"اللاجئون السوريون يخربون موازناتنا عبر الإنفاق الاضافي، يزيدون من أعداد الفقراء، يرفعون أسعار المسكن، ينافسون أصحاب الدخل المحدود على فرص العمل القليلة، يساهمون في زيادة التضخم"...
الأردن يحمل هذه العبارات ويهدد بإجراءات "منفردة" في حال لم يتم تمويل الأردن دولياً لمساعدة اللاجئين.
لبنان يزيد على هذه العبارات نكهة عنصرية ويذهب مباشرة الى الهدف، معلناً انه سيقفل حدوده أمام اللاجئين، ويُسقط عمن يستطيع الدخول الى سورية صفة اللاجئ.
وحجّة كلا النظامين لمنع بشر مهدّدين بالموت من اللجوء الى أراضيهما هي: مصلحة فقراء الأردن ولبنان.
فعلياً، فقراء الدولتين يشعرون بالمنافسة، بالغلاء وانخفاض فرص العمل. إلا أن هذه الأزمات كانت موجودة خلال فترة ما قبل انطلاقة الثورة السورية. وبعد انطلاقتها وتدفق اللاجئين، استفحلت هذه الأزمات لا أكثر. وبتعبير أدق، فضحت الثورة السورية، بالإضافة الى هيكل نظام بشار الأسد، ضعف بنية الأنظمة في لبنان والأردن.
المتضررون من النظام الاقتصادي في الأردن نزلوا في تحركاتهم الى الشارع في العام 2011، ورفعوا شعار "ثورة الأردن ضد الغلاء"، ولا تزال تحركاتهم المطلبية ترفع شعارات الإصلاح.
كذلك، يشهد لبنان اعتصامات وإضرابات وتظاهرات شبه يومية، رافضة لتعاطي الحكومات مع حقوقهم العمالية. وفي كلا البلدين، تتجاهل السلطات مطالب الناس، الفقراء منهم تحديداً، الفقراء الذين حولتهم كقميص عثمان ضد اللاجئين السوريين.
ليست الأنظمة غبيّة. تعرف كيف تحافظ على وجودها. تعرف من يهدد هذا الوجود وكيف. الفقراء في الأردن ولبنان الذين جُبلت أحياؤهم وقراهم بفقر اللاجئين السوريين ستزداد مطالبهم. يحتاجون الى حبّة "بانادول" تحوّل غضبهم على الأنظمة إلى غضب على فقراء مثلهم. يحتاجون الى تسهيل اعتراضهم، وبدلاً من الوقوف بوجه الأقوى، أي النظام، يستطيعون مجابهة من هم أضعف منهم، أي اللاجئين... وهذا ما يحصل.
يوم أمس الثلاثاء، ضرب النظام اللبناني بكل مكوناته الحزبية حركة نقابية لم يشهدها هذا البلد منذ أكثر من 10 سنوات. وأعلن النظام بتكاتف بين جميع أحزابه المتناحرة سياسياً، أنه يرفض تصحيح أجور أكثر من 215 ألف موظف وأستاذ وعسكري، كون تمويل هذا التصحيح سيتم من خلال فرض ضرائب على الأثرياء. الأثرياء، الذين أعلنوا عبر رابطتهم "الهيئات الاقتصادية"، أنهم يُطاعون ولا يطيعون، والذين خرج رئيس جمعية التجار من بينهم (وهو وكيل كبير لماركات تجارية عالمية)، ليقول إنه مستعد لمراقبة الامتحانات الرسمية في حال امتنع الأساتذة عن ذلك.
هذا النظام المعادي لحقوق ناسه، لن يتعاطف مع حق اللجوء لمن يلاحقه نظامه بالبراميل المتفجرة. وهذا النظام، لا يأبه بمصالح فقراء لبنان، الذين يعيشون بلا كهرباء ولا ماء ولا ضمان صحي... وإنما ينظر الى هؤلاء كأوراق انتخابية، يقهرهم فيزيدون في تبعيتهم لمكوناته، استجداء لفتات حياة قد تقدمها مساعدة من هنا وتغطية حزبية معنوية من هناك. وهذا النظام يرتعب من اللاجئين، لكونه مركّباً على توازنات مذهبية، ووجود هذا الكم من السوريين، يخلخل بنية هذا التوازن ويخلخل معه أسس تركيبة النظام.
أما الأردن، العائم على سياسات اقتصادية فاشلة، تجعله من أفقر الدول مائياً، ومن بين أكثر الدول احتواء للفقراء والعاطلين من العمل، فهو لا ينظر الى فقرائه كطالبي عيش، وإنما كأفراد يسقطون على الأردن صفة الدولة ويؤمنون استمرارية النظام.
هذا النظام الذي لم يستطع حتى اللحظة تأمين مياه الشفة لسكانه، بالتزامن مع خلق بحار اصطناعية في الصحاري العربية. وهذا النظام الذي يعيش على المساعدات الدولية والقروض العالمية منذ ما قبل الثورة، لن يتوقف لحظة عن تحويل اللاجئ السوري الى رهينة لاستجلاب المزيد من الأموال.
وهذا النظام الذي ألقى القبض على عدد من المتظاهرين ضد الغلاء بحجة "تقويض أمن الدولة" لن ينظر الى الهارب من نظام البطش في سورية إلّا كمقوض لأمن دولته. كما أن هذا النظام الذي ينفذ وصايا صندوق النقد الدولي بحذافيرها ويرفع الدعم عن الكهرباء كما فعل بالمحروقات، ويضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وخصوصاً الفقراء منهم، سيبرر فشله بطبيعة الحال، بوجود اللاجئين على أرضه.
لا شك في أن أعداد اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان تشكل ثقلاً كبيراً على الاقتصاد كما المجتمعات. ولا شك في أن تأثيرات اللجوء أصبحت منظورة. إلا أن أنظمة جعلت من اقتصاداتها واهنة ومرتهنة للتمويل الخارجي والمحلي، وزادت من أعداد الفقراء فيها، تصبح تصريحاتها غير مقنعة بالمرة، حين تتحدث عن اجراءات معادية للاجئين بحجة حماية فقراء هي من أنتجت تعاستهم.