هل يتحمل الاقتصاد الإيراني ثمن حرب مع إسرائيل؟

03 أكتوبر 2024
عامل إيراني خارج مقهى في وسط مدينة طهران، 1 أكتوبر 2024 (مورتيزا نيكوبازل/ Getty)
+ الخط -

هل يستطيع الاقتصاد الإيراني تحمل تبعات حرب مع إسرائيل، وهو الذي كان يعاني أصلاً من جموح التضخم والبطالة وانهيار العملة الوطنية؟ سؤال طرحه المحرر المتخصص في التجارة العالمية والسياسة النقدية والعولمة، أندرياس بيكر، لخدمة "دويتشه فيله" (DW) الألمانية اليوم الأربعاء، وحاول الإجابة عنه من خلال معطيات عدة.

وقد أدى التصعيد السريع للتوترات بين إيران وإسرائيل، الذي تصاعد عندما أطلقت طهران وابلاً من 180 صاروخاً على الأقل على إسرائيل في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية بنحو 5%، وهو أعلى مستوى لها في عام. ثم ارتفعت أسعار خام برنت مرة أخرى في اليوم التالي لتتجاوز 75 دولاراً للبرميل، بعد أن تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرد، ما زاد من خطر التصعيد المتبادل في منطقة مسؤولة عن ثلث إمدادات النفط العالمية.

ونقل الكاتب عن شركة "كابيتال إيكونوميكس" المتخصصة في توفير البيانات، في مذكرة إلى المستثمرين في يوم الهجوم، أن التصعيد الكبير من جانب إيران يهدد بجلب الولايات المتحدة إلى الصراع، ما يؤثر في أسعار النفط التي ستظل "القناة الرئيسية لنقل النفط إلى الاقتصاد العالمي"، مشيرة إلى أن "إيران تمثل نحو 4% من إنتاج النفط العالمي، لكن الاعتبار المهم سيكون ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستزيد الإنتاج إذا تعطلت الإمدادات الإيرانية". وتضيف الزيادة بنسبة 5% في أسعار النفط نحو 0.1% إلى التضخم الرئيسي في الاقتصادات المتقدمة.

وبحسب الكاتب، يقول محللون وتجار آخرون إن السوق لم تسعر بالكامل خطر الهجوم على المنشآت النفطية الإيرانية، أو فكرة أن طهران قد تحاول إغلاق مضيق هرمز، وهو الأمر الذي هددت به عدة مرات دون أن تفعل ذلك بالفعل، علماً أن الممر المائي الضيق عند مصبّ الخليج الفارسي يتعامل مع نحو 30% من تجارة النفط العالمية.

وفي هذا الصدد، يقول كبير الاقتصاديين في شركة ترافيغورا غروب الموردة للسلع الأساسية، سعد رحيم، إنه لا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن أن يتفاقم الوضع، بخاصة في ما يتعلق برد الفعل الإسرائيلي المرتقب ورد الفعل المضاد من إيران، وما إذا كان لاعبون آخرون سيباشرون التدخل، كما ورد في مقابلة له مع تلفزيون بلومبيرغ.

النفط يحافظ على بقاء الاقتصاد الإيراني صامداً

هذا وتُعد صادرات النفط مصدراً أساسياً للإيرادات بالنسبة إلى إيران. ورغم العقوبات الأميركية على صناعة النفط، تواصل إيران بيع النفط في الخارج، بخاصة إلى الصين. وفي مارس/ آذار الماضي، قال وزير النفط جواد أوجي إن صادرات النفط "عادت على الدولة بأكثر من 35 مليار دولار" عام 2023. ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" عنه قوله إنه "فيما أراد أعداء إيران وقف صادراتها، اليوم، يمكننا تصدير النفط إلى أي مكان نريده، وباقتطاعات ضئيلة".

