تتعرض كل من مصر والسودان وليبيا لأزمات مالية خانقة، إلا أنه رغم ذلك، أعلنت بنوكها المركزية ضمان أموال مودعيها.
وعقب إعلان الحكومة اللبنانية إفلاسها وتوقفها عن سداد أقساط الديون المستحقة عليها، وخسارة المودعين جزءاً ليس باليسير من أموالهم، بدأ القلق يسيطر على الأوساط الاقتصادية في مصر، وخاصة عقب تخفيض قيمة الجنيه بشكل حاد مقابل الدولار بنحو 17 في المائة، بخلاف الإعلانات الرسمية عن بيع بعض الأصول المصرية لجهات أجنبية وعربية، خلال الأيام القليلة الماضية، بالإضافة للدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
أزمة الجهاز المصرفي المصري
يقول الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله إن الأزمة التي يعاني منها مؤخرًا الجهاز المصرفي في مصر، نتيجة لنقص العملة الأجنبية بسبب سحب الأموال الساخنة والتي قدرت قيمتها في بعض الأوقات بـ33 مليار دولار، وذلك عقب الغزو الروسي لأوكرانيا ورفع سعر الفائدة على الدولار، هو ما حدث أيضًا في لبنان.
وأضاف: ولكن الفرق أن الحكومة المصرية سارعت ببيع بعض الأصول لجهات أجنبية، بالإضافة إلى السحب من احتياطيات البنوك التجارية، حتى أصبحت هذه الاحتياطيات بالسالب خلال الفترة الماضية، وذلك حتى تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه سداد ما عليها من ديون وفوائد.
ويرى ذكر الله، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن مصر لديها الكثير من الأصول، ما يؤمن وضعها المالي، والتي يمكن الاعتماد عليها للوفاء بالديون. وأشار إلى أنه لحماية الجهاز المصري من أي تداعيات مستقبلية، تتجه الحكومة في الوقت الحالي، بالسعي نحو الحلفاء التقليديين كالإمارات وقطر والسعودية والكويت، للحصول على ودائع واستثمارات جديدة.
وتابع: بالفعل نجحت هذه المساعي في وعود بضخ استثمارات قطرية بنحو 5 مليارات دولار، بخلاف وديعة سعودية بـ5 مليارات أخرى، كما بيعت بعض الأصول للإمارات بحوالي ملياري دولار، بخلاف المفاوضات الجارية بين الصندوق السيادي السعودي لشراء بعض الأصول المملوكة للدولة وضخ 10 مليارات دولار، لافتًا إلى أن ما يجري ليس بناء استثمارات جديدة وإنما استبدال المالك فقط.
وحول حماية أموال المودعين في البنوك، سواء المصرية أو الأجنبية، من أي مشاكل مستقبلية، أوضح ذكر الله أن تلك الأموال محفوظة وآمنة بموجب نص قانون البنك المركزي، وهو ما شجع المودعين على زيادة مدخراتهم في البنوك، حتى في السنوات التي تعرضت فيها مصر لبعض الاضطرابات.
ورغم زيادة المخاوف على مصر من التعثر، لكن الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد النبي عبد المطلب يؤكد، لـ"العربي الجديد"، أن مصر بعيدة جدًا عن خطر الإفلاس، لأن ما حدث في لبنان سببه الفساد وعدم الاستقرار السياسي، نتيجة الصراعات التي أدت في النهاية إلى منع المؤسسات المالية العالمية من مد يد العون للاقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى وجود أسباب مالية كثيرة ساهمت في إدخال لبنان إلى دائرة الإفلاس.
وأضاف: مصر لا توجد فيها حاليًا صراعات سياسية، كما أن لديها عدة موارد مالية تجعل شبح الإفلاس بعيدا عن الاقتصاد، ومن أهم هذه الموارد تحويلات المصريين العاملين في الخارج والصادرات .
الاضطرابات السياسية ترهق اقتصاد السودان
أحكمت الأزمة الاقتصادية في السودان حلقاتها، وباءت كل محاولات الحلول بالفشل عقب ثورة العام 2019 التي أسقطت نظام البشير الذي حكم البلاد مدة ثلاثين عاما. وكان من بين الدوافع الأساسية التي أدت إلى سقوط حكمه تفاقم الأزمات الاقتصادية، ولكن ازداد تدهور الأوضاع العام الماضي بعد الانقلاب الذي قام به قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على شركاء الحكم المدني.
وهو ما أدى إلى تدهور الأوضاع المالية وتهاوي قيمة العملة مقابل الدولار، وخاصة بعد إيقاف المجتمع الدولي كل مساعداته التي وعد بها، فتسبب ذلك في تعطيل الإصلاحات الاقتصادية ومفاقمة معيشة السودانيين، فارتفع التضخم إلى أرقام قياسية وتدهورت قيمة الجنيه بشكل متسارع.
