لا يتوقف الحيتان وقناصو الأموال والصفقات حول العالم عن اختراع حيل وأدوات استثمارية خادعة جديدة لكسب مزيد من الأموال والأرباح، بل ونهب مليارات الدولارات من البسطاء حتى ولو جاء ذلك عبر إيقاع صغار المستثمرين والمدخرين في عمليات خداع وشراك الطمع وأوهام الأرباح السريعة، أو تكبيد هؤلاء خسائر فادحة بعد أن تقع الفأس في الرأس، ويحول الكبار، صغار المستثمرين والطامحين إلى الربح السريع إلى حطب سهل ووقود لنيران صفقاتهم ورهوناتهم ومقامراتهم.
وبعد أن حقق الحيتان أموالا طائلة ومليارات الدولارات السهلة من الاستثمار في العملات الرقمية عالية المخاطر، سارعوا إلى اختراع نوع جديد من الاستثمار ليكون ساحة المضاربة المقبلة والحطب الذي تشتعل به المضاربات المستقبلية.
جديد مضاربات الكبار هو الاستثمار في الأصول والمقتنيات والمنتجات الرقمية، أو ما يعرف بـ "إن إف تي" Non-Fungible Token، ومعناها "الرموز غير القابلة للاستبدال"، وعملاء الاستثمار الجديد هم هواة جمع تلك الأصول، أو مضاربون يحلمون بتحقيق أرباح من خلال إعادة بيع تلك الأصول لاحقاً بسعر أعلى.
حتى يبلع صغار المستثمرين الطعم، فإن الحيتان يقومون بعملية تسخين للأسعار، يبرمون عدة صفقات بمبالغ ضخمة
وحتى يبلع صغار المستثمرين الطعم، فإن الحيتان يقومون بعملية تسخين للأسعار، يبرمون عدة صفقات بمبالغ ضخمة، يشترون تغريدة أو لوحة فنية أو صورة أو مقطع فيديو قصيرا أو عقود أراض بملايين الدولارات. رأينا صفقة شراء أول تغريدة لمؤسس "تويتر" جاك دورسي مقابل 2.9 مليون دولار. كما اشترى مستثمر صورة فوتوغرافية لمصور آسيوي هاوٍ بعشرات الآلاف من الدولارات.
ومع اقتحام المليارديرات هذا النوع من الاستثمار وتدافع المستثمرين نحو الاستثمار في الأصول الرقمية، وجدنا زخماً قوياً في سوق الفنون المعاصرة والثقافة بفضل تقنية "إن أف تي"، إذ كل يوم، يتم بيع الآلاف من الأعمال الفنية الخاصة كما هو الحال مع الأعمال التقليدية التي تباع بمزاد كريستي أو سوثبيز العلني الشهير، ونشطت معها الصفقات في عالم المزادات.
وأعطى كبار المستثمرين زخماً لهذا النوع من الاستثمار عن طريق عدة وسائل منها تسريب أخبار ومعلومات مفادها أن هناك صفقات ضخمة تتم كل يوم، وأن كبار الساسة ورجال الأعمال باتوا أكثر المستثمرين في الأصول الرقمية، منها مثلا الإعلان عن بيع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وزوجته ميلانيا 10 آلاف منتج "إن إف تي" NFT رقمي، تظهر لحظات مميزة طبعت ولايته، وهنا يتكرر سيناريو العملات الرقمية حينما تم الإعلان عن اقتحام كبار المليارديرات مثل إيلون ماسك هذه السوق، واستثمار شركة تسلا عملاق صناعة السيارات في العالم عدة مليارات من الدولارات بها، وهو ما أشعل الأسعار لدرجة أن عملة مثل بيتكوين تجاوز سعرها 69 ألف دولار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبعدها تكبد صغار المستثمرين خسائر فادحة حينما باع الكبار ما في حوزتهم وبعدها هوى السعر لأقل من 20 ألف دولار هذه الأيام.
أعطى كبار المستثمرين زخماً لهذا النوع من الاستثمار عن طريق عدة وسائل منها تسريب أخبار ومعلومات مفادها أن هناك صفقات ضخمة تتم كل يوم
ورغم محاولات قناصي الصفقات إنعاش بزنس الأصول الرقمية لتحقيق مليارات الدولارات على غرار ما حدث مع العملات المشفرة والأصول الرقمية، الا أن الأسواق باتت تتعامل بتحفظ مع تلك لنوعية من الاستثمارات رغم صغر عمرها، وهو ما أدى الى تدهور حجم الأموال التي يتم ضخ استثمارات بها، والدليل على ذلك ما حدث مع التغريدة الأولى لأحد مؤسسي "تويتر" جاك دورسي التي تدهور سعرها عندما تم بيعها بآلية "إن إف تي"، فرجل الأعمال سينا إستافي الذي اشترى شهادة أصل للتغريدة مقابل 2.9 مليون دولار في مارس 2021، أعاد طرحها في 7 إبريل/نيسان في مزاد، آملاً أن تحقق 48 مليون دولار، لكن أفضل عرض تلقاه لم يتعدَ 20 ألف دولار.
الاستثمار في الأصول الرقمية خطر كما هو الحال مع العملات الرقمية، وهو ما دعا مليارديراً بحجم مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس إلى مهاجمة هذا النوع من الاستثمار، ووصف ظاهرة العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال NFTs بأنها أشياء تستند بنسبة 100% إلى نظرية خداع كبيرة.