مر عام صعب وحل آخر أكثر صعوبة، في ظل أجواء ضبابية، يشهدها سوق السيارات في مصر، ليزيح حلم المواطنين في اقتناء سيارة، سواء كانت حديثة أم قديمة، للسنة الثانية على التوالي، وسط صعوبات بالغة في تدبير الوكلاء والمستوردين النقد الأجنبي اللازم للاستيراد، بينما توقفت البنوك عن تمويل الواردات.
ورغم مرور نحو شهر ونصف على مطلع عام 2023، إلا أن آلاف الحاجزين لم تصلهم بعد سيارات موديل 2022، التي دفعوا ثمنها كاملا للوكلاء منذ يوليو/تموز 2021.
ويلاحق بعضهم السراب لاستعادة أموالهم، ويداعب آخرون الأمل في حيازة سيارة جديدة، أصبحت عصيّة المنال، على معظم المواطنين، وسط أرقام فلكية وصلت إليها الأسعار، مع قفزات سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري.
تعرضت أسواق السيارات إلى ضربة قاصمة، منذ فبراير/شباط 2022، عندما أصدر البنك المركزي قراراً بمنع البنوك من تمويل الواردات، ما أدى إلى وضع آلاف السيارات في المخازن لعدة أشهر، ولم تخرج بعضها حتى الآن. رغم إلغاء الحكومة العمل بقرار "المركزي"، نهاية ديسمبر، والسماح بدخول واردات مكدسة في الموانئ والجمارك، إلا أن التعليمات لم تصدر بعد لدخول السيارات.
تسربت بعض الصفقات إلى الأسواق عبر منافذ المناطق الحرة، والتلاعب في فواتير الشراء، لصالح أفراد استطاعوا تدبير العملة الأجنبية بطريقتهم. وجاءت إحصاءات رابطة معلومات سوق السيارات "اميك" لتكشف الهوة الشاسعة بين حال متردٍ لدخول السيارات للبلاد عام 2021 خلال أزمة انتشار وباء كورونا، ووضع أسوأ منه عام 2022.
فقد تراجع معدل استيراد سيارات الركوب (الخاصة) من 22 ألفا و126 سيارة في نهاية 2021 إلى 5 آلاف و524 سيارة في نهاية 2022، بهبوط بلغت نسبته 75.1%.
وانخفض عدد الأتوبيسات (الحافلات) من 2682 إلى 1355 مركبة، بتراجع نسبته 49.5%، والشاحنات من 4409 إلى 1027 شاحنة، بانخفاض قدره 76.7%، ليصبح اجمالي عدد المركبات بجميع أنواعها 29 ألفا و253 مركبة، بانخفاض بلغ 73%.
"سيظل السوق في حالة تخبط، ويتجه إلى مزيد من الارتباك مع غياب الرؤية إلى وقت لا نعلم مداه، ومن يقول غير ذلك فهو كاذب"، هكذا بعبر مصطفى حسين، مسؤول رابطة "أميك" وخبير السيارات عن وضع السوق، في تصريح لـ"العربي الجديد".
يقول إن "امتلاك المواطن لسيارة، ليس على أولويات الحكومة، لأنها تريد توفير العملة الصعبة لشراء مستلزماتها من السلع الحيوية، كالطعام والزيوت والحبوب والأدوية، لذلك لم تصدر تعليمات للبنوك للسماح للموردين بإدخال صفقات جديدة من السيارات، وسيظل الوضع على ما هو عليه إلى حين قدرتها على تدبير العملة الصعبة للسيارات تامة الصنع أو تنفيذ برنامج التصنيع المحلي للسيارات".
وأظهرت أرقام رسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجعا في قيمة واردات مصر من السيارات بنسبة 43.8% بلغت مليارا و331 مليون دولار، خلال 11 شهرا الأولى عام 2022، مقابل 4 مليارات و147 مليونا خلال نفس الفترة من عام 2021.
وسجلت سيارات الركوب (الخاصة) أدنى مستوى لها، بنحو 93 مليونا و503 آلاف دولار، مقابل 324 مليونا و292 ألف دولار، بنسبة تراجع 69.9%، بينما الحافلات تراجعت بنسبة 80%، وعربات النقل (الشاحنات) 20.8%.
أظهرت مقابلة لـ"العربي الجديد" مع مصطفى دسوقي، مدير شركة صيانة، بعض ما أخفاه مسؤول الرابطة وكان أعظم، أثناء مناقشة حامية مع مالك سيارة، يكاد يبكي من شدة الهول على ما أصابه من صدمة ارتفاع تكاليف فاتورة الصيانة الدورية لسيارته.
يقول خبير الصيانة: "أدى ارتفاع أسعار قطع الغيار بما يعادل 3 إلى 4 أضعاف قيمتها عن العام الماضي، إلى مواقف محرجة مع العملاء، بعد أن أصبحت قيمة الصيانة الدورية تعادل شراء سيارة حديثة، منذ عامين، فإذا وقع بها حادث، فالكارثة أشد لغلاء الأسعار وندرة قطع الغيار، التي لم تصل أغلبها إلى الأسواق رغم فتح باب الواردات".