الاقتصادي السوداني أبو القاسم إبراهيم يقول لـ"العربي الجديد": رغم الأوضاع الاقتصادية المعقدة، إلا أنه يرى أن الدولة أوفت بالتزامات الفصل الأول وتحويلات الولايات، ولكن التكلفة يدفعها المواطن.
وأضاف: السودان له مداخيل كثيرة للوفاء بالتزاماته إذا نظرنا إلى موارده العديدة، مستبعداً فرضية إعلان افلاس الدولة، ولا يوجد ما يدعو لقلق المودعين في المصارف على مدخراتهم.
ويرى حلولا في الأفق نتيجة التوافق مع السعودية والإمارات في الحصول على دعم مباشر على شكل ودائع لتنفيذ الاستثمارات المصدقة.
ويعود إبراهيم ليقول: لكن الوضع السياسي يشكل عقبة للاستقرار الاقتصادي ويعطل حركة دولاب الدولة.
الاقتصادي السوداني أبو القاسم إبراهيم يقول لـ"العربي الجديد": رغم الأوضاع الاقتصادية المعقدة، إلا أنه يرى أن الدولة أوفت بالتزامات الفصل الأول وتحويلات الولايات، ولكن التكلفة يدفعها المواطن
ويقول أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية محمد الناير، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع في السودان يختلف عن لبنان الذي تعتمد على تحويلات.
أما الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، فيرى في حديثه لـ"العربي الجديد" وجود نقاط التقاء بين الأزمتين السودانية واللبنانية، تتمثل في دعم الكهرباء والوقود، لكن لب أزمة لبنان الاقتصادية يتمثل في أزمة النظام المصرفي اللبناني الذي تسبب في إهدار أموال المودعين، وبات واضحاً أنه لن يتمكن من الخروج من الأزمة إلا بدعم مالي كبير من الدول الصديقة والمؤسسات المالية الدولية.
ويضيف: أما أزمة السودان الاقتصادية فهي مختلفة تماما، لأنها نشأت أصلا من التوسع في الاستهلاك والاستيراد مع قطاع إنتاج ضعيف وصادرات قليلة، وهو وضع نتج أساسا من سياسات حكومية متخلفة منحازة للاستيراد على حساب الإنتاج والصادر، مع أزمة ديون خارجية وعزلة عن الاقتصاد العالمي بسبب العقوبات الأميركية.
وتابع: مع أن أميركا رفعت العقوبات، إلا أن مشكلة الديون الخارجية وتخلف النظام المصرفي السوداني عن مواكبة التطور الكبير في نظام المقاصة الدولية تواصلت.
ليبيا: اضطرابات سياسية وإنفاق عشوائي
تعاني ليبيا من أزمة مالية خانقة دفعت خبراء اقتصاد إلى القول بأن البلاد ليست بعيدة عن مخاطر الإفلاس، ولكن في المقابل يؤكد آخرون أن ليبيا تمر بأزمة عابرة نظرا لاعتمادها بشكل أساسي على النفط، المحرك الرئيسي للاقتصاد، ومع ارتفاع الإنتاج وزيادة الأسعار عالميا، سيسهم ذلك في توفير مداخيل من النقد الأجنبي للبلاد.
وتعاني ليبيا من حالة عدم استقرار سياسي وصراع متصاعد بين الأطراف السياسية انعكست سلبا على الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
وقال المحلل الاقتصادي على الماقوري، لـ"العربي الجديد"، إن الاقتصاد الليبي بعيد عن الإفلاس مع تعافي النفط إنتاجا وأسعارا، مضيفا أن الاستقرار السياسي أو الاقتصادي بعيد المنال عن المجتمع الليبي، لكن المؤشرات الاقتصادية إيجابية لهذا العام.
وتابع أن ليبيا تسعى إلى نجاح الإصلاح الاقتصادي والوصول إلى سعر توازني للدينار، وهذا يتطلب إيرادات نفطية تناهز 20 مليار دولار لتغذيه الاحتياطيات من النقد الأجنبي.
ومن زاوية أخرى، يشير الخبير الاقتصادي أحمد المبروك، لـ"العربي الجديد"، إلى الالتزامات المالية والديون المتراكمة خلال سنوات ماضية، وانخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى النصف، بالإضافة إلى أن أموال الصندوق السيادي مجمدة وتآكلت على مدى عقد من الزمن، وتوسع الحكومات في الإنفاق الاستهلاكي من دون وجود برامج إصلاح اقتصادي حقيقة.
وأضاف أن أموال المودعين ليست في مأمن، فالعميل لا يستطيع رفع قضية قانونية حول تخفيض قيمة مدخراته بنسبة 70% لعدم شرعية القائمين على هذا الإجراء أو سحب أمواله من المصارف. ولكن في المقابل، أكد مصرفيون أن أموال المودعين مضمونة حكوميا حسب القانون، وعائدات النفط قادرة على توفير السيولة اللازمة لحل الأزمات المصرفية ، لكن في حال الاستقرار السياسي.