طهران قد تحاول إغلاق مضيق هرمز وهو الأمر الذي هددت به عدة مرات دون أن تفعل ذلك بالفعل، علماً أن الممر المائي الضيق عند مصب الخليج الفارسي يتعامل مع نحو 30% من تجارة النفط العالمية

وبين يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار 2024، أفادت وكالة الأبحاث المتخصصة بقطاع الطاقة "فورتيكسا" بزيادة أخرى، وقدرت أن متوسط مبيعات إيران بلغ 1.56 مليون برميل يومياً، مشيرة إلى أن "زيادة إنتاجها من النفط الخام، وارتفاع الطلب من الصين، وزيادة صافية في حجم أسطولها المظلم ساعدت في تسهيل زيادة صادراتها"، كما ورد في تقرير لفورتيكسا في يونيو/ حزيران الماضي.

ويشير مصطلحا "الأسطول المظلم" أو "أسطول الظل" إلى السفن المقنعة التي تهرب النفط، وبالتالي تتحايل على العقوبات. ووفقاً لمنظمة "يونايتد أغينست نيوكلير إيران" غير الربحية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، فإن أسطول الظل الإيراني يتكون من 383 سفينة على الأقل.

ووفقاً لمحطة تلفزيون إيران الدولية المعارضة التي تتخذ من لندن مقراً لها، يبيع النظام نفطه باقتطاع 20% من سعر السوق العالمي، تعويضاً عن المخاطر التي يواجهها المشترون بسبب العقوبات. وأفادت أخيراً بأن "المصافي الصينية هي المشتري الرئيسي لشحنات النفط غير المشروعة الإيرانية التي يخلطها الوسطاء بشحنات من دول أخرى ويفرغونها في الصين باعتبارها واردات من سنغافورة وغيرها من المصادر".

التضخم والعملة يثقلان كاهل الاقتصاد الإيراني

لا تستهدف العقوبات صناعة النفط الإيرانية فحسب، بل تؤثر أيضاً في قدرة طهران على إجراء المعاملات المالية الدولية، ما أدى إلى انخفاض حاد في الريال الإيراني. واليوم، يدفع الإيرانيون نحو 580 ألف ريال في السوق السوداء مقابل الدولار الواحد، علماً أنه بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، كان الدولار يساوي 32 ألف ريال.

ورغم استقرار عائدات النفط في السنوات الأخيرة، فإن إيران بعيدة كثيراً عن كونها قوة اقتصادية. إذ يبلغ عدد سكانها نحو 88 مليون نسمة، أي قرابة 10 أضعاف عدد سكان عدوتها إسرائيل. لكن في عام 2023، بلغ الناتج الاقتصادي لإيران 403 مليارات دولار، وهو أقل بكثير من الناتج الاقتصادي الإسرائيلي البالغ 509 مليارات.

يبيع النظام نفطه بخصم 20% من سعر السوق العالمي، كتعويض عن المخاطر التي يواجهها المشترون بسبب العقوبات

تصبح هذه الاختلافات أوضح عند مقارنة القيمة الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة سنوياً. وفي العام الماضي، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد الإيراني 4663 دولاراً، بينما بلغ في إسرائيل 52219 دولاراً، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

انتشار الفساد والمحسوبية في إيران

إلى ذلك، تدهور الوضع الاقتصادي بشكل ملحوظ بالنسبة إلى الطبقة الوسطى في إيران. وحول هذه النقطة، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، جواد صالحي أصفهاني، لـ"دويتشه فيله": "لقد عاد مستوى المعيشة إلى ما كان عليه قبل 20 عاماً بسبب العقوبات". وفي الوقت نفسه، يُقال إن قدراً كبيراً من دخل الاقتصاد الإيراني يختفي في الهياكل الغامضة للحكومة. ويصنف مؤشر مدركات الفساد الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية إيران في المرتبة الـ 149 من بين 180 دولة.

في غضون ذلك، تحاول الحكومة، بحسب محرر "دويتشه فيله"، شراء السلام الاجتماعي من خلال دعم المواد الأساسية مثل الغذاء والبنزين، فيما تندلع الاحتجاجات غالباً بسبب ارتفاع الأسعار أو الحجاب الإلزامي للنساء. أما الحرب مع إسرائيل، فمن شأنها أن تشكل ضغطاً اقتصادياً هائلاً على إيران، ما قد يجبر الحكومة على خفض الإنفاق في بنود أخرى بالموازنة العامة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الغضب الشعبي.

المساهمون