يبدي عملاء دهشتهم من "هستيريا" أسعار السيارات الجديدة والقديمة على السواء، التي زادت بمعدلات غير مسبوقة، ضاعفت سعر السيارة عدة مرات، خلال عام، رغم أن الحديثة منها رديئة المستوى، أغلبها نوعيات غير معروفة، بعد أن توقفت 13 شركة أوروبية ويابانية عن التعامل مع السوق المصري، لحين حسم الحكومة لقضية دخول الواردات من السيارات تامة الصنع وقطع الغيار، اللازمة لها.
أدى نقص السيارات إلى تخزين الموزعين والتجار آلاف الأعداد منها، ومع ارتفاع الأسعار لمستويات هائلة، تحول بعضها إلى مخزون راكد، يصعب تصريفه، مع التدهور الحاد في قيمة الجنيه، واستمرار ارتفاع الدولار، فوقع مزيد من الضغط على تكاليف الجمارك والضرائب على دخول السيارات وقطع الغيار، مع انتشار ما يعرف بظاهرة "الأوفر برايس" لبيع السيارات محدودة العدد والنوعية وفقا لحالة الطلب عليها مع ندرة العرض بالأسواق.
يمر السوق بموجات متتالية من زيادة الأسعار مع كل يوم تنقص فيه الوحدات اللازمة للمستهلكين، في ظل ارتباك عالمي لسلاسل التصنيع والتوريد وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وتهاوي الجنيه وشح الدولار.
يتوقع الخبراء استمرار حالة الانكماش في العرض مع تراجع شديد في الطلب، وزيادة حادة في الأسعار ستؤثر سلبا على حجم تداول السيارات الحديثة وتدفع سوق القديم للركود، مع ندرة توافر قطع الغيار وتوقع زيادة أسعار الوقود خلال الأيام المقبلة، بما يدفع فئة واسعة من المواطنين إلى فقدان فرصتهم في حيازة سيارة، بغض النظر عن نوعيتها وحالتها.
في الأثناء، يشير أعضاء في رابطة السيارات إلى توقف الحكومة عن تنفيذ برنامج التصنيع المحلي لسيارة مصرية، منذ 4 أشهر، بعد أن وعدت مراراً بأن تبدأ الهيئة العربية للتصنيع التابعة للجيش وشركة النصر للسيارات المملوكة لقطاع الأعمال العام، في إنتاج عربة مصرية، بمشاركة صينية أو شركات دولية أخرى.
تؤكد الرابطة أن لجوء بعض الشركات الدولية إلى تجميع مكوناتها محليا، يجري بأعداد محدودة، رغم تمتعها بتخفيضات جمركية تصل إلى 60% من قيمة السيارة المستوردة تامة الصنع، بضغط من زيادة التكاليف في إنتاج مكوناتها بالخارج، ونقص حاد في إمدادات المعدات وخاصة أشباه الموصلات (الرقائق الإلكترونية)، وعدم دعم الحكومة لبرنامج التصنيع المحلي للسيارات.
وأعلن خبراء في قطاع السيارات كذلك عن توقف الحكومة عن دعم برنامج إحلال سيارات الأجرة القديمة، الذي كانت تموله بالتعاون مع مصانع السيارات المحلية، لعدم توافر السيولة لدى الجهات الرسمية.
وامتنعت البنوك عن تمويل قروض شراء السيارات، مع رفع الفائدة إلى نحو 25%، على المعاملات البنكية، بينما يتوقع زيادتها بنحو 7% إضافية خلال الفترة المقبلة، مع ارتفاع معدلات التضخم الأساسي التي أعلنها البنك المركزي منذ أيام عن بلوغه 31.4%.
يقول مصطفي حسين، خبير السيارات، إن السوق ستظل في حالة تخبط، طالما أن الدولار لم يستقر سعره في الأسواق ولم تطمئن الحكومة إلى الموعد النهائي لحالة المرونة لسعر تداوله مقابل الجنيه، التي يطلبها صندوق النقد الدولي.
ويدعو خبراء حائزي السيارات إلى "التمسك بما لديهم من سيارات ولو كانت سيئة، لأن السوق تتجه إلى الأسوأ، فدخول السيارات الحديثة إلى الأسواق سيصبح قاصرا على ما يستورده الأشخاص مباشرة من الخارج أو عبر سماسرة، ينهون إجراءات التعاقد بالدولار الذي يصعب تدبيره إلا عبر الحسابات الشخصية للعملاء أو الشركات التي تعمل بالتصدير".
ويزداد وضع السوق سوءا مع فشل مبادرة السماح للمصريين العاملين في الخارج باستيراد سيارة مقابل وديعة دولارية توازي قيمة الجمارك والضرائب المستحقة، بمتوسط 10 آلاف دولار للسيارة في حساب خاص لوزارة المالية، لمدة 5 سنوات، إذ لم يتخطَّ عدد من حولوا مبالغ في المبادرة التي بدأت منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بضع مئات بمبالغ زهيدة، بينما كانت الحكومة توقعت لدى طرح المبادرة التي حددته بأربعة أشهر حينها جمع نحو ملياري دولار.