استمع إلى الملخص
- المرشحون اتفقوا على وجود مشاكل اقتصادية كبيرة في إيران، مع اختلاف في الحلول المقترحة، وتم التأكيد على أهمية معالجة التضخم والتحديات المالية لتحقيق استقرار اقتصادي.
- تأتي هذه الانتخابات في ظل تحديات اقتصادية متزايدة بسبب العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة، مع تركيز المرشحين على تحسين العلاقات الخارجية ومكافحة الفساد كجزء من حلولهم للتحديات الاقتصادية.
انطلاقاً من أهمية الاقتصاد ودوره في رسم توجهات الناخبين الإيرانيين الانتخابية، كان الاقتصاد موضوع أول مناظرة انتخابية بين مرشحي انتخابات الرئاسة الإيرانية الليلة الماضية، التي استمرت نحو أربع ساعات مساء أمس الاثنين، حيث تناولت المناظرة مواضيع اقتصادية، أهمها استقطاب الاستثمارات الأجنبية، والنمو الاقتصادي، والمشاغل والدولار وسياسات نقدية والسيولة والتضخم والغلاء والنظام البنكي وعجز الموازنة وقانون برنامج التنمية الشامل المقر العام الماضي في البرلمان الإيراني.
وتُجرى انتخابات الرئاسة الإيرانية يوم 28 يونيو/ حزيران الجاري، وذلك بعد تحطم مروحية الشهر الماضي أدى إلى مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي وسبعة أشخاص آخرين. ويخوض 6 من المرشحين الانتخابات الرئاسية، حيث يحظى مرشح واحد بدعم بعض الإصلاحيين، هو جراح القلب مسعود بيزشكيان (69 عاماً)، بينما ينتمي 5 منهم إلى التيار المحافظ، هم المرشح الأبرز محمد باقر قاليباف (62 عاماً)، وهو عمدة سابق لطهران وجنرال سابق في الحرس الثوري، ونائب الرئيس الإيراني أمير حسين قاضي زاده هاشمي (53 عاماً)، ورئيس بلدية طهران الحالي علي رضا زاكاني (58 عاماً)، وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي (58 عاماً)، ورجل الدين مصطفى بور محمدي (64 عاماً)، وهو وزير داخلية سابق في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني.
توصيف لمشاكل إيران الاقتصادية
تحدث المرشحون الستة عن أهم مشكلات إيران الاقتصادية، وطرحوا وجهات نظرهم بشأنها وحلولاً رأوها مناسبة لمعالجتها. اتفق المرشحون على وجود مشكلات اقتصادية في البلاد وعقبات أمام حلها، لكنهم اختلفوا في الحلول بشأنها.
واحتلت مسألة التخضم والتصدي لها والحلول المتاحة لمعالجتها، حيزاً كبيراً في المناظرة، مع اتفاق بين المرشحين على اختلال التوازن والتضخم المقدر حالياً بنحو 40 في المائة والأجور والمرتبات.
في السياق، وعد رئيس البرلمان الإيراني المرشح محمد باقر قاليباف، الذي تجنب الدخول في نزاع وسجال مع المرشحين الآخرين، بإصلاح هذا الاختلال وخلق التوازن بين الأجور والتضخم ليحافظ المواطن الإيراني على قوته الشرائية دون تراجع مستمر. ورأى قاليباف أن أهم مسؤولية تقع على عاتق الرئيس الإيراني في الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة، إحداث تحول في اقتصاد الأسرة، وخصوصاً الأسر الفقيرة.
كان المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان هو الآخر الذي تناول الفارق الكبير بين الأجور والتضخم في إيران، قائلاً إنه بينما التضخم يصل إلى 40 في المائة، لكن الأجور والرواتب في أحسن الأحوال لم تزدد إلا 20 في المائة، الأمر الذي يحول دون تحقق نمو اقتصادي حسب قوله. وأكد أن التضخم يفرغ جيوب المواطنين، ووضع الموظفين والمتقاعدين في واقع مرير أمام أسرهم، ولم يعد بإمكانهم التأقلم مع هذا الواقع، في ظل ارتفاع التضخم والغلاء المستمر.
وقال المرشح المحافظ سعيد جليلي إن احتواء التضخم لا يمكن إلا من خلال كبح أسعار العملات، في إشارة إلى سعر صرف الدولار الأميركي الذي يبلغ حالياً نحو 600 ألف ريال. وأضاف أن التضخم ليس كفيروس كورونا، فهو وعلاجه معروفان.
