- "جيش إكسكاليبر" يعيد تجهيز الدبابات السوفييتية وشهدت زيادة هائلة في الطلب على الأسلحة منذ 2022، مما دفع أسهم شركات تصنيع المعدات العسكرية لمستويات قياسية، مبرزًا دور شركة ستروناد في صناعة الدفاع الأوروبية.
- تواجه صناعة الدفاع تحديات مثل الحاجة لمرافق أكبر ومزيد من الموظفين، اضطرابات في سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف الطاقة. ميكال ستروناد يسعى لرفع قيمة "سي إس جي"، مؤكدًا على الطلب القوي المستمر على المنتجات الدفاعية.
بدأ التشيكي والد ميكال ستروناد Michal Strnad بتجديد الآليات القتالية في تسعينيات القرن العشرين، ليحصد الابن اليوم ثروة مليارية، مستفيداً من الغزو الروسي الذي أنعش الطلب على التسلّح. وقد كان المصنع المتهدم الواقع على أطراف مدينة ستيرنبيرك التشيكية، التي تعود للقرون الوسطى، يستخدم لإصلاح المركبات العسكرية التي تركها النازيون بعد الحرب العالمية الثانية. أما الآن، فأصبح جزءاً من مجمع ينتج الأجهزة اللازمة للصراع الأخير في أوروبا، وقد جعل من مالكه مليارديراً، وفقاً لتقرير موسّع أوردته شبكة بلومبيرغ الأميركية اليوم الاثنين.
يأخذ "جيش إكسكاليبر" Excalibur Army الذي أسسه الوالد الدبابات الصدئة التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، والتي غالباً ما يغطيها الطين والعشب، فيعيد تجهيزها للعمل. ومنذ غزو روسيا أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، استفادت الشركة التي يديرها ميكال ستروناد من أكبر طلب على الأسلحة منذ نهاية الحرب الباردة في آخر التسعينيات. وجرياً على المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، يمكن أن تكون الحرب التي تجر الويلات مربحة للبعض بطبيعة الحال. وقد دفع الإنفاق الدفاعي في أوروبا أسهم شركات تصنيع المعدات العسكرية إلى مستويات قياسية هذا العام، مدفوعة بطلبيات الشراء من شركات مثل شركة "راينميتال إيه جي" Rheinmetall AG الألمانية. لكن الشركة المملوكة لعائلة ستروناد تبرز في بلد كان في يوم مورّداً رئيسياً للأسلحة لخصوم الناتو في الكتلة الشرقية سابقاً.
ويبلغ عمر الملياردير ستروناد 31 عاماً تقريباً، وهو عمر شركة "إكسكاليبر آرمي" نفسها التي أسسها والده قبل نحو ثلاثة عقود لتصبح الآن أكبر وأربح جزء من مجموعة "تشيكوزلوفاك غروب إيه إس" Czechoslovak Group AS، أو CSG. فقد قالت الشركة الأسبوع الماضي، إن إيراداتها قفزت إلى 1.73 مليار يورو (1.9 مليار دولار) العام الماضي، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 2021.
ومن مكتبه في براغ، قال ستروناد: "حتى لو انتهت الحرب غداً، فسيستغرق الأمر سنوات لتجديد المخزونات الفارغة، ناهيك عن الاتجاه لتعزيز الإنفاق الدفاعي وزيادة الإنتاج"، مضيفاً: "أنا واثق من أنه سيكون هناك طلب قوي لفترة طويلة قادمة". والشركة التي تصنع أيضاً مركباتها القتالية الخاصة، إضافة إلى الشاحنات المدنية والعسكرية، لديها سجل طلبات كامل لسنوات، وفقاً لستروناد.
وقد توسعت "سي إس جي" من خلال شراء شركة تصنيع الأسلحة الإسبانية Fabrica de Municiones de Granada عام 2020، وشركة Fiocchi Munizioni SpA الإيطالية بعد ذلك بعامين. كما تسعى حالياً لشراء أعمال شركة الذخيرة التابعة لشركة Vista Outdoor Inc، وهي صفقة تواجه بعض المعارضة السياسية في الولايات المتحدة.
والمشهد الجيوسياسي الجديد يُعد بمثابة نعمة لشركات الدفاع، إذ تتخذ أوروبا خطوات لزيادة الإنتاج وتعزيز الاستعداد العسكري في وقت تأخر تمويل أميركي جديد لأوكرانيا، وهدّد المرشح الرئاسي دونالد ترامب بالتخلي عن شركاء الناتو الذين لا يستوفون متطلبات الإنفاق. وفي الشهر الماضي، وافق الاتحاد الأوروبي على إنشاء "استراتيجية صناعية دفاعية".
ومع ذلك، تواجه الصناعة تحدياتها الخاصة، إذ تتطلب دفاتر الطلبات الموسعة بسرعة مرافق أكبر وعدداً أكبر من الموظفين. وثمة اضطراب أيضاً في سلاسل التوريد، وارتفاع لتكاليف الطاقة، وقيود على الإنفاق العام، وحقيقة أن بعض المستثمرين متحفظون على تمويل شركات تصنيع الأسلحة. وفي هذا الصدد، نقلت "بلومبيرغ" عن محللين في مجموعة غولدمان ساكس قولهم، الأسبوع الماضي، إن تقييمات بعض شركات الدفاع أصبحت الآن مبالغاً فيها. مثلاً، ارتفعت أسهم راينميتال بأكثر من 500% خلال السنوات الثلاث الماضية، متفوقة على معظم شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.
