أكد نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، فتح الله فوزي، في مقابلة مع "العربي الجديد" عقب اجتماع موسع عقده مع لجنة البناء والتشييد بالجمعية، أن الحكومة أمامها 5 مطالب عاجلة لإنقاذ القطاع العقاري من الإفلاس.
وقال فوزي: "ستطيح الأزمة الحالية بنحو 30% على الأقل من عدد الشركات العقارية في مصر، خاصة التي لم تكن لديها دراسات سوقية جيدة لمشروعاتها، والتي بالغت في خفض الأسعار على حساب المنتج". وفيما يلي نص الحوار:
- ما هو حجم الأزمة التي يمر بها القطاع العقاري في مصر، وخاصة مع تراجع سعر الجنيه؟
نمرّ بأزمة عميقة، مشابهة لتلك التي واجهها قطاع البناء والتشييد أثناء غزو العراق للكويت وحرب الخليج، وأزمة التمويل العقاري الأميركية التي أحدثت انتكاسة مالية في أنحاء العالم عام 2008. ولم تبدأ الأزمة مع تحولات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وارتفاع سعر الدولار فقط، بل بدأت مع وباء كورونا، الذي أثر على حركة السوق سلبا، طوال عامين، وحين كادت الحركة تعود بعد تراجع الوباء، فإذا بالظروف الجديدة، تعصف بالسوق، وتصيبه بحالة من الشلل والسكون. والتغير في سعر العملة أربك حركة المقاولين والبائعين، وأصبح الكل يريد مراجعة عقوده، وينتظر ماذا سيفعل اليوم وغدا.
- كيف ستتأثر الشركات الخاصة في هذا المجال بالمشاكل المتراكمة التي تواجهها؟
ستطيح الأزمة الحالية بنحو 30% على الأقل من عدد الشركات العقارية في مصر، خاصة التي لم تكن لديها دراسات سوقية جيدة لمشروعاتها، والتي بالغت في خفض الأسعار على حساب المنتج، أو التي تركت عمليات التسويق للبائعين "البروكرز" يوجهونها في السوق، مقابل تحصيلهم عمولات بيع عالية. وسيزيد التأثير على الشركات التي باعت وحداتها وتعاقدت مع المشترين.
- لماذا يعتبر البيع مشكلة رغم أن شركات كثيرة تفتخر بتحقيق نسب عالية في المبيعات؟
أصبح بيع الوحدة السكنية في حد ذاته الآن مشكلة، فالمطور الذي باع هو في حقيقة الأمر خسر نحو 25% من قيمة الوحدة، بما يعادل حجم التغيّر في الأسعار، ولا يدري كم سيتحمل في الأيام المقبلة، مع زيادة أسعار مواد البناء والنقل والتشغيل. وقيام الشركات بالبيع لا يعني أنها حققت أرباحا منه، لأن المشتري يدفع نحو 10% من قيمة الوحدة، ويقسط الباقي على مراحل زمنية.
- هناك مبالغة في سعر بيع الوحدات العقارية من الشركات، فما رأيك؟
الشركات العقارية الآن مدفوعة في أغلبها للعمل في مشروعات سكنية فوق المتوسطة، لأن الأراضي التي تحصل عليها بأسعار مرتفعة للغاية، من الجهات الحكومية. فالحكومة أصبحت تنظر إلى الأرض كسلعة تحتكرها، وتحدد قيمتها ونسبة البناء واشتراطات التنفيذ، بما يحمل تكاليف مضافة على قيمة الوحدة، ويخلق فارقا واسعا في الأسعار.
وهذه الفروق بين الأسعار بالشركات الخاصة والحكومية ليست ناتجة في أغلبها عن قيمة المنتج، ولكن في قيمة الأرض حيث إن الجهات الحكومية تحصل على الأرض بالمجان، بينما القطاع الخاص مطالب بدفع السعر وفقا لما تطلبه الحكومة، وتدفع المستثمرين للتنافس عليه.
- توقفت شركات عن تسليم الوحدات، وأخرى تريد تعديل العقود، ما خلق أزمة عدم ثقة بين كل الأطراف، فما هو موقفكم من هذه الشركات؟
لن نسمح لأي شركة بأن تمتنع عن تسليم وحدات أو تنهي عقود بيعها للعملاء، فالقانون يحرم ذلك، بينما هناك شركات توقفت عن البيع حاليا انتظارا لما ستسفر عنه التطورات في الأيام المقبلة، لأن امتلاك الوحدة حاليا أهم من التصرف فيها. بينما لا يعلم أحد الغيب، وما ستحمله التطورات من تغيير كبير في سعر مدخلات الإنتاج، ويمكن مراجعة العقود ما بين المقاولين والشركات، أو بين الجهات الحكومية والشركات الخاصة، وبين البنوك والمطورين، فالسوابق والعقود بينهم تسمح بذلك.