في السياق، تحدث المرشح المحافظ علي رضا زاكاني عن تراجع قيمة الريال بنسبة 600% خلال السنوات الخمس الأخيرة، موجهاً سهام انتقاده لحكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني وسياساته، ومحملاً إياه وحكومته مسؤولية ما آل إليه الاقتصاد الإيراني. ودعا زاكاني إلى أن يشكل القطاع الخاص محرك الاقتصاد الإيراني والاهتمام بالشركات التعاونية. بدوره أكد المرشح مصطفى بور محمدي أنه "لا يمكن الوصول إلى استقرار اقتصادي مع تضخم يبلغ 40%".
حلول المرشحين المقترحة للمشاكل الاقتصادية
وتطرق المرشحون إلى عجز الموازنة والسيولة وقضايا مصرفية وتدخلات الحكومة في الاقتصاد، وأسبابها وجذورها، واقترحوا حلولاً بشأنها، مع الاتفاق على ضرورة تصغير الحكومة وجعلها أكثر فعالية. وبالمجمل، انقسمت الحلول التي قدمها المرشحون إلى قسمين: الأول هو التركيز على العناصر الداخلية والتقليل من أهمية العقبات والمؤثرات الخارجية، والثاني هو الاهتمام بالمؤثرات معاً واعتبارهما مكملاً لبعضهما البعض.
وفي السياق، خلال المناظرة الأولى، حاول المرشحون المحافظون، زاكاني وجليلي وقاضي زادة هاشمي، التقليل من أهمية وتأثير العقوبات الأميركية في الاقتصاد الإيراني المتأزم، مركزين على العوامل الداخلية لتحريك عجلة الاقتصاد ومعالجة الخلل والإشكاليات، لكن المرشح الإصلاحي بزشكيان اعتبر أن العقوبات "كارثة"، وأنه من دونها ومن دون العناية بالتجارب الدولية لتطوير الاقتصاد لا يمكن معالجة الأزمات الاقتصادية. ودعا إلى استقدام مستشارين أجانب للاستفادة منهم في حل هذه الأزمات، وهو ما أثار انتقادات وحفيظة مرشحين محافظين.
وفي السياق أيضاً، تحدث المرشح المحافظ المعتدل مصطفى بور محمدي بطريقة خارجة عن الأدبيات المحافظة المألوفة التي تقلل من أهمية العقوبات ودورها، مؤكداً أن مشكلات إيران الاقتصادية لن تحل من دون التعامل البناء مع العالم، وقال إن "الشعب لم يعد يصدّق شعاراتنا ومواقفنا"، داعياً إلى كسب ردم الفجوة بين المسؤولين والشارع وكسب ثقته. وأكد المرشح محمد باقر قاليباف أنه سيولي الأولوية في سياسته الخارجيته لرفع العقوبات في إطار سياسة "خطوة مقابل خطوة"، أي خطوة نووية إيرانية مقابل خطوة الطرف الآخر لإزالة العقوبات.
ثم شدد المرشح المحافظ علي رضا زاكاني على ضرورة إفشال مفاعيل العقوبات من داخل إيران، مضيفاً أن مشكلة الاقتصاد الإيراني ليست العقوبات، بل "وصفات اقتصادية أميركية"، في انتقاد للإصلاحيين، وحديثهم عن ضرورة الاتفاق لرفع العقوبات. وأكد المرشح المحافظ سعيد جليلي أنه يعتزم تحقيق نسبة نمو 8%، وفق برنامج التنمية السابع، مشيراً إلى إمكانية تحقيق ذلك.
غير أن المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان شدد على أن تحقيق هذا النمو بحاجة إلى استثمارات بقيمة أكثر من 200 مليار دولار، مع تأكيده أن ذلك غير ممكن في ظل استمرار العقوبات. وشدد بزشكيان على أهمية مكافحة الفساد واستخدام طاقات مهنية وخبيرة لأجل علاج الأزمات الاقتصادية في البلاد.
كذلك قال المرشح بور محمدي إن علاقات إيران التجارية مع العالم "مقفولة"، مشيراً إلى أن البلاد لم تستفد من الفرص الخارجية، بل تحملت أثمانها، مع حديثه عن أنه "ما لم يثق بنا الشعب لن يتحقق نمو 8%".
