ويصل حجم إنتاج الفلاحين إلى 284 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي يبلغ نحو تريليوني جنيه، وفق آخر الإحصاءات الرسمية.
وبعد مرور عام على تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، ازدادت أوضاع فلاحي مصر سوءاً بسبب القرارات التي أصدرتها الحكومة المصرية.
ومن هذه القرارات، والتي عمقت أزمات الفلاح المصري، إلغاء قرار الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، رفع الديون عن الفلاحين، وارتفاع أسعار الأسمدة، ورفع الدعم عن القطن وفرض غرامات على الفلاحين الذين يزرعون المحاصيل التي لا تريدها الحكومة.
ورغم أن السيسي، طالب الفلاحين، في عيد الفلاح المصري، في سبتمبر/أيلول الماضي، برفع حجم إنتاجهم إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما وصل عدد السكان إلى 90 مليون نسمة، فإن قرارات حكومته تحول دون تحقيق هذه الأهداف، بحسب فلاحين تحدث إليهم "العربي الجديد".
لا إسقاط للديون
رفض وزير الزراعة المصري، أيمن فريد أبو حديد، في مايو/أيار الماضي، قرار الرئيس المصري السابق محمد مرسي إسقاط الديون عن الفلاحين لصالح بنك التنمية والائتمان الزراعي.
القصة تعود إلى سبتمبر/أيلول 2012 عندما أعلن مرسي، في عيد الفلاح، عن تسهيلات للفلاحين، ضمنها قرار بإعفائهم من الغرامات المتراكمة عليهم لصالح البنوك جراء التأخر في سداد الديون.
كما أقر مرسي وقتها إسقاط الديون لمن تقل مديونيته عن 10 آلاف جنيه من المزارعين، سواء المتعثرين أو غيرهم من المنتظمين، قائلا: "نبحث الآن إسقاط الديون التي تزيد عن 10 آلاف جنيه".
واللافت أن وزير الزراعة المصري الحالي كان قد وصف في 18 ديسمبر/كانون الأول 2013 قرارات وقف ملاحقة الفلاحين المتعثرين من بنك التنمية الزراعي، وتأجيل السداد لمدة عام، يتم بعدها إسقاط الديون على 5 سنوات، بـ"الأفضل".
ويصل عدد المزارعين المتعثرين في سداد الديون إلى 73 ألفاً و472 مزارعاً في 20 محافظة.
ارتفاع أسعار الأسمدة
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قررت الحكومة المصرية رفع أسعار الأسمدة إلى 100 جنيه للشيكارة (كيس 50 كيلوغراماً)، ليواجه الفلاح المصري تحديات صعبة في وقت ارتفعت فيه أسعار جميع السلع باستثناء المنتجات الزراعية.
ورأى فلاحون أن هذا القرار كبد الفلاح المصري خسائر لا طاقة له على تحملها.
وقال فريد واصل، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعين، وقتها إن القرار يأتي ضمن عدة قرارات تسعى من خلالها الحكومة إلى تدمير الفلاح والزراعة في مصر.
وفي فبراير/شباط الماضي، أفادت جمعية تجار الأسمدة بأن العجز في سوق الأسمدة حالياً يصل إلى %80.
وأكدت الجمعية أن عدم وجود مخزون استراتيجي للنترات في السوق المحلية يثير المخاوف، منتقدة ارتفاع الأسعار، بشكل كبير، حيث وصلت إلى 3200 جنيه، بزيادة 250 جنيها دفعة واحدة.
جنون الأسعار
تعمقت أزمات الفلاح المصري خلال أول عام للسيسي في الحكم بسبب ارتفاع أسعار المبيدات التقاوي (البذور) بنسب تراوح بين 15 و25% تقريبا.
وأكد فلاحون لـ"العربي الجديد" أن أسعار الأسمدة ارتفعت بأكثر من 25%، ليصل سعر الشيكارة إلى 100 جنيه، على الأقل.
اقرأ أيضاً: 2.7 مليار جنيه ديوناً على المصريين كل يوم
وقال الفلاح عادل محمد إن "الفلاح المصري محاصر الآن ما بين الإنتاج المحدود وارتفاع أسعار الأسمدة والسولار والعمالة، بينما لا ترفع المصرية أسعار المحاصيل الزراعية".
وأضاف: "أسعار العمالة زادت الضعف حتى صارت أقل يومية للعامل 60 جنيها، وعدد ساعات أقل بكثير من السابق، أما أسعار الحرث، فزادت بنسبة 30%، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المعدات الزراعية".
ونبه إلى أن أرباح الفلاح تتراجع بشكل غير مسبوق.
تحذيرات عادل محمد أكدها نقيب الفلاحين بمحافظة القليوبية شمال مصر، عماد كمال، لـ"العربي الجديد"، إذا قال: "حتى ما كانت توفره التعاونيات الزراعية من أسمدة، خاصة أنها المسؤولة عن توفير البذور والأسمدة وغيرها للفلاح بكل محافظات مصر وقراها، لم تعد توفره الآن".
حرق القطن
رفع الدعم عن القطن هو ثالث القرارات الحكومية التي أصابت الزراعة المصرية في مقتل.
