أثار إعلان وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي في السودان، قبل أيام، عن تراجع نسبة الفقر إلى نحو نصف ما كانت عليه قبل سبعة أعوام، جدلا واسعا بين المواطنين، في وقت ترصد فيه تقارير محلية ودولية تفاقم الوضع المعيشي في البلاد بفعل تهاوي أسعار النفط وتعطل الإمدادات من الجنوب، مما اضطر الحكومة إلى تنفيذ إجراءات تقشفية واسعة.
وقالت وزارة التضامن الاجتماعي إن معدل الفقر تراجع خلال العام الجاري إلى حدود 28% من السكان، مقابل نحو 46.5% في نهاية عام 2009، مما أثار شكوكاً لدى بعض المراقبين في هذه الأرقام، التي يتزامن صدورها مع انهيار في قيمة العملة السودانية، حيث وصل سعر الدولار الأميركي الواحد في السوق الموازية إلى حدود 17 جنيها سودانيا الشهر الماضي.
لكن وزير الدولة في وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، إبراهيم آدم، قال في تصريحات صحافية الأحد الماضي، إن وزارته مطمئنة لهذه البيانات، والتي ظهرت في سياق دراسة أعدها الجهاز المركزي للإحصاء، قائلا إنها "قامت على أسس علمية ومنطقية".
ويرى الوزير أن قياس الفقر في السودان لا يتم وفق المعايير العالمية للاختلاف القاطع بين دولة وأخرى، فهو يتصور أن المؤشرات العالمية تُصنّف من يسكن في غرفة مُجهّزة بأثاث كامل ضمن فئة الفقراء، في حين أن "ثمة من يمتلك ملايين الجنيهات في السودان ومع ذلك يقطن في قطية (سكن يُجهز لأغراض الإيواء يُبنى من الأخشاب)".
وأكد أن لدى وزارته مخططا لإجراء مسح شامل للفقر في البلاد خلال الفترة المقبلة.
وكان آخر مسح رسمي عن حالة الفقر في السودان أُعلنت نتائجه في أواخر عام 2009 أي قبل سبع سنوات. وأظهرت نتائج المسح وقتها أن معدل الفقر 46.5%. وكان المعدل الأدنى في العاصمة الخرطوم والأعلى في ولاية شمال دارفور (غرب السودان).
وقلل اقتصاديون من التطمينات التي تطلقها الحكومة عبر تحديد نسبة الفقر عند مستويات أقل من الحقيقية، معتبرين أن معدلات الفقر تتجاوز ما أُعلن عنه استنادا إلى معطيات الوضع الاقتصادي العام وغلاء الأسعار وتدني الأجور.
وترى الخبيرة الاقتصادية والمحاضرة في جامعة الجزيرة، إيناس إبراهيم، أن النسبة التي حددتها الوزارة بخصوص معدل الفقر غير واقعية، مستندة في ذلك إلى أن "المستوى الاقتصادي العام للبلاد لا يدعم مصداقية هذه النسبة".
اقــرأ أيضاً
وقالت إبراهيم لـ "العربي الجديد" إن تباطؤ الإنتاج في قطاعات، مثل الزراعة والصناعة والصناعات التحويلية، أسهم في خروج آلاف العمال إلى صفوف البطالة، وانضموا إلى قوائم المستهلكين دون إنتاج حقيقي، وهي عوامل تعزز الفقر العام.
وأشارت إلى أن نسب البطالة المرتفعة في البلاد وانتشار المهن غير المنتظمة، حتى بين خريجي الجامعات، يعكس تمدد وزيادة نسبة الفقر في البلاد.
وقال رئيس اتحاد نقابات العمال في السودان، علي عبد الكريم، لـ "العربي الجديد"، إن ضعف الأجور يؤثر على المستوى المعيشي في السودان لحد بعيد، مؤكداً أن ثمة معطيات لدى الاتحاد تُفيد بأن الأجر لا يغطي سوى 14% من تكاليف المعيشة.
لكن وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي، مشاعر الدولب، أكدت الأسبوع الماضي في البرلمان، سعي وزارتها لزيادة قيمة الدعم النقدي المباشر الذي تقدمه الحكومة للفقراء، وزيادة أعداد المستهدفين بمساعدات الضمان الاجتماعي في موازنة الدولة للعام المقبل.
