لم تمر "قنبلة" نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، سعادة الشامي، بيسر وسهولة، سواء كانت احتمالية الإفلاس واقعاً ينتظر إعلانه، أو تهديداً لضبط الأداء وتقليل الفساد، ببلد يصفه أهله بالمنهوب منذ سنوات.
ويفرض خطر الإفلاس أو ملامحه إعادة هيكلة وترتيب لعلاقات جوار لبنان، وبمقدمتها سورية، التي ستتأثر، كما يقول مراقبون، على صعد مختلفة وليس على مستوى "ضياع" إيداعات سوريين تتراكم منذ خمسينيات القرن الماضي، للحد الذي قدرها مراقبون بين 40 و60 مليار دولار.
فلبنان الذي يعاني من انكماش اقتصادي بنسبة 51% العام الماضي مقارنة بعام 2019 وتتدحرج فيه الأزمة المالية، ربما لا يسعفه احتياطي الذهب المقدرة قيمته بنحو 17 مليار دولار، بحسب مجلس الذهب العالمي، بل سيضطر إلى مد اليد، إلى المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) للحصول على قروض، ما يعني مزيداً من القيود والشروط التي ستؤدي لكبح الطلب الكلي وربما خصخصة وأعباء، تسميها المؤسسات المقرضة، إصلاحات اقتصادية.
يفرض خطر الإفلاس أو ملامحه إعادة هيكلة وترتيب لعلاقات جوار لبنان، وبمقدمتها سورية، التي ستتأثر، على صعد مختلفة وليس على مستوى "ضياع" إيداعات سوريين
"لبنان لم يفلس، ولم تعلن الدولة أو المصرف المركزي الإفلاس، وكلّ ما في الأمر، هو الإعلان المجتزأ لنائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة اللبنانية، سعادة الشامي، الذي تراجع عنه". هكذا يقول رجل أعمال لبناني لـ"العربي الجديد" فضل عدم ذكر اسمه، شارحاً الوضع الداخلي في لبنان بـ"المختلط": "إذا نظرت إلى الخدمات الحكومية، والمصرفية خصوصاً، تقول إنّ لبنان مفلس، لكن إن نظرت إلى وكالات السيارات المحجوز فيها المبيعات لستة أشهر مقبلة، أو إلى المطاعم المكتظة بالرواد، تقول إنّ لبنان لم يزل بخير".
ويعلل رجل الأعمال ذلك، بأنّ الملايين السبعة (رقم تقديري) الذين يعيشون في لبنان تقابلهم ملايين يعيشون في الخارج ممن يرفدون السوق وأهاليهم بالأموال، مستدركاً أنّ هذا لا يعني أنّ الوضع يمكن أن يستمر، فإن لم تقدم قروض للدولة ولم يعَد النظر بالسياسات وخطط الحكومة، فربما يتم فعلاً الإفلاس.
ويقول الاقتصادي السوري، حسين جميل لـ"العربي الجديد" إنّ تبعات إفلاس لبنان على الاقتصاد السوري متعددة وبمستويات مختلفة، تبدأ من خسائر عائدات تجارة الترانزيت للشاحنات اللبنانية باتجاه العراق والأردن والخليج، وخسارة الرسوم الجمركية على المستوردات السورية من لبنان، وتراجع الصادرات السورية إلى جارتها المقدرة بأكثر من 60 مليون دولار سنوياً، ولن تنتهي الخسائر عند ضياع حصة 10% من الغاز المصري و8% من الكهرباء الأردنية، اللتين كانتا ستمران عبر الأراضي السورية إلى لبنان.
فإفلاس لبنان رسمياً لو حدث سيؤدي إلى عدم القدرة على دفع فاتورة الطاقة لمصر والأردن، ما يعني إرجاء إن لم نقل إلغاء المشروع الذي يتم الاشتغال عليه منذ عامين، مع اقتراب موعد التوريد بعد إعلان سورية جهوزية البنى التحتية لنقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية، حسب جميل.
لم تمنح تطمينات حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، الراحة للمودعين السوريين الذين يعانون منذ عامين، الأمرّين بسحب أقساط بسيطة من أموالهم المتراكمة بالمصارف اللبنانية، فنفي سلامة الإفلاس جاء "خجَلاً" بحسب مراقبين.
الاقتصادي السوري، حسين جميل لـ"العربي الجديد": تبعات إفلاس لبنان على الاقتصاد السوري متعددة وبمستويات مختلفة، تبدأ من خسائر عائدات تجارة الترانزيت
ويقول رجل الأعمال السوري، محمد طيب العلو، لـ"العربي الجديد": يعيش المودعون السوريون بالمصارف اللبنانية، حالة "فقدان الأمل" منذ تقديم النائب إبراهيم كنعان، العام الماضي تقرير "لجنة تقصّي الحقائق" ونسفه ما قيل عن خطط "التعافي المالي الحكومية" ولكن اليوم، بواقع ما يقال عن إفلاس لبنان، ربما تبدد الأمل وخاصة إن تم تحميل المودعين جزءاً من الخسائر.
ويضيف العلو أنّ الوضع المصرفي في لبنان، سواء أعلنوا الإفلاس أو لا، هو سيئ للغاية، ولم يكن بإمكاننا "خلال العامين الماضيين" سحب أكثر من 2500 دولار بالشهر، وفق السعر الرسمي.
وتتباين أرقام إيداعات السوريين بالمصارف اللبنانية، ففي حين قال رئيس النظام، بشار الأسد في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، إنّ ودائع السوريين في المصارف اللبنانية ما بين 20 و42 مليار دولار، قدرت دراسة قدمها "المرصد العمالي للدراسات والبحوث" بدمشق الإيداعات بنحو 45 مليار دولار. وعلق معد الدراسة، رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، علي كنعان، أنّ إيداعات السوريين تزيد على 25.4% من إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية، والبالغة نحو 177 مليار دولار.
لكن مدير مكتب الإحصاء السابق بسورية، شفيق عربش، يرى أن معظم إيداعات السوريين التي قدرها بين 40 و60 مليار دولار، فقدت قيمتها الحقيقية، بسبب إجراءات البنك المركزي اللبناني، خصوصاً عدم السماح بسحب الإيداعات بغير العملة المحلية اللبنانية.