- كيف ستواجهون هذا الارتباك، في وقت يلقي كل طرف بالمسؤولية على ظروف الحرب وتراجع الجنيه؟
حالة التوقف عن البيع والشراء والارتباك هي التي دفعتنا لعقد اجتماع طارئ بلجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، لنتعرف إلى مطالب الشركات، والموردين لمواد البناء، فهناك حالة من الغلاء المفاجئ في الإسمنت التي ارتفعت أسعاره من 950 جنيها الطن، نهاية العام الماضي، إلى 1800 جنيه حاليا، تسليم المصنع، في الوقت الذي زادت فيه أسعار النقل، وخامات الألومنيوم والحديد والأدوات الكهربائية والدهانات وغيرها. (الدولار = 18.3 جنيها)
- ما هي أهم المطالب التي خرجتم بها من الاجتماع؟
بعد مناقشات امتدت ساعات، وضعنا 5 مطالب أساسية، سنقدمها إلى وزير الإسكان ومجلس الوزراء، لنضع الحكومة أمام أزمة قطاع واسع لديه استثمارات هائلة وعمالة منتشرة في أنحاء البلاد.
وسبق أن ساهمت الدولة في حل تلك الأزمات على وجه السرعة، كما فعلت عام 2008. فالحكومة تستطيع أن توقف سداد قيمة أقساط الأراضي المستحقة على الشركات الملتزمة، بجداول التنفيذ والسداد، قبل الأزمة، وتؤجل السداد لفترات لاحقة، وكذلك الفوائد على القروض، لحين أن تتكشف حالة السوق ويستقر من جديد.
وطلب الأعضاء إعادة تقييم الأراضي المبيعة، ونسب البناء عليها، حيث يرغم المقاولون بالبناء على نسبة 20% من حجم الأراضي فقط، بينما المشروعات الحكومية غير ملتزمة بذلك، بما يحمل فروقا هائلة في التسعير، يدفعها المواطن في نهاية الأمر.
هذا المطلب مهم للغاية، لأن الناس لم تعد لديهم السيولة المالية الكافية لشراء العقار، بينما تحتاج الدولة إلى بناء 500 ألف وحدة سكنية، لمواجهة الزيادة السكانية السنوية. فلدينا عجز يبلغ 200 ألف وحدة سكنية سنويا، ومع حالة الغلاء، وتوقف المشروعات، سيزيد العجز وترتفع الأسعار، بما يزيد الأزمة.
وطلب أعضاء اللجنة تطبيق القوة القاهرة على العقود العقارية، بما يسمح بزيادة مدد سداد القروض للبنوك، وزيادة فترات سداد الأقساط للأراضي التي حصل عليها المطورون من وزارة الإسكان والتعمير، ورفع الأسعار للمشروعات المنفذة حاليا، بالإضافة إلى تطبيق التسهيلات التي قررها البنك المركزي، من قواعد الاستيراد من الخارج، بحيث يسمح بدخول بعض خامات مواد البناء، دون القيود التي قررها البنك أخيرا.
ومن أهم المطالب إلغاء رسوم الإغراق المقررة على بعض الخامات، اللازمة لمواد البناء، كالبليت والحديد، لتوفيرها في السوق المحلي بأسعار مقبولة.
- لماذا ترفض اللجنة تدخّل الحكومة في تحديد أسعار العقارات، للحد من الغلاء؟
مشكلة قطاع البناء والتشييد أن الدولة أصبحت منافساً للقطاع الخاص ليس في البناء فقط، ولكن في إنتاج مواد البناء أيضاً، مثل الإسمنت وخلافه، وهي التي تغالي في تسعير الأراضي، ما دعا الأعضاء إلى ضرورة تفعيل قانون منع الممارسة الاحتكارية على سعر بيع الأراضي من الدولة، وعلى مواد البناء، حيث يباع سعر الإسمنت للخارج بأقل من نصف قيمته للسوق المحلي.
