تطرق وزير الكهرباء العراقي، زياد علي فاضل، في مقابلة مع "العربي الجديد" إلى مشاريع وزارته الساعية لإنهاء أزمة الكهرباء، مشيراً إلى استمرار استيراد الغاز الإيراني.
وكشف كذلك عن آخر ما توصلت إليه مفاوضات توريد الغاز من تركمانستان وقطر. وفيما يلي نص الحوار:
- نبدأ من ملف إنتاج الكهرباء، ما كميته الحالية؟ وكم يبلغ حجم الفجوة لتغطية الطلب الكلي، وما الذي قدمتموه لمعالجتها؟
أعددنا خططاً لحل ملف أزمة الكهرباء الشائكة في العراق الذي استمرت معه معاناة المواطنين طوال عقود، ركزنا على ثلاثة محاور أساسية هي: محطات الإنتاج وشبكات النقل وشبكات التوزيع، كمنظومة واحدة، ضمن خطة تمتد لثلاث سنوات؛ لأن أي تلكؤ بواحدة من هذه القطاعات سينعكس على البقية.
في جانب الإنتاج مضينا في توجهين؛ الأول رفع الإنتاج، وتمكنا من زيادته إلى 26 ألف ميغاواط ضمن مسعانا لتقليل الفجوة مع حجم الطلب الكلي البالغ 40 ألف ميغاواط، وهذه الفجوة تبلغ حالياً نحو 14 ألف ميغاواط من الطاقة الإضافية المطلوب إنتاجها.
الزيادة تحققت بفضل مشروع منظومات التبريد الذي أضاف 800 ميغاواط وكذلك تنفيذ برنامج صيانة شامل ما أسهم برفع معدلات الإنتاج أولا إلى 21 ألف ميغاواط ثم 24 ألف ميغاواط، وصولاً إلى تسجيل أعلى حمل بطاقة 26 ألف ميغاواط. وخطتنا الحالية بزيادة الإنتاج تسير باتجاهين الأول يقضي برفع كفاءة الوحدات الإنتاجية العاملة لإيصالها لأعلى طاقة إنتاجية ممكنة فيها ومتوقع إضافة 800 ميغاواط للصيف المقبل، والاتجاه الثاني المضي بمشاريع الدورات المركبة لتوفير 4 آلاف ميغاواط جديدة لا تحتاج إلى وقود أو كلف تشغيلية إضافية، بل تولد الطاقة فيها عبر الحرارة المنتجة من وحداتنا العاملة ذاتها، وهذه المشاريع تنفذ حالياً بعقود مع مجموعة من الشركات، ومن ضمنها أميركية وصينية، في السابق كان اعتمادنا على إنشاء محطات تعمل بالغاز والوقود حصراً يكلفنا قيمة وقود تصل إلى 4 مليارات دولار سنوياً.
كذلك، تمضي الوزارة بإنشاء محطات حرارية جديدة بما هو متوفر محلياً من وقود، ومن بين مشاريعها إنشاء 3 محطات في محافظات نينوى والأنبار والقادسية بطاقة 700 ميغاواط لكل منها، وكذلك الاتفاق مع مستثمرين على إنشاء محطات استثمارية تبيع الطاقة للدولة حالياً. هذه الصيغة حدثت فيها إشكالات في ما مضى؛ لأن العقود السابقة كانت تلزم الدولة بدفع تكاليف مستمرة حتى وإن توقفت تلك المحطات عن الإنتاج تحت أي ظرف ومضينا بتوقيع عقود جديدة لإزالة أي إشكالات.
وهذه المشاريع والخطط مجتمعة من الممكن أن توفر 11 ألف ميغاواط إضافية للمنظومة الوطنية لتقليل الفجوة البالغة 14 ألف ميغاواط وهي تحتاج من سنتين ونصف إلى 3 سنوات لتوفير الطاقة المطلوبة.
- كيف سينعكس إقرار موازنة مالية لثلاث سنوات في العراق، على عمل الوزارة لتحقيق الأهداف التي تحدثتم عنها؟
إحدى أكبر المشاكل التي كانت تمر بها وزارة الكهرباء وباقي الوزارات في العراق هي توقف المشاريع إلى حين إقرار الموازنة، والذي يتأخر أشهراً تتجاوز نصف عام وأحياناً ما بين 8 و9 أشهر في سنوات خلت، وهذا أثر كثيراً على مواعيد انتهاء المشاريع التي يفترض أن تكتمل بمواعيد من سنتين إلى ثلاث، لأنه يضيف أشهراً إلى حجم التأخير في إقرار الموازنة، ومن هنا تأتي أهمية الموازنة الثلاثية لأنها ستوفر التمويل اللازم من دون تعطيل لمدة 3 سنوات.