وقالت الدولب إن وزارتها وضعت خطة للوصول بتغطية الأسر الفقيرة عبر التأمين الصحي إلى نسبة 80% من السكان بحلول العام 2020، فضلا عن التوسع في الخدمات المصاحبة للخدمة.
وتعتبر مدير مركز تنسيق مشروعات تخفيف الفقر في السودان، فاطمة أحمد فضل، أن كل المبادرات السابقة لتخفيف حدة الفقر كانت مهدرة وغير مرشدة.
وتعتبر فضل أن قضية الفقر متجذرة وناتجة عن عدم وجود تنمية وفشل في الاستقرار الاقتصادي. وترى أن الفقر في السودان وصل إلى مراحل حرجة بعدما تراجعت أكثر من 500 ألف أسرة دون خط الفقر المدقع، مما يتطلب تكثيف الجهد في المناطق الأكثر فقرا بتنفيذ مشروعات حقيقية توفر سبل العيش.
ويبرر مراقبون رفضهم لأرقام معدلات الفقر المعلنة قبل أيام، بأن المسح الرسمي الذي أجرته الحكومة قبل سبع سنوات وانتهى إلى نسبة تصل إلى ضعف معدل الفقر حاليا، جاء في وقت يتمتع فيه السودان بازدهار اقتصادي بفضل إيرادات النفط التي كانت تؤول كلها لخزينة الدولة قبل انفصال الجنوب، فضلا عن أن معدلات التضخم وقتها كانت أقل من المستويات الحالية.
وبعد انفصال جنوب السودان في عام 2011، واجه الاقتصاد صدمة تتمثل في انفراد الجنوب بأكثر من ثلاثة أرباع ثروات النفط الذي كان يمثل المصدر الأول للإيرادات العامة في البلاد، ما هدد بأزمات معيشية واسعة.
وقالت المفوضية الأوروبية وقتها إن أكثر من خمسة ملايين سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، فيما تسارعت معدلات الهجرة من البلاد وفقد الجنيه منذ ذلك الحين حوالى 80% من قيمته، وتصاعدت معدلات التضخم إلى أكثر من 18% ونسبة البطالة إلى 19%.
وصنف تقرير للأمم المتحدة السودان ضمن الدول التي لم تحقق أياً من أهداف الألفية، التي وقعت عليها الحكومة السودانية قبل 15 عاما. وبات السودان في المرتبة الـ 166 في قائمة الدول من حيث التنمية البشرية.
اقــرأ أيضاً
وقالت وزارة التضامن الاجتماعي إن معدل الفقر تراجع خلال العام الجاري إلى حدود 28% من السكان، مقابل نحو 46.5% في نهاية عام 2009، مما أثار شكوكاً لدى بعض المراقبين في هذه الأرقام، التي يتزامن صدورها مع انهيار في قيمة العملة السودانية، حيث وصل سعر الدولار الأميركي الواحد في السوق الموازية إلى حدود 17 جنيها سودانيا الشهر الماضي.
لكن وزير الدولة في وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، إبراهيم آدم، قال في تصريحات صحافية الأحد الماضي، إن وزارته مطمئنة لهذه البيانات، والتي ظهرت في سياق دراسة أعدها الجهاز المركزي للإحصاء، قائلا إنها "قامت على أسس علمية ومنطقية".
ويرى الوزير أن قياس الفقر في السودان لا يتم وفق المعايير العالمية للاختلاف القاطع بين دولة وأخرى، فهو يتصور أن المؤشرات العالمية تُصنّف من يسكن في غرفة مُجهّزة بأثاث كامل ضمن فئة الفقراء، في حين أن "ثمة من يمتلك ملايين الجنيهات في السودان ومع ذلك يقطن في قطية (سكن يُجهز لأغراض الإيواء يُبنى من الأخشاب)".
وأكد أن لدى وزارته مخططا لإجراء مسح شامل للفقر في البلاد خلال الفترة المقبلة.
وكان آخر مسح رسمي عن حالة الفقر في السودان أُعلنت نتائجه في أواخر عام 2009 أي قبل سبع سنوات. وأظهرت نتائج المسح وقتها أن معدل الفقر 46.5%. وكان المعدل الأدنى في العاصمة الخرطوم والأعلى في ولاية شمال دارفور (غرب السودان).
