استمع إلى الملخص
- تحديات وأهداف المحافظ الجديد: يواجه ناجي عيسى تحديات كبيرة تشمل إصلاح الأعطاب السابقة، توفير السيولة النقدية، وإعادة ربط علاقة المصرف بالمنظومة الدولية.
- الصراع المستمر وتأثيره على المصرف: رغم التعيينات الجديدة، يستمر الصراع السياسي، مما يضيف تحديات إضافية لإعادة الثقة للدينار الليبي والمصرف المركزي.
نجح مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي ونائب له، وسط ترحيب محلي ودولي، فكيف يمكن للمحافظ الجديد وإدارته المنتظرة إعادة الحياة للمؤسسة المصرفية الرئيسية في البلاد التي تعد شريان حياة الاقتصاد الليبي.
وبنصاب لم يتحقق منذ أشهر طويلة صوت مجلس النواب، خلال جلسة رسمية عقدها أول من أمس في بنغازي، على اعتماد اتفاق تسوية أزمة المصرف المركزي الذي وقعه ممثلو مجلسي النواب والدولة، الخميس الماضي برعاية البعثة الأممية، كما وقع أغلبية أعضاء المجلس الأعلى للدولة بالموافقة على اعتماد الاتفاق.
ويقضي الاتفاق بتعيين ناجي عيسى محافظا جديدا للمصرف، ومرعي البرعصي نائبا له، فيما يتعين على عيسى تشكيل مجلس إدارة المصرف في غضون عشرة أيام من تاريخ اعتماد الاتفاق.
وعيسى هو مصرفي ليبي منذ أزيد من ثلاثين سنة، تولى العديد من المناصب والمهام في مسيرته المهنية إذ كان أخيراً مديراً لإدارتي الدراسات والرقابة على النقد بالمصرف المركزي في عهد المحافظ السابق الصديق الكبير.
أما البرعصي فهو مصرفي مقرب من معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر سبق أن سماه مجلس النواب عضوا في اللجنة المالية العليا التي شكلها المجلس الرئاسي، في يوليو/ تموز 2023، قبل أن يعينه في ديسمبر/ كانون الأول من ذات العام نائبا للكبير الذي بدأت وقتها علاقاته تتحسن مع مجلس النواب.
ولم يحدد مجلسا النواب والدولة موعد تسلم عيسى والبرعصي مهامهما، كما لم يصدر عنهما حتى الآن أي موقف رسمي، في الوقت الذي أصدر فيه المحافظ المعين من المجلس الرئاسي عبد الفتاح عبد الغفار، قرارا بالتزامن مع تعيين عيسى يقضي بإلغاء تنفيذ قرار مجلس النواب بشأن زيادة الضريبة على بيع النقد الأجنبي الذي سبق أن أصدره مجلس النواب في مارس/ آذار الماضي. لكن ووفق مصادر ليبية فقد حلف عيسى والبرعصي أمس الثلاثاء اليمين القانونية أمام مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح.
وإثر قرار مجلسي النواب والدولة باعتماد اتفاق تسوية أزمة المصرف، أعلنت البعثة الأممية والسفارة الأميركية لدى ليبيا ترحيبهما بالقرار، كما دعتا جميع الأطراف الليبية إلى سحب قراراتها ذات الصبغة الأحادية التي صدرت في سياق أزمة المصرف الأسابيع الماضية، بالإضافة لضرورة إنهاء الإغلاق النفطي الذي صدر عن مجلس النواب وحكومته في الشرق، والبدء في توجيه الإيرادات النفطية عبر إطارها المؤسسي المناسب إلى المصرف المركزي.
وفي الداخل، أشاد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بقرار مجلسي النواب والدولة، واعتبره خطوة في طريق تصحيح الوضع بالمصرف المركزي، أما المجلس الرئاسي فقد أضاف إلى ترحيبه بقرار المجلسين ترحيباً آخر بقرار إلغاء تنفيذ قرار مجلس النواب بشأن زيادة الضريبة على بيع النقد الأجنبي "التي فرضت لتغطية العجز الناتج عن ممارسات لم يكن الليبيون مسؤولين عنها" مذكراً المجلسين بأن اتفاقهما هذا "تأخر ما يقارب العشر سنوات" في إشارة إلى عجزهما عن التوافق في حسم ملف المناصب السيادية، بما فيها منصب محافظ المصرف المركزي.
