- قرارات الاتحاد الأوروبي تأتي في سياق الضغوط الداخلية والسياسية، خاصة قبل انتخابات البرلمان الأوروبي، مع سعيه للحفاظ على موقف متوازن بين دعم أوكرانيا والاستجابة لمطالب المزارعين.
- القرارات وُصفت بأنها "تسوية ضعيفة" من قبل مجموعات ضغط زراعية، تهدف لتقديم راحة للمزارعين الأوروبيين مع الحفاظ على الدعم لأوكرانيا، وسط جدل حول تحقيق التوازن بين دعم أوكرانيا وحماية المزارعين.
بدت القرارات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي بشأن فرض قيود على الواردات الزراعية الأوكرانية المتدفقة على دول الاتحاد بمثابة "مكابح طوارئ"، إذ تُهدئ غضب الكثير من المزارعين الذين خرجوا إلى الشوارع في انتفاضة جرارات لفتت الأنظار، وأثارت قلق الكثير من الحكومات خلال الشهور الأخيرة، إلا أنها وفق جماعات ضغط زراعية جاءت "ضعيفة".
وافق الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، على خفض واردات العديد من المواد الغذائية الأوكرانية، إذ سيفرض تعريفات جمركية على الدواجن والبيض والسكر والشوفان والذرة والعسل والجريش (أحد منتجات القمح) إذا تجاوزت الكميات متوسط الواردات المسجلة في عامي 2022 و2023، وذلك لتهدئة المزارعين المحتجين الذين يقولون إن تخمة المعروض في بلدانهم أدت إلى انخفاض دخلهم.
وفتحت الكتلة حدودها لدعم أوكرانيا بعد الغزو الروسي واسع النطاق في 24 فبراير/شباط 2022، لكنها تعيد بعض الحواجز استجابة للضغوط الداخلية في إشارة سلبية إلى أوكرانيا. ومن أجل استرضاء كييف والدول الأوروبية المعارضة لفرض هذه القيود، تستعد بروكسل أيضاً لفرض أول قيودها على الحبوب الروسية والبيلاروسية، مع فرض رسوم جمركية لخفض الواردات في غضون أيام.
ولأسابيع طويلة واصل مزارعو عدد من دول الاتحاد الأوروبي احتجاجاتهم ضد سياسات المفوضية الأوروبية المتعلقة بالتحول الأخضر وزيادة ضرائب الوقود الأحفوري. وفي بولندا وعدد من دول الجوار الأوكراني اتخذ غضب الفلاحين شكلاً من أشكال الاحتجاج على المعاملة الأوروبية التفضيلية لصادرات أوكرانيا الزراعية.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي تعالت الأصوات البولندية المطالبة بوقف منح أو مرور السلاح والذخيرة إلى أوكرانيا عبر وارسو إذا لم يستجب الأوروبيون لمشاغلهم حول مصالح قطاعهم الزراعي.
فبعد الغزو الروسي قررت الدول الأوروبية، وكسياسة تضامنية مع كييف، إسقاط جميع أنواع التعريفات الجمركية والحصص الجمركية على المنتجات التي يصدرها المزارعون الأوكرانيون، ما خلق اختلالا في التوازن لمصلحتهم وعلى حساب مزارعي دول الجوار الأوروبي، الذين يعانون بالأصل من تراجع مداخيلهم ووصول بعضهم إلى حافة الفقر.
فالترتيب الأوروبي المنتهج منذ أكثر من عامين اعتبر كمد يد اقتصادية مساعدة للبلد الذي تمزقه الحرب، ولتسهيل وصول القطاع الزراعي الأوكراني نحو أسواق تعاني بنفسها من ارتفاع الكلفة الإنتاجية وتراجع الأسعار.
وأراد الأوروبيون الظهور بموقف متوازن، إذ من ناحية عليهم الاستمرار في إظهار مساندة أوكرانيا ومن ناحية ثانية ألا تتحول الاحتجاجات الفلاحية إلى ما يشبه انتفاضة على قرارات الاتحاد الأوروبي. فنزول الجرارات الزراعية في عدد من الدول الأوروبية خلال الأشهر الماضية حمل سمة احتجاج على الظروف التي يرون أنها زادت سوءا وصعوبة بمنافسة زملائهم الأوكرانيين.
