كدت أستلقي على ظهري من الضحك حينما قال لي أحدهم في التليفون إن الحكومة المصرية تحفّظت على أموال اللاعب الموهوب محمد أبو تريكة حتى تحصل على ثروة "معتبرة" تمكّنها من تغطية عجز الموازنة العامة وتمويل مصروفاتها التي تعاني من نقص حاد بسبب الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
حالة الهيستريا التي انتابتني والتي أعتذر عنها، ليس بسبب هذا التعامل الساذج والسطحي مع اثنين من أخطر التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، وهما العجز الحاد بالموازنة العامة ومخاطر التحفظ على أموال المصريين ومصادرتها، بل بسبب تبسيط الأمور والربط الغريب بين علاج عجز موازنة يقترب حجمها من الـ800 مليار جنيه " ما يعادل 104.8 مليار دولار" وبين آلاف الجنيهات التي اكتسبها أبو تريكة على مدى مشواره الرياضي وتم التحفظ عليها أخيراً.
عجز الموازنة وصل في العام المالي الأخير 2014-2015 إلى 253 مليار جنيه، ورغم أن الحكومة اقتطعت 52 مليار جنيه من مخصصات الدعم في موازنة العام المالي الجاري 2015-2016 خاصة الدعم الموجه للطاقة، إلا أن العجز ارتفع خلال التسعة أشهر الأولى من العام إلى 218.3 مليار جنيه، مقابل 145 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام السابق عليه بزيادة 73 مليار جنيه.
وإذا سارت وتيرة الزيادة على ما هي عليه، فإن عجز الموازنة قد يقترب من 300 مليار جنيه، وهو أعلى عجز في تاريخ الموازنة المصرية.
التحفظ على أموال النجم أبو تريكة لا يجب أن نتعامل معه بهذه البساطة، ولا أقول السذاجة، فالملاليم التي يمتلكها الرجل قد لا تكفي لتمويل رحلة خارجية لأحد المسؤولين، لكن القضية أخطر من ذلك بكثير، فقرار التحفظ على أموال اللاعب المحبوب يعطي رسالة سلبية للمستثمرين في الداخل والخارج مفادها أنه إذا اختلفت السلطة معك سياسياً، فإن أموالك الخاصة مستباحة، وهو ما يتناقض مع القوانين والدساتير.
ولو أن إسرائيل، عدو مصر التاريخي، أرادت أن تدمر ما تبقى من مقومات الاقتصاد المصري خاصة إيراداته من النقد الأجنبي لما نجحت أكثر ممّا نجح فيه قرار التحفظ على أموال أبو تريكة، ولو أن الحكومة المصرية أنفقت مئات الملايين من الدولارات على تسويق مصر خارجياً وإقناع مستثمرين أجانب بالعودة لمصر لفشلت في محو آثار مثل هذا القرار الصادم لمحبي اللاعب الخلوق.
أبو تريكة يمتلك الملايين من محبيه، لكن هذه الملايين لا تصلح لتغطية ولو جزء بسيط من عجز موازنة مصر، لأنها ملايين تفوق قيمتها العجز الحالي والمستقبلي في الموازنة، وربما تفوق إيرادات الموازنة التي تراجعت هي الأخرى في التسعة شهور الأولي من العام المالي الحالي.
اقرأ أيضاً: غضب في مصر بعد التحفظ على ممتلكات أبو تريكة