لو استطاع جيش الاحتلال إزالة قطاع غزة بالكامل واقتلاع ما عليه من بشر وحجر ونبات لفعل بلا تردد، ليس فقط بسبب المقاومة الفلسطينية الشرسة التي باتت تهدد مستقبل إسرائيل، بل أيضا بسبب الثروات النفطية المتراكمة أمام سواحل غزة، والتي سطا الاحتلال على جزء كبير منها في السنوات الماضية، ويريد السطو على المزيد، خاصة آبار النفط والغاز الطبيعي، والتي تشير المؤشرات إلى وجودها بقوة أمام المياه الإقليمية الفلسطينية.
كما أن الاحتلال يخشى دوما من استهداف المقاومة آبار الغاز الطبيعي التي سطا عليها، كما فعل حزب الله اللبناني قبل سنوات، حيث استهدف بارجة إسرائيلية في عرض البحر المتوسط، بأنظمة صواريخ متطورة في العام 2006.
قبل سنوات سطا الاحتلال على مواقع إنتاج غاز حيوية تقع أمام السواحل الفلسطينية، ومن أبرز تلك الحقول "تمار" الواقع على بعد 25 كيلومترا فقط من السواحل الفلسطينية، وبلغ إنتاجه 10.25 مليارات متر مكعب من الغاز في عام 2022، وتم استخدام 85% من الإنتاج في السوق المحلية، وتصدير 15% إلى مصر والأردن.
في الوقت الذي كانت حكومة حماس تعي ضخامة الثروات المتوافرة قبالة سواحل غزة، وتستعد لخوض "معركة الغاز" بهدف الحيلولة دون سطو الاحتلال على المزيد من الحقول، كانت إسرائيل تدعو مزيدا من شركات الطاقة العالمية للتنقيب عن الغاز والنفط
وخلال السنوات الماضية عكفت حكومة الاحتلال على تنفيذ خطة تستهدف السطو على مزيد من الثروات النفطية وحقول الغاز الطبيعي الواقعة قبالة السواحل الفلسطينية لأسباب عدة، فحقول الغاز باتت تغطي نحو 70% من إنتاج الكهرباء واحتياجات الطاقة في إسرائيل، وزاد الاهتمام بالوقود الأزرق مع اندلاع حرب أوكرانيا وتعطش أوروبا للغاز عقب فرض قيود على واردات الطاقة الروسية، كما أن صادرات الغاز باتت تجلب مليارات الدولارات للخزانة الإسرائيلية، ويكفي أن الاحتلال أبرم عقدين لتصدير الغاز المنهوب إلى مصر والأردن بقيمة 35 مليار دولار.
ولتحقيق تلك الخطوة دخلت الحكومة الإسرائيلية مفاوضات مع شركات عالمية كبرى للتنقيب عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط وقبالة سواحل غزة، وفي أغسطس/آب 2023 صادقت الحكومة على قرار يسمح بتوسيع إنتاج الغاز من حقل "تمار" بنسبة 60%، ابتداء من عام 2026، لضمان إمدادات الغاز للاقتصاد الإسرائيلي بانتظام حتى عام 2048، وزيادة صادرات الغاز إلى مصر بنسبة 35%.
لم تكتف حكومة الاحتلال بذلك، بل سعت للسطو على حقول الغاز الواقعة بالقرب من سواحل غزة مباشرة، ومنها حقل "غزة مارين"، وهو أول حقل تم اكتشافه في مياه شرق المتوسط في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وقبل اكتشاف حقول الغاز المصرية والإسرائيلية المنهوبة، وكان دافعا لدول البحر المتوسط الشرقية، ومنها مصر وقبرص واليونان لتكثيف عمليات التنقيب. ويقع الحقل على بعد 36 كيلومترا غرب غزة في مياه البحر المتوسط.
قبل سنوات سطا الاحتلال على مواقع إنتاج غاز حيوية تقع أمام السواحل الفلسطينية، ومن أبرز تلك الحقول "تمار" الواقع على بعد 25 كيلومترا فقط من السواحل الفلسطينية
وهناك حقل "ماري بي"، الواقع بالقرب من الحدود البحرية الشمالية لقطاع غزة، وجرى اكتشافه في العام 2000. واستغلت دولة الاحتلال الحقل في توفير إمدادات الغاز لمحطات الطاقة لديها منذ 2004، إلى أن تسببت في تجفيفه بالكامل في 2010.
وهناك أيضا حقل "نوا" الذي تم اكتشافه في 1999، وبدأت إسرائيل إنتاج الغاز منه عام 2012، ويُقدر احتياطي الغاز فيه بنحو 3 تريليونات قدم مكعبة. إضافة إلى حقل "المنطقة الوسطى"، الذي يبعد مئات الأمتار عن شاطئ بحر المنطقة الوسطى لغزة.
وفي الوقت الذي كانت حكومة حماس تعي ضخامة الثروات المتوافرة قبالة سواحل غزة، وتستعد لخوض "معركة الغاز" بهدف الحيلولة دون سطو الاحتلال على المزيد من الحقول، كانت إسرائيل تدعو مزيدا من شركات الطاقة العالمية للتنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحل القطاع والسواحل الفلسطينية المحتلة، وفرض الأمر الواقع كما حدث مع مواقع أخرى منها "ليفياثان"، وهو واحد من أكبر حقول الغاز الواقعة قبالة السواحل الفلسطينية، وسطت عليه دولة الاحتلال منذ سنوات. وكذا مع حقول أخرى منها "كاريش" و"دليت" و"تنين".
والهدف النهائي هو أن تتحول دولة الاحتلال إلى واحدة من أكبر مصدري الغاز حول العالم، وذلك بعد أن أصبحت ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأنتجت 276 مليار قدم مكعبة سنويا من الغاز بين عامي 2012 و2019.