- ما الجدوى والأهمية التي سيضيفها توقيع العراق عقوداً مع شركتي سيمنز الألمانية وجنرال إلكتريك الأميركية؟
%50 من وحداتنا العاملة من تنفيذ شركة جنرال إلكتريك الأميركية و30 من شركة سيمنز الألمانية و20% لشركات صينية وأيضاً شركات استثمارية متنوعة، لذلك جاءت العقود مع هاتين الشركتين، وتضمنت اتفاقاً لمدة 5 سنوات يقضي بتوفير قطع ومعدات ومستلزمات صيانة المحطات التي أقامتها الشركتان في العراق خلال الأعوام الماضية، وهي دخلت حيز التنفيذ عبر الشروع بخطة صيانة المحطات لصيف العام 2024، إذ بدأ تصنيع المواد التي ستدخل بتأهيل محطاتنا، قيمة العقود مع سيمنز تصل إلى 1.6 مليار دولار ومع جنرال إلكتريك 3.9 مليارات دولار، وهذه العقود ستوفر 30% من كلف الصيانة الحالية.
- ما الذي فعلتموه لحل مشكلة تعثر تدفقات الغاز المستورد، وماذا عن مشاريع الطاقة البديلة؟
الغاز من أهم مصادر الوقود لتشغيل المحطات وأقلها تكلفة وإنهاكاً للمحطات ذاتها وأكثرها جدوى، إذ يعطي طاقة تشغيلية أعلى وهو أقل ضرراً بالبيئة. عمدنا إلى تطبيق خطة لتقليل الاعتماد على الغاز المستورد من خلال إكمال وتفعيل خطوط الربط مع دول الجوار، لدينا عقود موقعة مع هيئة الربط الخليجي وهي قيد التنفيذ ومع الجانب السعودي ونحن الآن في طور إعداد الكلف التخمينية، وستوفر 900 ميغاواط، وكذلك أُنْجِز الربط مع الأردن، ونفاوض الجانب التركي أيضاً، والنقاش حالياً حول التعرفة المطلوبة.
الجانب الثاني من الخطة تضمن إنجاز 3 عقود لتوليد الطاقة الشمسية، الأول مع شركة توتال الفرنسية بطاقة 1000 ميغاواط، ومع شركة باور جاينا الصينية بطاقة 750 ميغاواط، ومع مجموعة البلال بطاقة 525 ميغاواط، ونتوقع إكمالها في العام 2025.
كذلك، ستقلل مشاريع الطاقة المركبة والطاقة الشمسية، مع تأهيل المحطات الحالية ورفع كفاءتها، من الكلف التشغيلية بحدود 7 مليارات دولار سنوياً.
- الاتفاق على استبدال الغاز الإيراني بالنفط الأسود العراقي لإنهاء مشكلة قلة التدفقات، هل يجري بانسيابية، ومن دون تعثر أو توقفات؟
في الواقع، الحاجة إلى الغاز ما زالت مستمرة بسبب حاجة المحطات الغازية التي تولد بحدود من 7-8 آلاف ميغاواط، هذه الحاجة جاءت بسبب تأخر خطة وزارة النفط سابقاً في إقامة مشاريع استثمار الغاز العراقي ولمسنا في الوزارة الحالية جدية لإقامتها، وهنالك من يتساءل لماذا أقام العراق محطات غازية، نفذناها بعد تأكيد وزارة النفط أن حاجتها من الغاز ستتحقق خلال سنوات وهو ما لم يكن، وكذلك لتنويع مصادر الطاقة لتلبية الحاجة المحلية.
وبالنسبة إلى الاتفاق مع إيران، فإنه تم بسبب تعثر الدفوعات المالية من المصرف العراقي للتجارة نتيجة العقوبات الأميركية التي تسببت بإطالة عمليات التدقيق، وتراكمت الديون لتصل إلى 11 مليار دولار، وجاء الاتفاق لتجاوز هذا التعثر وضمان استمرار تدفقات الغاز، وقضى بأن يسدد العراق المستحقات بكميات من فائض النفط الأسود.