وفي السياق، قال المحلل الرئيسي في شركة جينز المتخصصة في شؤون الدفاع والأمن جاي أندرسون إن "الحفاظ على الإنفاق الدفاعي عند المستويات التي نراها الآن سيعني بالتأكيد بعض الخيارات الصعبة في الميزانية لصانعي السياسات". تجدر الإشارة إلى أن ياروسلاف، والد ميكال ستروناد، كان قد أسّس إكسكاليبور عام 1995، واشترى دبابات سوفييتية الصنع مسحوبة من الخدمة وغيرها من المعدات من أعضاء الناتو المستقبليين في أوروبا الشرقية مع خطة لتحويلها إلى خردة معدنية لتحقيق الربح. لكنه اكتشف سوقاً مزدهرة لقطع الغيار والمركبات القتالية المستعملة في أماكن مثل أفريقيا، واستفاد أيضاً من بعض العلاقات السياسية الوثيقة في الداخل.
ومنذ ذلك الحين، تجدد إكسكاليبور المعدات العسكرية الثقيلة، بما في ذلك حوالي 300 دبابة قتال رئيسية من طراز T-72. وقد جرى تحميل حوالي 100 منها حتى الآن على القطارات وإرسالها إلى أوكرانيا، مع قذائف المدفعية. وارتفع إنتاج "سي إس جي" CSG من الذخيرة الثقيلة أكثر من 10 مرات منذ بداية حرب أوكرانيا، في حين تضاعفت قوتها العاملة ثلاث مرات تقريباً لتصل إلى 10 آلاف شخص في ثماني دول.
وتأتي خطط التوسّع وسط مخاوف متزايدة بشأن الوضع على الأرض في أوكرانيا بسبب النقص الحاد في الذخيرة لدى قوات كييف. كما أن الطقس الدافئ يزيد من المخاوف من أن روسيا سيكون لديها فرصة أفضل لاختراق خط المواجهة عندما تجدد هجماتها. وأشادت وزيرة الدفاع التشيكية جانا سيرنوتشوفا بصناعة الدفاع المحلية "للعبها دوراً مهماً في دعم أوكرانيا منذ بداية العدوان الروسي". ورغم أنها لم تعلق على شركات بعينها، فإنها قالت عبر البريد الإلكتروني إن الدليل على مشاركتها هو "إصدار تراخيص تصدير بقيمة 130 مليار كورونا تقريباً"، أو 5.5 مليارات دولار.
وتستفيد الشركات أيضاً من تاريخ تصنيع الأسلحة. فقد انهارت شبكة المصانع في تشيكوسلوفاكيا مع انهيار الشيوعية عام 1989 وتفكك حلف وارسو، وفقد عشرات الآلاف من الأشخاص وظائفهم، وتركت المجمعات المترامية الأطراف حتى زوالها. لكن بعد انقسام تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين، وبدء كل منهما طريقه نحو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ظهرت فرص جديدة.
ومنطقة ستيرنبيرك، على بعد حوالي 200 كيلومتر (124 ميلاً) شرق براغ، تشتهر بقلعتها التي تعود للقرون الوسطى وبلدتها القديمة، وهي تلخص هذا التحوّل. وفي مجمع إكسكاليبور، تشق طائرات T-72 التي خرجت من الخدمة طريقها تدريجاً عبر المنشأة. في البداية، يجري تفكيكها جزءاً تلو الآخر، ثم يُعاد تركيبها. ومقابل الورشة القديمة توجد المباني الجديدة التي يتم تشييدها كجزء من توسعات الشركة. وسيجري استخدام القاعات الجديدة لإنتاج مركبات قتالية جديدة تماماً، بما في ذلك مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع ذات العجلات، وهو عنصر مدفعي مهم آخر تحتاج إليه أوكرانيا.
وعلى بعد ساعة واحدة بالسيارة من إكسكاليبور، بدأت شركة تاترا للسيارات التابعة لشركة "سي إس جي" للتو في تطوير بدائل تعمل بالهيدروجين والبطارية لشاحناتها المدنية والعسكرية. وقال ستروناد، الذي بدأ والده في الشركة بينما كان لا يزال في المدرسة الابتدائية وجعله رئيساً تنفيذياً وهو في سن 21 عاماً، إنه مستعد للارتقاء بشركة "سي إس جي" إلى المستوى التالي. وهدفه على المدى الطويل محاكاة قيمة مؤسسة راينميتال مقارنة بأرباحها، وهو مقياس لما يرغب المستثمرون في دفعه مقابل الشركة. وقال: "لم نصل إلى مستوى راينميتال بعد، لكننا نلحق بالركب. لم أفكر حتى في بيع أي من أصولي رغم أنني أتلقى عروضاً كل شهر. فلو بعت ماذا سأفعل بالمال؟ يجب أن أذهب وأشتري شيئاً آخر، فما الفائدة إذن؟".