ففي يناير/كانون الثاني الماضي، قررت الحكومة المصرية رفع الدعم عن محصول القطن في الموسم الزراعي القادم، وذلك في تحول عن سياسة دامت عقودا لحماية "الذهب الأبيض"، والذي كان يوما من المحاصيل الاستراتيجية للبلاد.
وبررت عادل البلتاجي، وزير الزراعة المصرية، في حينه، هذا القرار، بالقول إن "زراعة القطن المصري، خاصة طويل التيلة مكلفة جدا، ولم يعد هناك إقبال عليه في الأسواق الدولية ولا المحلية".
وبلغت صادرات مصر من القطن في الربع الثاني من العام الماضي نحو 106.5 آلاف قنطار، أي بانخفاض 69.7% عن الفترة نفسها من عام 2013، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
محمد إسماعيل أحد الفلاحين المتضررين من إقدام حكومة بلاده على رفع الدعم عن القطع لم يعد يرى فائدة في زراعة القطن، وهو ما يهدد بانقراض هذه الزراعة التي اشتهرت بها مصر فترات طويلة من الزمن.
واعتبر المركز العربي للدراسات والبحوث رفض الحكومة دعم زراعة القطن انتكاسة جديدة للاقتصاد المصري و"ردة" عن تحقيق العدالة الاجتماعية.
وأشار المركز، في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى أن رفع الدعم عن زراعة القطن سيؤثر بالسلب على إقبال الفلاح المصري على زراعته ، مما له نتائج خطيرة على صناعة النسيج التي تعاني بالأساس من أزمات كبرى.
وخلال 20 عاما، تراجعت المساحة المزروعة بمحصول القطن من نحو 993 ألف فدان عام 1991 إلى نحو 340 ألف فدان في 2011.
كما انخفضت إنتاجيته إلى 1.7 مليون قنطار من 8.9 ملايين قنطار خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات، وفق الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن.
ولا يؤثر رفع الدعم عن القطن على زيادة أسعاره فقط ووقف زراعته، بل سيسهم في ارتفاع أسعار السلع الغذائية، خاصة الصناعات الزيتية، والتي تدخل بذرة القطن في إنتاجها.
سلاح الغرامات
ليس جديدا في مصر فرض غرامات على مخالفي قوانين زراعة الأرز في البلاد، غير أن ارتفاع وتيرة فرض هذه الغرامات وأخبارها طبعت العام الأول من حكم السيسي.
وكانت شعبة الأرز بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية قالت، في وقت سابق، إن فرض غرامات على الفلاحين في حال مخالفة المساحات التي أقرتها الحكومة لزراعة الأرز لن يؤدي إلى القضاء على المخالفات.
وفي المقابل، طالبت الشعبة بوضع حوافز لتشجيع الفلاحين على الالتزام بقرارات الحكومة، كإعادة النظر في السياسة السعرية للمحاصيل الزراعية والمحاصيل الصيفية كقصب السكر والأرز والذرة، مشيرة إلى أن الفلاح يقوم بزراعة السلعة التي تحقق له مكاسب مادية.
اقرأ أيضاً: 6 مشاريع "عملاقة" وهمية في العام الأول للسيسي
ولفت الشعبة أيضاً إلى أن فرض رسوم تصدير عالية القيمة على محصول الأرز لن يثني الفلاح عن زراعته.
ويقدر حجم احتياجات السوق المحلية من الأرز الأبيض بنحو 3.2 ملايين طن سنويا.
ونهاية أبريل/نيسان الماضي، قامت مديرية محافظة القليوبية (شمال) بإزالة جميع مشاتل الأرز في المحافظة، وفرضت غرامات وصلت إلى 600 جنيه لقيراط الأرز، علاوة على 17% مصاريف إدارية إضافية، وهو ما وصف بـ"مذبحة في حق الأرز المصري".
حلم يتبخر
قال محمد برغش، نقيب الفلاحين السابق في مصر، إن الزراعة حلم مصر ومن دونها لا يمكن أن نسد فجوة الجوع، مطالباً بحل جميع مشاكل المزارعين بشكل سريع.
وأضاف: "الحكومة الحالية ليس لديها حلول ولا منهج علمي في مجال الزراعة، وما يتبعها من مؤسسات"، مؤكداً أن حكومة بلاده "لم تقدر طموح الفلاح المصري، ولم تطور متطلبات الزراعة المصرية التي تئن من كثرة مشاكلها".
ولفت برغش أن "المسؤولين عن كل ما يمس الفلاح المصري أمام أمرين؛ إما أن يتركوا مكانهم لغيرها ليعمل أو أن يتطوروا بسرعة للارتقاء بأوضاع الفلاح".
وخلص إلى أن "الفلاح المصري كان قبل أربع سنوات أحسن حالاً مما هو عليه".
واتهم عماد كمال نقيب الفلاحين بالقليوبية التعاونيات الزراعية بالفساد وعدم الوفاء بالتزاماتها إزاء الفلاح، واصفا هذه التعاونيات بـ"المافيا التي تسرق مستحقات الفلاحين لصالحها"، على حد تعبيره.
وأضاف كمال أن التعدي على الرقعة الزراعية ارتفع خلال الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق.
اقرأ أيضاً: عزيزي مؤيد السيسي