع السنوي، عن تراجع الوظائف في جميع المحافظات، والتخصصات، والقطاعات عدا السياحة والبنوك، مع تراجعها المستمر في القطاعات الصناعية على وجه التحديد بجميع تخصصاتها.
أشارت الدراسة إلى أهمية منافسة طالبي العمل، في سوق العمل العالمي الحر "Freelance" الذي يسمح بالعمل مع شركات دولية، عبر الإنترنت، ويوفر لهم الحد الأدنى من فرص عمل لا يستطيعون تدبيرها بسهولة في بلدهم.
وأكدت وجود تنافسية شديدة في مجال العمل الحر عالميا، رغم أن السوق يتمتع حاليا بقدر جيد من الاستقرار وارتفاع الطلب، منذ عام 2019، خاصة في مجال تطوير البرمجيات لشركات أوربية وأميركية.
أظهرت الدراسة مفاجأة بأن شباب المحافظات أكثر قدرة في اقتناص فرص عمل دولية عبر الانترنت، لارتفاع مستواهم العملي، وامتلاك قدرات عملية وخبرات تؤهلهم للتنافسية الدولية.
وكشفت تحليلات الوظائف الدولية إلى وجود 40 ألف فرصة عمل حر بقيمة 60 مليون دولار، في مجال العمل الحر بالبرمجيات، خلال الربع الأول من عام 2023، وأن شباب مصر حققوا دخلا من العمل الحر بالبرمجيات بقيمة 11 مليون دولار، عام 2022، مقابل 466 مليون دولار بالهند.
نقص الخبرات التخصصية
من جانبها، بررت حنان الشيخة، رئيسة الموارد البشرية بالبنك الأهلي، عدم رغبة البنك والشركات المماثلة في تعيين الخريجين الجدد، إلى تدهور مستوى الخريجين وعدم حصولهم على خبرات تخصصية، تمكنهم من اجتياز الاختبارات التي تجريها جهات طلب العمل، مع رعونة في الشخصية لم تكن موجودة في الأجيال السابقة.
وأكدت أن الشركات تفضل حاليا قبول الخريجين بعد انقضاء عامين على شهادة التخرج، لضمان اكتمال شخصية الخريج، وحصوله على دورات إضافية تكسبه خبرات في سوق العمل.
وحذر الدكتور إبراهيم عوض، مدير منظمة العمل الدولية السابق، من تآكل الحماية الاجتماعية والتأمينية لطالبي العمل، عبر دفعهم للعمل الحر بسوق غير منظم، مؤكدا فشل تجارب التأمين الطوعي، بما يحرم الأسر من الاستقرار المادي والاجتماعي، ويدفعها إلى فقدان الثقة في الأمان الوظيفي.
وأوضح أن العمل الحر لا يوفر المرتبات ولا الوقت الكافي لحصول الفرد على التعليم المستمر، الذي يحتاجه سوق العمل، مع ضعف الموارد. داعيا إلى تدخل حكومي لإنقاذ شباب الخريجين من الوقوع ضحايا البحث عن فرص عمل حر، في الداخل والخارج.
دور حكومي مطلوب
اتفق المشاركون في الندوة على أهمية إلزام الحكومة بتطوير مهارات شباب الخريجين وربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل، وتوفير فرص التدريب مجانا، وبطرق منظمة، مع عدم تدخل وزارة المالية في الرقابة على سوق العمل الحر عبر الإنترنت، حتى لا تفسد أبواب الرزق التي تمكن الشباب من اقتحامها بأنفسهم، دون أي دعم أو معرفة الجهات الحكومية لهذه الأسواق.
ودعت نشوى بلال، مدير مشروع منظمة العمل الدولية لتشغيل شباب مصر، إلى ضرورة ربط مستوى المهارة بالأجر، والبحث عن حلول غير تقليدية لحماية الموظفين، ومواجهة زيادة البطالة، خاصة بين الإناث.
بلغ عدد سكان مصر 105 ملايين نسمة، تمثل قوة العمل رسميا 34% من تعداد السكان، بينما بلغت نسبة البطالة 7.1% نهاية إبريل/نيسان الماضي.
أوقفت الحكومة تعيين الخريجين منذ عام 1983، وسمحت بدخول عدد منهم عام 2012، وأعادت حظر التعيين في القطاعين الحكومي والعام، عدا المعينين على ميزانيات الصناديق الخاصة، التي تديرها الوزارات والجهات الأمنية في المحافظات.
أدى الركود المستمر بالشركات غير المنتجة للنفط إلى وقف تعيين عمالة جديدة، والتخلص من بعضها نتيجة الخسائر المستمرة في تكاليف التشغيل، جراء التدهور المستمر في قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم، ونقص مستلزمات الإنتاج في الأسواق، المحلية وفرض قيود مشددة على الواردات، مع شلل تام في قطاع البناء والتشييد، الذي يستوعب نحو 40% من القوى العاملة غير المنظمة في البلاد.