ومن المفترض في السوق الحر أن تظل الدولة هي المخطط والرقيب على المشروعات، وليست منافساً للقطاع الخاص. فلا يحق لجهة تحديد سعر سلعة مثل العقار، لأن السوق هو المحرك لها، والدولة تظل في موقع الرقيب، والراعي لحقوق الأطراف كافة. فالنظرة الضيقة لقانون حرية السوق هي وراء اتهام رجال الأعمال بأنهم سبب غلاء الأسعار، بينما هم من ضحايا الأزمات التي يفرضها الواقع.
- هل هناك رغبة حكومية في توجيه سوق العقار ليصبح سلعة تصديرية، تحل أزمات الشركات وأيضا توفر العملة الصعبة للدولة؟
السوق المصري به ميزة نسبية عالية في سعر العقار، فيكفي أن سعر المتر في مشروعات على البحر المتوسط مباشرة، مثل أبراج العلمين يتراوح ما بين 2000 و3000 دولار، ما يعادل نحو 50% من أسعار البيع في مدينة جاذبة للاستثمار العقاري، مثل دبي أو منافسة كبيروت.
ولكن السوق يحتاج إلى مزيد من التنظيم، الذي كنا نسعى إليه في مشروع قانون التطوير العقاري، حيث سيحدد اختصاصات المطورين والبائعين والعلاقة التنظيمية بين كل القائمين على قطاع البناء والتشييد في الدولة، من القطاعين الخاص والعام.
كما يتطلب الأمر أن تكون لدينا شركات تتولى بيع الوحدات كاملة التشطيب. فالمستثمر الخليجي أو الأجنبي لن يأتي باحثا عن وحدة عقارية، تعرض للبيع بعد 5 سنوات، لكنه يريد وحدة جاهزة تماما، في المناطق الترفيهية مثل الغردقة والساحل الشمالي والأماكن المفضلة أمام الأجانب، وأن تتواجد معها إدارة للصيانة والتشغيل، وتعديل الإجراءات الحكومية بما يسمح بالملكية وإعادة البيع وتوحيد نظم التعامل مع الإدارات الفنية كالكهرباء والغاز والمياه، بحيث لا يكون المشتري منشغلا بتلك الإجراءات الروتينية، التي ما زالت سائدة. نحتاج إلى منظومة متكاملة للسوق العقاري، تدفع به إلى منافسة أسواق مثل تركيا ودبي، وهي جهود مطلوبة من المطورين والجهات المختلفة في الدولة.
- ما هي النصيحة التي توجهها لمن يشترون العقار من المصريين بالخارج، حتى لا يقعوا فريسة لمن ينصب عليهم في الأسعار أو شروط البيع؟
شراء شقة سكنية هو الحلم الأغلى لأي مصري في الخارج، سواء كانت له أو لأولاده، لذلك عليه أن يشتري من الشركات ذات الخبرة وسابقة الأعمال، ولا يكتفي بالبحث عن أرخص الأسعار، لأن هناك من يخفض السعر اعتمادا على دراسات غير دقيقة للمشروع، أملا في البيع وتحصيل مبالغ كبيرة من الجمهور، وقد يبيع عدة مراحل من المشروع، دون أن يشرع في بناء وحدة واحدة.
يتطلب الأمر أن تكون لدينا شركات تتولى بيع الوحدات كاملة التشطيب. فالمستثمر الخليجي أو الأجنبي لن يأتي باحثا عن وحدة عقارية، تعرض للبيع بعد 5 سنوات
وهذه النقطة تحديدا تسبب كثيرا من الكوارث، فعندما ترتفع أسعار الخامات يتوقف المطور غير الجيد عن البناء، ويبدأ في مساومة المشترين على دفع التكاليف، بينما الشركات ذات السمعة الجيدة، تحافظ على نمو مشروعاتها، وتلتزم بالجداول الزمنية للتنفيذ، مهما كانت الظروف.
ولا بد أن يقع الاختيار، بعد البحث والتمحيص، على الشركة الأفضل من بين أكثرها التزاما، وأن يراجع عقود الشراء، وإن تطلب الأمر الاستعانة بمستشار قانوني، ليضمن كافة حقوقه ويحدد ما عليه من التزامات بدقة. وأن يبحث عن المطور الذي لا يعتمد على البيع عن طريق بائعين "بروكرز" يغالون في الأسعار لمجرد الاستعانة بحفلات فنية ومعارض للمشاهير، لأنها تغالي في الأسعار، والعمولات على حساب قيمة الوحدة.