ودعا بور محمدي إلى إزالة العقبات الداخلية أمام الاقتصاد بموازاة العمل على رفع العقوبات، لافتاً إلى أنه إذا ظفر بالرئاسة الإيرانية سيتبنى سياسة "الاقتصاد المقاوم". علماً بأن "الاقتصاد المقاوم" تسمية أطلقها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في خطابه في أغسطس/ آب 2012، بهدف تعزيز الاعتماد على الذات كما قيل وقتها، ومواجهة العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها الولايات المتحدة ضد إيران.
إلى ذلك، أكد المرشح المحافظ أمير حسين قاضي زادة هاشمي، ضرورة مواصلة نهج الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، لحل المشكلات الاقتصادية، مؤكداً أن البلاد بحاجة إلى استثمارات تقدر بـ 250 مليار دولار. وأضاف أن الحكومة لا ينبغي أن تنافس القطاع الخاص، منتقداً قرارات حكومات سابقة قال إنها قلصت قدرة المواطنين الشرائية، ومتحدثاً عن أن احتواء التضخم يمكن عبر "اقتدار سياسي على طريق الشهيد رئيسي".
مرشحو انتخابات الرئاسة الإيرانية يواجهون اقتصاداً مأزوماً
وتواجه إيران واقعاً اقتصادياً متأزماً منذ تعرضها للعقوبات الأميركية الشاملة والمشددة عام 2018، بالإضافة إلى ما وصفه الخبراء بسوء إدارة، الأمر الذي أوصل أسعار صرف الريال الإيراني إلى مستويات قياسية دنيا عدة مرات. وسبّب هبوط الريال الحاد تضخماً شديداً، تحول في بعض الأحيان إلى ركود تضخمي. ويقترب التضخم في البلاد حالياً من معدل 40%.
وطاولت العقوبات قطاع النفط والغاز الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من إيرادات الاقتصاد الإيراني، بحيث تراجعت الصادرات إلى 300 ألف برميل يومياً من نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً بعد انسحاب دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، من الاتفاق النووي، ليرتفع الرقم تدريجياً بفعل الالتفاف على العقوبات. واستهدفت إيران في موازنة عام 2024 تصدير نحو مليون و350 ألف برميل من النفط يومياً. وبينما ظلت الحكومة الإيرانية خلال العامين الأخيرين تتحدث عن تحسن مؤشرات اقتصادية، لم ينعكس ذلك على معيشة المواطن وأسعار السلع والخدمات الآخذة بالارتفاع المستمر.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، سمّت جمعية اقتصاد إيران، أو ما كان يعرف سابقاً بجمعية الاقتصاديين الإيرانيين، 20 تحدياً أساسياً أمام الاقتصاد الإيراني في رسالة مفتوحة وجهتها إلى مرشحي انتخابات الرئاسة الإيرانية الذين دعتهم إلى ضرورة البحث عن حلول لهذه التحديات، مع تقديمها اقتراحات لهم، خصوصاً بشأن ضرورة العمل على رفع العقوبات وتحسين العلاقات الخارجية للبلاد والتعامل مع اقتصاديات العالم المتقدمة، وأشارت إلى أن أبرز التحديات هي النمو الاقتصادي المنخفض والمتذبذب، ما أدى إلى تراجع حاد في الناتج القومي، والتضخم المزمن المتزايد إلى جانب الهبوط الحاد والمستمر لقيمة العملة الوطنية والقوة الشرائية للمواطن، وتراجع فرص العمل كمّاً وكيفاً.
وأشارت الجمعية أيضاً إلى أهمية وجود العلاقات الدولية المتينة وتوظيفها لأجل نمو الاقتصاد الإيراني وازدهاره، وتشكل بؤر السلطة والثروة سداً أمام الإصلاحات والتخطيط الاقتصادي الصحيح، وتأمين غير كافٍ وغير فاعل للسلع والخدمات العامة، فضلاً عن عدم التوازن بين العرض والطلب في الطاقة، ما ينذر بقرب وقوع أزمة طاقة، وارتفاع تكاليف التبادل المؤدي إلى هدر الموارد وانخفاض الرخاء، وعدم استقرار الاقتصاد الكلي، وارتفاع منسوب عدم الثقة بالاقتصاد، ما سبّب توقعات تضخمية، وجعل الاقتصاد وأسواقه غير قابلة للتوقعات المألوفة. كذلك تأتي انتخابات الرئاسة الإيرانية في 28 يونيو/ حزيران في وقت تتصاعد فيه التوترات بين إيران والغرب بشأن برنامج طهران النووي سريع التطور، وتسليح روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وعلاقتها ببعض الحركات المسلحة في المنطقة، وحملات السلطات الإيرانية ضد المعارضة.