يستحضر محللو مال وهم يراقبون انفلات التضخم في العالم، محافظ بنك إنكلترا "البنك المركزي الإنكليزي" السابق، ميرفين كينغ، وهم يترقبون قرارات وتصريحات محافظ الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، وغيره من محافظي البنوك المركزية، خصوصاً في ظلّ انفلات التضخم في العديد من البلدان.
فقد ابتدع كينغ "نظرية مارادونا" في السياسة النقدية، إذ يتجلى أنّ محافظي البنوك المركزية يقومون في الكثير من الأحيان بتدبير توقعات الفاعلين في السوق، من دون أن يحيدوا عن الأهداف التي وضعوها، فهل ذلك ممكن اليوم في ظل انفلات التضخم؟
كان ميرفين كينغ عاشقاً كبيراً للرياضة أو جميع الرياضات. برع في لعبة التنس، وانضم إلى مجلس إدارة منافسة بطولة ويمبلدون الأشهر والأعرق في العالم.
تلك منافسة، شبهها بالحي المالي بلندن: فتلك المنافسة والحي المالي يحتلان المركز الأول في العالم في مجاليهما، ولديهما قاسم مشترك يتمثل في كونهما يشغلان أجانب.
هو صاحب نظرية "مارادونا" التي طبقها على السياسة النقدية، وهي نظرية تستلهم مباراة ربع نهائي كأس العالم 1986 بالمكسيك، التي جمعت بين منتخبي إنكلترا والأرجنتين، والتي انتهت بفوز المنتخب الأميركي اللاتيني بفضل الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا، الذي منح بلده كأس تلك الدورة التي جرت بالمكسيك، بعدما ساهم بشكل حاسم في هزيمة المنتخب الألماني في النهائي.
كان كينغ قبل أن يتولى أمر بنك إنكلترا على مدى عشرة أعوام، كبير الاقتصاديين ونائباً لمحافظ البنك، غير أنّه قبل ذلك، كان أستاذ اقتصاد، فهو من محافظي البنوك المركزية، مثل بن بيرنانكي، الذين جاءوا من العالم الأكاديمي وليس من عالم المال أو الإدارة.
يعتبر كينغ، البالغ من العمر 74 عاماً، والعاشق لفريق أستون فيلا لكرة القدم، من المدافعين عن سياسة نقدية متشددة، فهو يرى أن تلك السياسة النقدية يجب أن تكون متوقعة ما أمكن، عبر التركيز على تحديد هدف للتضخم من قبل المركزي الإنكليزي، أي 2 في المائة.
كان المحافظ الذي تولى أمر البنك المركزي بين 2003 و3013، يحب استدعاء كرة القدم عند الحديث عن السياسة النقدية. وكان صاحب "نظرية مارادونا" يحب الحديث عن هدف الأسطورة الأرجنتيني ضد إنكلترا. في تلك المباراة سجل مارادونا هدفين، ظلا خالدين في حوليات منافسات كأس العالم.
الهدف الأول الذي أثار الكثير من الجدل، والهدف الثاني جاء خارقاً، فقد سجله بعدما تمكّن منطلقاً من منتصف الملعب من التخلص من لاعبي وسط ودفاع المنتخب الإنكليزي قبل أن يودع الكرة الشباك.
سجل مارادونا الهدف الأول بيده، إذ أطلق عليها "يد الله" في سياق احتجاجات لا تخلو من إعجاب بذلك المبدع الخارق، غير أنّ الهدف الثاني هو الذي يثير أكثر اهتمام كينغ، إذ قارنه بالسياسة النقدية كما تدبرها المصارف المركزية.
وذهب إلى أنّ الطريقة التي لعب بها مارادونا تختزل بشكل مثالي الطريقة التي تعمل بها المصارف المركزية، فقد اعتبر أنّ الهدف الذي سجله بيده ضد إنكلترا، يحيل على الصيرفة الكلاسيكية، فقد كان محاطاً بالغموض، وكان محظوظاً، باعتباره خرق القواعد.
يعتبر كينغ، البالغ من العمر 74 عاماً، والعاشق لفريق أستون فيلا لكرة القدم، من المدافعين عن سياسة نقدية متشددة، فهو يرى أن تلك السياسة النقدية يجب أن تكون متوقعة ما أمكن
الهدف الأول المسجل باليد خطف الأضواء من الهدف الثاني، الذي سجل بطريقة رائعة، فقد انطلق الأسطورة في خط مستقيم في اتجاه المرمى، متجاوزاً خمسة من لاعبي المنتخب الإنكليزي، كيف تمكن من ذلك؟
يجيب المحافظ السابق الذي التحق بمجلس اللوردات في عام 2013، بأن المدافعين الإنكليز الخمسة، تصرفوا انطلاقاً من الوضعية التي كان يوجد فيها مارادونا، فقد كانوا يعتقدون أنه سينحرف يميناً أو يساراً، بينما تمكّن هو من الذهاب في خط مستقيم إلى أن سجل الهدف الثاني.
يعتبر أنّ ذلك الهدف يشكل تجسيداً مثالياً لإحدى أدوات السياسة النقدية في وقتنا الحالي، والتي تتمثل في تدبير التوقعات، فالبنك المركزي الذي يتمتع بمصداقية، يمكن أن يمضي في خط مستقيم، أي أن يظلّ وفياً لسياسته غير آبه بالأزمة ويترك الأسواق تتصرف بدلاً عنه.
فتلك المصارف تؤثر على أسواق معدلات الفائدة عبر خطاباتها التي تشي بنوع من التشدد أو اللطف، حيث تستطيع بهذه الطريقة ضبط الاقتصاد والأسواق من دون أن تضطر إلى تغيير سياساتها النقدية.
لقد كان كينغ يتخيل نفسه مثل أسطورة كرة القدم مارادونا يمضي في خط مستقيم لا يحيد عنه من أجل تسجيل هدف ضد التضخم، عبر عدم تغيير معدل الفائدة الرئيسية، لكن مع استحضار توقعات السوق. غادر المركزي الإنكليزي في يوليو/ تموز 2013، غير أن نظريته ما زالت تثير الانتباه.