حذر القائد السابق لحلف "الناتو" في أوروبا الأدميرال بالقوات الأميركية جيمس ستافريديس من أن موسكو تخاطر بإشعال حرب مباشرة مع الناتو، من خلال اعتراض السفن التجارية في المياه الدولية والسعي لفرض قيود اقتصادية على أوكرانيا. وعلقت روسيا اتفاق الحبوب مع أوكرانيا واعتبرت السفن التي تنقل الحبوب الأوكرانية أهدافاً عسكرية.
وذكر ستافريديس، الذي قاد قوات التحالف في أوروبا بين عامي 2009 و2013، في حديث لصحيفة "بوليتيكو" مساء الأربعاء، أن التصعيد في البحر الذي تقوده روسيا قد يجبر شركاء كييف على التدخل لمنع تعثر الاقتصاد الأوكراني.
وأضاف: "تصرفات روسيا في المياه الدولية للبحر الأسود تخلق خطراً حقيقياً من تصعيد هذا الأمر إلى حرب في البحر بين الناتو والاتحاد الروسي". واستطرد قائلاً إن الناتو "لن يوفر كل الأسلحة والأموال لأوكرانيا، فقط لمشاهدة روسيا تخنق اقتصادها بحصار غير قانوني".
ولفت ستافريديس إلى أن "هذا التكتيك الذي تتبعه روسيا في تفتيش السفن التجارية في البحر الأسود بمثابة قرصنة"، مضيفاً: "إذا بدأت روسيا في الاستيلاء على السفن أو سعت لإخافتها، أعتقد أنه من المرجح أن يرد الناتو بدعم ممر إنساني للشحن".
وأكد القائد الأعلى السابق لحلف "الناتو" في أوروبا أنه يمكن للحلف أن يحمي السفن المتجهة من وإلى ميناء أوديسا الأوكراني "بطائرات الناتو القتالية وربما بسفن حربية تابعة للناتو".
وتصاعدت التوترات في البحر الأسود بشكل كبير منذ انسحاب روسيا من جانب واحد من صفقة حبوب للأمم المتحدة وقعتها بمشاركة تركية مع أوكرانيا في يوليو/تموزالماضي، وحذرت من أن السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية يمكن اعتبارها أهدافاً عسكرية.
ورداً على ذلك، أظهرت أوكرانيا استعدادها لاستهداف صادرات الطاقة الروسية بهجوم بحري أو بطائرات من دون طيارعلى الناقلات، وأعلنت أن المياه حول موانئ روسيا على البحر الأسود "منطقة حرب"، اعتبارًا من 23 أغسطس/آب.
في ذات الشأن، ورداً على انسحاب روسيا من صفقة الحبوب، اتهم الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ روسيا بارتكاب "أعمال خطيرة وتصعيدية في البحر الأسود"، في إشارة جزئية أيضاً إلى قصف روسيا للموانئ الأوكرانية. وأضاف ستولتنبرغ أن الناتو"كثف عمليات المراقبة والاستطلاع في منطقة البحر الأسود، بما في ذلك طائرات الدوريات البحرية والطائرات من دون طيار".
ويرى ستافريديس أن الدعم من أعضاء الناتو المتاخمين للبحر الأسود، وبالتحديد تركيا ورومانيا وبلغاريا، سيعني "أن أسطول البحر الأسود الروسي سيتجاوز عسكريا".
وبحسب تقرير" بوليتكو"، فإنه من المقرر أن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس فلاديمير بوتين في نهاية الشهر الجاري، ومن المرجح أن يكون ملف تجارة الحبوب على جدول الأعمال.
تضخم أسعار الغذاء
وتتخوف دول الناتو من أن تؤدي تداعيات منع وصول الحبوب الأوكرانية إلى مفاقمة معدل التضخم، خاصة في الولايات المتحدة التي ستشهد انتخابات رئاسية في العام المقبل. ولا يزال تضخم أسعار الغذاء المحلي مرتفعاً في جميع دول العالم، وهو ما يعرقل عودة النمو الاقتصادي العالمي ويجبر الحكومات على زيادة سعر الفائدة، خاصة على الدولار واليورو.
وتُظهر بيانات منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو)، بين فبراير/شباط 2023 ومايو/أيار في العام الجاري2023، ارتفاعًا في تضخم أسعار المواد الغذائية في معظم البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. حيث ارتفع التضخم عن 5% في نحو 63.2% من البلدان منخفضة الدخل و79.5% من البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى و67% من البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى. بالإضافة إلى ذلك، تعاني 78.9% من البلدان مرتفعة الدخل من تضخم مرتفع في أسعار المواد الغذائية. وحسب منظمة"فاو"، فقد تجاوز تضخم أسعار المواد الغذائية التضخم الإجمالي في 80.1% من 166 دولة حول العالم.
تداعيات الحرب على الأسعار
حسب بيانات البنك الدولي، فإن السلع الأكثر تضرراً من الحرب الروسية في أوكرانيا هي القمح والذرة إلى حد ما وزيوت الطعام والأسمدة. ويقول تقريرالبنك الدولي الصادر في نهايو يوليو/تموز الماضي إن القمح هو السلعة الأساسية التي تأثرت بالحرب، وذلك ببساطة لأن روسيا هي أكبرمنتج للقمح في العالم، حيث مثلت حوالي 18% من حجم الإنتاج العالمي و20% من الصادرات العالمية في العام الذي سبق تفجر الصراع بين موسكو وكييف. بينما تمثل أوكرانيا 10% من الصادرات العالمية. ويعتمد حوالي 35% من سكان العالم على القمح، باعتباره العنصر الأساسي في النظام الغذائي. لذلك، أدت الحرب إلى صدمة كبيرة للغاية في أسواق الحبوب العالمية.
وحسب التقرير، فإنه اعتبارًا من شهر مارس/آذار من عام 2022، كان سعر القمح في الأسواق العالمية أعلى بنحو 50% مما كان عليه في فبراير/شباط من نفس العام، وما يقرب من 80% أعلى مما كان عليه قبل عام الحرب. كما أن أسعار الذرة ارتفعت بعد الغزو بنحو 25 إلى 30% فوق مستويات فبراير/شباط وحوالي 37% على أساس سنوي.
ولكن التقرير يشير إلى أنه لحسن الحظ، فإن مستويات المخزون من القمح ليست سيئة، لذا فإن العالم لا يواجه نقصاً عالميًاً في القمح، إذ إن هناك ما يكفي من القمح وستؤدي زراعة المزيد من القمح في فصلي الربيع والصيف إلى تعويض النقص إلى حد كبير، إذا ظلت الصادرات محجوبة من أوكرانيا.
لكن التقرير يقول إن المشكلة تكمن في أن البلدان التي اعتادت الاستيراد من أوكرانيا، عليها الآن أن تتكيف مع الوضع الجديد ولن يكون هذا أمراً سهلًاً وسيكون مكلفًا للغاية. وذلك إضافة إلى تأثير الحرب على تكلفة الأسمدة وهذا أمر مهم جداً،، لأنه يمكن أن يترجم بالفعل إلى مشاكل إنتاج للموسم المقبل عبر تقليل إنتاج المحاصيل، لأن المزارعين ربما لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من الأسمدة. وتبلغ حصة كل من روسيا وبيلاروسيا نحو 20% من صادرات الأسمدة العالمية. ويذكر أن أسعار الأسمدة ارتفعت بمعدلات كبيرة في العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط وتضاعف سعر اليوريا ثلاث مرات في العام الماضي بالفعل.