وهذا الإجراء ليس جديداً فوزارة النفط تسدد منذ سنوات مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في الحقول بالآلية ذاتها، والجانب الإيراني الآن مستمر بدفق الغاز من دون تعثر وبمعدل 40 مليون متر مكعب يومياً، فيما تبلغ الحاجة الكلية 55 مليون متر مكعب.
- بعد هذا الاتفاق هل اكتفت الحكومة بالغاز القادم من إيران، أم ذهبت إلى دول أخرى لتنويع المصادر؟
نعم ذهبت الحكومة باتجاهين الأول نحو تركمانستان، وتم مؤخرا توقيع مذكرة تفاهم معها لتزويد العراق بـ 25 مليون متر مكعب يومياً من الغاز وبسبب البعد الجغرافي سيكون نقل الغاز عبر الأنابيب الإيرانية لعدم وجود شبكة أنابيب مباشرة بين العراق وتركمانستان، ونحن الآن في طور تحديد الكلف وفق المعادلات السعرية العالمية، ومن ثم ستكون هنالك اتفاقية تبادل مع إيران تتزود من خلاله بالغاز من تركمانستان، وتمنح العراق الكميات ذاتها عبر الأنابيب المشتركة معنا مقابل أجور بسيطة متفق عليها، وهذه الكميات لا علاقة لها بـ 40 مليون متر مكعب التي تصلنا من هناك بموجب اتفاق مقايضة النفط الأسود العراقي بالغاز الإيراني.
الاتجاه الثاني نحو دولة قطر الشقيقة، وقد تفاوضنا على تصدير الغاز السائل إلى العراق عن طريق السفن، مروراً بالخليج العربي بسبب عدم وجود أنابيب مشتركة، مع إنشاء منصة لاستقبال الغاز وضخه بالمنظومة الوطنية العراقية، وحتى الآن لم تتحدد الكميات ولا الكلف ولا موعد بدء التصدير، وهنالك مناقشات أولية تشير إلى أن البدء بهذا المشروع قد يطول حتى العام 2026 بسبب عقود الغاز التي التزمت بها قطر مع دول أخرى إلى حين يأتي دور العراق والبدء بإرسال الغاز.
- وماذا عن جولات تراخيص استثمار الغاز المصاحب التي أطلقت في العام الجاري وكم ستوفر؟
استثمار الغاز المصاحب أحد المضامين الأساسية في البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وعلى أساس ذلك أُطْلِق ملحق جولة التراخيص الخامسة، ونتأمل أن تساهم بتغطية الحاجة المحلية لتوليد الطاقة وتقليل الحاجة إلى الاستيراد ونتوقع أن توفر من 8 إلى 10 مليارات دولار سنوياً لميزانية الدولة بعد اكتمالها، وبموجب هذه الجولات نتوقع أن يبدأ استثمار الغاز بتوليد الكهرباء خلال 5 سنوات.
- ما حجم تأثير انحسار تدفقات المياه بدجلة والفرات على طاقات المحطات الكهرومائية؟
حجم الطاقة الممكن توليدها من تلك المحطات يصل إلى 1300 ميغاواط يومياً وبسبب انحسار التدفقات تقلص إلى 200 ميغاواط فقط، وهذا يفسر كذلك عدم توسع الوزارة نحو إقامة محطات كهرمائية جديدة؛ لأن تدفقات المياه غير مشجعة.
- عدم تنظيم جباية أجور الكهرباء ما حجم تأثيره؟ وما الذي تتأملونه من مشروع التحول الذكي؟
حقيقةً، تأثير هذا الموضوع كبير؛ بسبب حجم الهدر الكبير، سواء كان الإشغال سكنياً أو تجارياً وأُعِدَّت خطة من شقين الأولى تتعلق بالمناطق ذات الاستهلاك العالي لتنظيم عملية الجباية، والشق الثاني ينص على نصب مقاييس إلكترونية وعدادات ذكية في 10 مناطق مُنتخبة 4 منها في بغداد، وسيبدأ خلال الشهر الجاري، بواقع 500 ألف مشترك، وتصدر الفواتير إلكترونياً عبر تطبيق خاص ما يقلل حجم الفساد، ونتوقع أن يضيف واردات مالية كبيرة للغاية.