مصر وصندوق النقد .. نقاط الخلاف

10 أكتوبر 2016
بعثة صندوق النقد مع المسؤولين المصريين (Getty)
+ الخط -



المتابع للمفاوضات الحالية بين مصر وصندوق النقد الدولي يلحظ أن هناك خلافات بدأت تظهر بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة، وهو ما ظهرت ملامحه في التصريحات الصادرة قبل أيام، سواء عن كرستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي أو مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط في الصندوق.

صحيح أن الطرف المصري لا يزال يلتزم الصمت تجاه هذه الخلافات، وصحيح أيضاً أن هذا الطرف ألتزم بالجانب الأكبر من تعهداته للصندوق ومنها، زيادة الضرائب والجمارك والرسوم، وإقرار قانون القيمة المضافة وتطبيقها بداية من الشهر الجاري، وزيادة أسعار الكهرباء، وإقرار قانون الخدمة المدنية وغيرها.

 لكن المتابع لملف المفاوضات يلحظ أيضاً أن الخلافات المكتومة بين مصر وصندوق النقد الدولي، والتي ظلت حبيسة الغرف المغلقة طوال الأسابيع القليلة الماضية، خرجت للعلن هذا الأسبوع.

ومن هنا، رأينا التصريحات الدبلوماسية التي أطلقتها كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، يوم السبت، وأكدت فيها أن مصر "أكملت تقريباً" التحركات اللازمة لاجتماع مجلس إدارة الصندوق لبحث الاتفاق المبدئي لمنحها قرضاً بقيمة 12 مليار دولار، لكن بعض الإجراءات الخاصة بسعر الصرف والدعم ما زالت عالقة.

هذا يعني أن هاتين النقطتين اللتين تحدثت عنهما لاغارد يظلا محور الخلاف بين الطرفين، خاصة مع إنجاز مصر الشروط الأخرى من زيادة أسعار الكهرباء وغيرها.


وصبّت تصريحات مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط بالصندوق، في هذا الاتجاه حينما ذكر، يوم الجمعة، أن برنامج القرض المصري يتضمن شروطاً، من بينها تقليص عجز الموازنة والتحول بسعر الصرف إلى نظام تحدده السوق بشكل أوسع، وفي تقديري أن الخطوتين لم ينجزا بعد.

هناك إذن خلافات بين مصر والصندوق تتعلق ببندين رئيسين؛ الأول بموعد تعويم الجنيه المصري، حيث تعهدت مصر قبل شهرين بسعر صرف أكثر مرونة لتخفيف حدة نقص العملة الصعبة والقضاء على السوق السوداء للدولار، والثاني يتعلق بخفض دعم المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز وغيرها.

فيما يتعلف بالخلاف الأول المتعلق بموعد التعويم، نرى أن مصر تفضل الحصول على الشريحة الأولى من قرض الصندوق البالغة 2.5 مليار دولار أولاً، على أن يتبعها في وقت لاحق تعويم الجنيه، أو على الأقل خفض سعره بنسبة كبيرة قد تصل لنحو 40% تمثل الفارق الحالي بين السعرين الرسمي وغير الرسمي.

ولدى القاهرة الحجج القوية التي تدعم وجهة نظرها، فالحصول على الشريحة الأولى لقرض الصندوق سيفتح أمامها الباب للحصول على قروض خارجية قيمتها 6 مليارات دولار من دول إقليمية وأجنبية، وهو ما يساعدها في إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي لدي البنك المركزي، والوصول به إلى المعدلات المريحة (ما بين 24 و30 مليار دولار)، ومن ثم مواجهة أية مضاربات محتملة على العملة في حال تعويمها.

كما أن موافقة الصندوق على صرف الشريحة الأولى مصر ستفتح الباب أيضا أمام نجاح ترويج السندات التي تعتزم مصر طرحها في الأسواق العالمية بقيمة تتراوح ما بين 3 و5 مليارات دولار.

ومع حصد مصر كل هذه المليارات من القروض تستطيع القضاء على السوق السوداء للعملة ورفع تصنيفها الائتماني وتلبية احتياجا السوق من النقد الأجنبي.

أما الصندوق، فيرى أن على مصر تعويم الجنيه أولا قبل الموافقة على الشريحة الأولى، وحججه أن التعويم يفتح الباب أمام القضاء على السوق السوداء للعملة، وهو ما يساعد في جذب الاستثمارات الخارجية وزيادة موارد البلاد من النقد الأجنبي، وبالتالي تعظيم قدرة البلاد على سداد ديونها الخارجية.

ويبدو أن الصندوق يضغط بشدة لتنفيذ شروطه، ليس فقط قبل صرف الشريحة الأولى للقرض، ولكن قبل انعقاد مجلس إدارته الذي سينظر في الطلب المصري، ومن هنا رأينا كيف تسابق الحكومة المصرية الزمن للوفاء بشروط الصندوق المطلوبة، وكيف أنها دخلت في مفاوضات مكوكية مع ألمانيا والصين وغيرها لاقتراض مليارات الدولارات منها.

لكن هل هذه الخلافات يمكن أن تعرقل حصول مصر على قرض الـ 12 مليار دولار؟

في تقديري أن الخلافات لن تصل لطريق مسدود، خاصة وأن رئيس الوزراء خرج اليوم الاثنين بتصريح يؤكد فيه أن تعويم الجنيه يقع ضمن برنامج العمل مع البنك المركزي.