من الواضح أن الاتحاد الأوروبي مضطر إلى الإنصات جيداً لما يجري بين ملايين المزارعين الأوروبيين وأسرهم. وعليه قررت المفوضية الأوروبية فرض ما يطلق عليه "مكابح طوارئ" لمصلحة مزارعي القارة، بحيث تعيد تلقائياً فرض رسوم جمركية على الدواجن والبيض والذرة والعسل، من بين أشياء أخرى، إذا تجاوزت الواردات الأوكرانية منها متوسط ما تم استيراده بين 2022 و2023.
أضف إلى ذلك ستتمكن المفوضية الأوروبية من الحد من الإجراءات التي عمل بها بعد الغزو الروسي أو إلغائها تماماً، إذا تبين أن المنتجات الأوكرانية لها عواقب سلبية على السوق في واحدة أو أكثر من الدول الأعضاء، أي ليس فقط كما هو معمول به اليوم حين يكون التأثير السلبي شاملا كل السوق الأوروبي.
ومثل تلك الخطوة ستمنح على سبيل المثال مزارعي شرق أوروبا، وبولندا تحديداً، الفرصة لفرملة الكثير من المعاملة التفضيلية لمصلحة الأوكرانيين. وذلك أمر في مصلحة رئيس حكومة بولندا دونالد توسك، الذي وعد الناخبين بحل الأزمة بعد أن تزايد ميل الناخبين نحو اليمين المتشدد، على أبواب انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل.
ومن بين أمور أخرى، ستتدخل المفوضية الأوروبية إذا "كانت هناك زيادة في واردات القمح الأوكراني"، حسبما جاء في بيان صحافي صادر عن البرلمان الأوروبي. وتعد المفوضية الأوروبية أن تبدأ تطبيق القواعد الجديدة اعتباراً من 6 يونيو/حزيران القادم، أي قبل 3 أيام من انتخابات برلمان أوروبا. وسيسري تطبيق تلك القواعد لمصلحة مزارعي أوروبا لمدة سنة.
وضغط بصورة رئيسية مزارعو بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر، ثم فرنسا وبرلين وبروكسل، بعد انتشار إحباط كبير بسبب سياسات الاتحاد الأوروبي وتفضيل الأوكرانيين، ما شكل معضلة للسلطات السياسية في البلدين، قبل أن تتوسع تلك الضغوط لتشمل عددا أكبر من مدن أوروبا، حيث استفاد أقصى اليمين السياسي فيها من الأجواء لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية.
يخشى السياسيون التقليديون، بمن فيهم رئيس حكومة بولندا، توسك، العارف بسياسات الاتحاد الأوروبي بحكم منصبه القيادي السابق فيه، من أن ترك الأزمة إلى ما بعد انتخابات البرلمان الأوروبي يحمل مخاطر اكتساح اليمين المتشدد لطبقة المزارعين وأسرهم، إلى جانب الخشية من أن يؤدي التوتر مع المزارعين الأوكرانيين إلى تراجع تأييد كييف من قبل الحكام الأوروبيين تحت ضغط الأزمات التي تصيب جيوب مواطنيهم.
لكن المزارعين الفرنسيين، الذين كانوا من بين أعلى الأصوات في الاحتجاجات في الأشهر الأخيرة، كانوا غاضبين أيضًا بشأن الصادرات الزراعية الأوكرانية. واستطاع توسك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الضغط على المفوضية الأوروبية لتعديل خطتها الأصلية التي كانت ستشمل فقط الدواجن والبيض من أوكرانيا، لأجل توسيعها نحو سلع حساسة أخرى كالذرة والشوفان والجريش والشمندر السكري والعسل وبعض الحبوب الأخرى.
وتحتاج الاتفاقية الآن إلى موافقة البرلمانيين الأوروبيين وحكومات الدول الأعضاء بشكل نهائي قبل أن تدخل حيز التنفيذ في صيف العام الحالي.
وفي المقابل، انتقدت مجموعات ضغط زراعية قرارات الاتحاد الأوروبي ووصفتها بـ"التسوية الضعيفة"، وفق ما نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس، مشيرة إلى أن "العبء على قطاع الزراعة في الاتحاد الأوروبي سيستمر وكذلك سخطهم".