قدّم نواب حاكم مصرف لبنان، اليوم الخميس، إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية، خطّة نقدية مالية بجدول زمني ستة أشهر، تقوم على إعادة النظر في مشروع الموازنة، وإقرار قوانين للتحكم في تحركات رأس المال (كابيتال كونترول)، وإعادة هيكلة المصارف، ومعالجة الفجوة المالية، بالإضافة إلى حماية الودائع.
كذلك، تضمّنت خطة نواب حاكم البنك المركزي الأربعة التعاون بين مصرف لبنان ومجلس النواب والحكومة لضبط سوق الدولار، وتحديد سعر الصرف بطريقة "مدارة" على منصة تبادل معترف بها دولياً، بحيث تعكس القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية، كما التنسيق بين مصرف لبنان والبرلمان والحكومة لتحسين عمق سوق الصرف الأجنبي.
ووضع النواب الأربعة جدولاً زمنياً لتنفيذ الخطة، يصل إلى 6 أشهر مع "ضمان الاستقرار الاجتماعي وحماية القوة الشرائية لموظفي القطاع العام والسكان الأكثر فقراً".
وتدعو الخطة إلى "إصلاحات مالية كبرى، وإصدار عدد من القوانين التشريعية المالية الإصلاحية التي تتطلبها هذه المرحلة التي تمرّ بها البلاد، واعتماد معايير محددة من شأنها أن تساعد في خلق طلب على الليرة اللبنانية، على أن تلتزم الحكومة والبرلمان بإقرار هذه القوانين وتنفيذها لإعادة بناء الثقة وتأمين إيرادات إضافية من إطار ميزانيتها لسداد القرض المستحق حديثاً".
وسيكمل مصرف لبنان المركزي كل تلك الإجراءات بإصدار اللوائح اللازمة، واعتماد البنية التحتية المطلوبة، ووضع السياسات والإجراءات لضمان الحوكمة وجميع المتطلبات الإدارية الأخرى.
وعقدت لجنة الإدارة والعدل النيابية برئاسة النائب جورج عدوان، أول من أمس الثلاثاء، جلسة حضرها أيضاً النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان، بهدف مناقشة البيان الذي أصدروه، ولوّحوا فيه بالاستقالة، ومرحلة ما بعد 31 يوليو/تموز، مع انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، وأسباب ارتفاع سعر صرف الدولار الذي حصل في نهاية الأسبوع بتخطيه عتبة المائة ألف ليرة.
وأشار عدوان، في مؤتمر صحافي بعد الجلسة، إلى أنّ الاجتماع قسّم إلى شقّين، الأول يتعلق بالسنوات الثلاث الماضية والسياسات التي اتبعت خلالها، والشقّ الثاني، تناول المرحلة المقبلة.
ولفت عدوان إلى أنّ نواب الحاكم أوضحوا أنّ الهدف من البيان الذي أصدروه "هو أن يلقوا آذاناً صاغية من الحكومة، تحديداً حول المرحلة المقبلة، لا للتخلي عن مسؤولياتهم".
وقال عدوان إنّ موضوع السنوات الثلاث الماضية التي كان فيها نواب الحاكم في المجلس المركزي بمصرف لبنان "جرى طرحه في الجلسة، وكانت هناك تساؤلات حول موقف النواب من القرارات التي صدرت، وسياسات الحكومات والسياسة النقدية التي اعتمدت وأدت في نهايتها إلى هدر 20 مليار دولار من الأموال الصعبة الموجودة لدينا".
وأضاف: "أخذنا بعض الأجوبة حول هذه التساؤلات، لكن الملف لم ينتهِ هنا، وأنا سأتقدم باقتراح قانون لرفع السرية عن كل محاضر المجلس المركزي، حتى تكون الأمور والمواقف أكثر وضوحاً وشفافية، ويبنى على أساسه الموقف".
ولفت عدوان إلى أنّ "النواب الأربعة أرسلوا إلى الحكومة ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال (يوسف الخليل) كتباً عدة، نبّهوا فيها إلى مخاطر السياسة النقدية المتبعة ومحاذيرها، ومن الهدر الذي حصل بسبب الدعم والتهريب وغيرهما، وهذا الملف سنعود اليه لاحقاً لاستيضاح كل الأمور"، مشيراً إلى أنّ "نواب الحاكم قالوا إنهم غير مستعدّين للتعاطي بالطريقة نفسها التي كان يعتمدها حاكم مصرف لبنان".
وكشف عدوان أنّ نواب الحاكم "تحدثوا عن أنّ كل سياسة الدعم كانت خاطئة، وكان يجب أن يُوجه الدعم إلى المواطن مباشرة، لا لدعم سلع تهرّب وتتعرض للتزوير"، كما اعتبروا أنّ منصة صيرفة "غير شفافة، وما كانوا موافقين عليها، وهم يرفضون الاستمرار فيها بالطريقة التي حصلت أو تحصل، لانعدام الشفافية فيها".
من جانبه، قال النائب فراس حمدان إنه فوجئ بما جرى الإعلان عنه خلال الجلسة بأنّ سلامة كان يتصرّف منفرداً من دون التقيّد بقرارات المجلس المركزي، والتي كانت تصدر بالإجماع خلافاً لرأيه، مشيراً إلى أنّ النواب الأربعة "أبلغونا بأنهم لا يمانعون التنازل عن سرية هذه المحاضر".
وطالب حمدان بـ"إجراء مكاشفة ومصارحة أمام الشعب اللبناني عن كل مخالفات وهرطقات الحاكم، وكشف حسابات المصرف المركزي والأرقام الحقيقية للاحتياطي الإلزامي وللموجودات النقدية في مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، وحجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الموجودة في مصرف لبنان والمتداول بها، والإجراءات المنوي اتخاذها في المرحلة المقبلة"، معتبراً أنّ نواب الحاكم "مسؤولون عن كتمهم هذه المعلومات، رغم أنهم أبلغوا الحكومة برسالة خطية عن تصرفات الحاكم الانفرادية ولم تحرك ساكناً، باعتبار أنّ خلف الحاكم مصالحه ومصالح المنظومة السياسية والمصرفية والقضائية".
ووضع حمدان هذه المعلومة بتصرّف القضاء للمباشرة بتحقيقاته وتحميل الحاكم بأمره المسؤوليات المدنية والجزائية.
وفي 6 يوليو/ تموز الجاري، دعا نواب الحاكم إلى ضرورة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان مع اقتراب انتهاء ولاية سلامة في 31 يوليو، وذلك في أقرب وقتٍ ممكن، و"إلا سنضطر إلى اتخاذ الاجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة".
وتبقى الأنظار متجهة إلى كيفية تعاطي السلطة السياسية مع خطة النواب الأربعة، وما إذا كانت المماطلة بها أو رفضها ستؤدي إلى استقالة هؤلاء هذا الشهر، وهي خطوة لم تحسم بعد، في حين لم يحصل بعد اتفاق على مرحلة ما بعد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والشخصية التي ستخلفه، علماً أنه بحسب قانون النقد والتسليف، يتولى نائب الحاكم الأول، أي وسيم منصوري، مسؤولية الحاكم عند الشغور.