تحريك المياه الراكدة
إن يحسب للمجلس الرئاسي من إنجاز خلال مسار أزمة المصرف المركزي سيكون تحريكه للمياه السياسية الراكدة منذ سنوات والمتصلة بالشأن الاقتصادي، إذ أجبر مجلس النواب على التوافق مع مجلس الدولة لتغيير المحافظ والضغط في اتجاه تشكيل إدارة للمصرف، حسب الخبير المالي والمصرفي المتقاعد، عيسى خير الله، الذي اعتبر أن فترة المحافظ الصديق الكبير "كانت سيئة بانفراده بالقرار دون وجود مجلس يشاركه في إصدار القرارات المصرفية، وهذا الانفراد جعل الكبير يتجاوب مع مطالب السياسة وصراعاتها وانتهى بالمصرف إلى طرف في ساحة الصراعات".
ويذكر خير الله في حديثه لـ"العربي الجديد" أن أزمة المصرف "ليست جديدة، فقد حدثت منذ أن انفرد الصديق الكبير بقراره وانحاز في كل مرحلة إلى طرف من أطراف الصراع خاصة في حالات الاقتتال والحروب، فدخل النفط وهو المورد الرئيسي للبلاد في ساحات المساومات عندما تم قفله أكثر من مرة في حالة عدم تلبية الكبير الطرف المتحكم بمواقع إنتاج النفط ومؤسسات تصديره"، مشيراً إلى أن الأزمة بدأت من تلك المرحلة.
يضيف خير الله قائلاً: "الآن، كلف محافظ جديد وسيشكل إدارة للمصرف، لكن ماذا يمكن للمحافظ والإدارة أن ينجزا من جديد لإنقاذ اقتصاد البلاد سوى أنهما سيقضيان سنوات لإصلاح الأعطاب التي تسببت فيها المراحل السابقة، وعلى الأقل إصلاح ما يتماس مع معاش المواطن بشكل أساسي مثل توفير السيولة النقدية وإعادة ربط علاقة المصرف بالمنظومة الدولية حتى يتسنى له تنفيذ الاعتمادات البنكية للتجار لتوريد البضائع الأساسية".
الصراع متواصل
في المقابل، يرى الباحث في الشأن الليبي العام أشرف الطويل أن الصراع لم ينته واتفاق تسوية الأزمة كغيره من الاتفاقات التي ستصطدم بمصالح قادة أطراف الصراع.
ويلفت الطويل في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى بيان المجلس الرئاسي المرحب بقرار مجلسي النواب والدولة، لكنه في ذات الوقت يشير بوضوح إلى وقوفه وراء قرار المحافظ المكلف منه الذي صدر بالتزامن مع قرار مجلس النواب بشأن إلغاء قرار رفع رسم ضريبة بيع النقد الأجنبي.
ويرى الطويل أن قرار إلغاء الضريبة "مناكفة جديدة ليظل المجلس الرئاسي في مشهد الأزمة بعد أن شعر بأنه استبعد من الاتفاق على تعيين المحافظ الجديد، وعليه فالقرار سيدخل المحافظ الجديد وإدارته في دوامة أخرى، وباعتقادي أن المصرف سيدخل نفقا جديدا ستكون نهايته لصالح المواطن واقتصاد البلاد أو سيفضي لإنهاء المصرف المركزي بالكامل".
ويوضح الطويل ذلك بأن قرار رفع نسبة الضريبة على بيع النقد الأجنبي جاء لتغطية عجز كبير في الإيرادات، كما يصرح بذلك المحافظ السابق الصديق الكبير، وبدلا من معالجة مصدر الإيرادات وتتبع أموالها أين تنفق تم اللجوء إلى رفع الضريبة التي يدفعها التجار من جيوب المواطنين، فما سيدفعه التاجر في شراء النقد الأجنبي لشراء الخدمات من الخارج سيضيفه إلى أسعارها عند بيعها للمواطن.
والسبب برأي الطويل أن مصادر الإيرادات كل منها تقع في قبضة جهة من جهات أطراف الصراع، ومنها قطاع الاتصالات الذي يورد مليارات سنويا لكن الحكومة في طرابلس تسيطر عليه، ومصلحة الجمارك كذلك، وقطاع النفط الذي يقع في قبضة خليفة حفتر، وموارد بيع المحروقات التي إن كشف عن مصيرها ستنكشف معها العديد من الجهات المتورطة في تهريب الوقود إلى الخارج.
ويؤكد الطويل أن "حجر الزاوية في عمل المصرف في عهد المحافظ الجديد سيكون حفتر الذي يمسك بقرار النفط، فهو المورد الأساسي للمصرف، ويبدو أن لحفتر حساباته، ولذا سيواجه المحافظ الجديد تحدي إعادة الثقة للدينار، والثقة الدولية المصرفية في المصرف المركزي وغيرها من المعالجات اللازمة التي لا بد لحفتر أن يكون عاملاً أساسياً فيها".
وأشار إلى أن الصراع لم ينته حتى الآن بين أطراف الأزمة، المجلس الرئاسي والحكومة من طرف، ومجلس النواب وحفتر من طرف.