وقلل اقتصاديون من التطمينات التي تطلقها الحكومة عبر تحديد نسبة الفقر عند مستويات أقل من الحقيقية، معتبرين أن معدلات الفقر تتجاوز ما أُعلن عنه استنادا إلى معطيات الوضع الاقتصادي العام وغلاء الأسعار وتدني الأجور.
وترى الخبيرة الاقتصادية والمحاضرة في جامعة الجزيرة، إيناس إبراهيم، أن النسبة التي حددتها الوزارة بخصوص معدل الفقر غير واقعية، مستندة في ذلك إلى أن "المستوى الاقتصادي العام للبلاد لا يدعم مصداقية هذه النسبة".
وقالت إبراهيم لـ "العربي الجديد" إن تباطؤ الإنتاج في قطاعات، مثل الزراعة والصناعة والصناعات التحويلية، أسهم في خروج آلاف العمال إلى صفوف البطالة، وانضموا إلى قوائم المستهلكين دون إنتاج حقيقي، وهي عوامل تعزز الفقر العام.
وأشارت إلى أن نسب البطالة المرتفعة في البلاد وانتشار المهن غير المنتظمة، حتى بين خريجي الجامعات، يعكس تمدد وزيادة نسبة الفقر في البلاد.
وقال رئيس اتحاد نقابات العمال في السودان، علي عبد الكريم، لـ "العربي الجديد"، إن ضعف الأجور يؤثر على المستوى المعيشي في السودان لحد بعيد، مؤكداً أن ثمة معطيات لدى الاتحاد تُفيد بأن الأجر لا يغطي سوى 14% من تكاليف المعيشة.
لكن وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي، مشاعر الدولب، أكدت الأسبوع الماضي في البرلمان، سعي وزارتها لزيادة قيمة الدعم النقدي المباشر الذي تقدمه الحكومة للفقراء، وزيادة أعداد المستهدفين بمساعدات الضمان الاجتماعي في موازنة الدولة للعام المقبل.
وقالت الدولب إن وزارتها وضعت خطة للوصول بتغطية الأسر الفقيرة عبر التأمين الصحي إلى نسبة 80% من السكان بحلول العام 2020، فضلا عن التوسع في الخدمات المصاحبة للخدمة.
وتعتبر مدير مركز تنسيق مشروعات تخفيف الفقر في السودان، فاطمة أحمد فضل، أن كل المبادرات السابقة لتخفيف حدة الفقر كانت مهدرة وغير مرشدة.
وتعتبر فضل أن قضية الفقر متجذرة وناتجة عن عدم وجود تنمية وفشل في الاستقرار الاقتصادي. وترى أن الفقر في السودان وصل إلى مراحل حرجة بعدما تراجعت أكثر من 500 ألف أسرة دون خط الفقر المدقع، مما يتطلب تكثيف الجهد في المناطق الأكثر فقرا بتنفيذ مشروعات حقيقية توفر سبل العيش.
ويبرر مراقبون رفضهم لأرقام معدلات الفقر المعلنة قبل أيام، بأن المسح الرسمي الذي أجرته الحكومة قبل سبع سنوات وانتهى إلى نسبة تصل إلى ضعف معدل الفقر حاليا، جاء في وقت يتمتع فيه السودان بازدهار اقتصادي بفضل إيرادات النفط التي كانت تؤول كلها لخزينة الدولة قبل انفصال الجنوب، فضلا عن أن معدلات التضخم وقتها كانت أقل من المستويات الحالية.
وبعد انفصال جنوب السودان في عام 2011، واجه الاقتصاد صدمة تتمثل في انفراد الجنوب بأكثر من ثلاثة أرباع ثروات النفط الذي كان يمثل المصدر الأول للإيرادات العامة في البلاد، ما هدد بأزمات معيشية واسعة.
وقالت المفوضية الأوروبية وقتها إن أكثر من خمسة ملايين سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، فيما تسارعت معدلات الهجرة من البلاد وفقد الجنيه منذ ذلك الحين حوالى 80% من قيمته، وتصاعدت معدلات التضخم إلى أكثر من 18% ونسبة البطالة إلى 19%.
وصنف تقرير للأمم المتحدة السودان ضمن الدول التي لم تحقق أياً من أهداف الألفية، التي وقعت عليها الحكومة السودانية قبل 15 عاما. وبات السودان في المرتبة الـ 166 في قائمة الدول من حيث التنمية البشرية.