ومنذ فوز الملياردير ترامب بالرئاسة الأميركية تتملك الحيرة زعماء دول الاتحاد الأوروبي في كيفية مستقبل التعامل مع أميركا التي تعد أكبر شريك تجاري ودفاعي لأوروبا، بل العمود الفقري في الدفاع عنها عسكرياً ضد التغول الروسي من خلال "حلف الأطلسي" الذي أسس خصيصاً بعد الحرب العالمية الثانية لحماية أوروبا الرأسمالية ضد المد الشيوعي الروسي.
ويطالب ترامب أوروبا بزيادة مساهمتها في حلف الأطلسي، وهو ما يعني مزيداً من الأعباء المالية على الاقتصادات الأوروبية التي تعيش فترة من الهشاشة في النمو وتزايداً في العجز الانفاقي.
وحسب تحقيق نشرته صحيفة" دويتشه فيله" الألمانية، تتجاذب أوروبا عدة آراء ولكنها تتلخص في رأيين، أحدهما يدعو إلى استكشاف سبل التعاون مع القادم الجديد للبيت الأبيض الذي يرفض كل القيم الليبرالية، بما في ذلك الانفتاح الاقتصادي وحرية حركة رأس المال وحرية التجارة التي قامت عليها أوروبا الغربية في أعقاب دحر النازية، وبين إعلان استقلالية القرار الأوروبي عن القرار الأميركي تماماً.
وحسب التحقيق، في رأي البعض، يجب على أوروبا الآن أن تنهض وتتولى قدراً أكبر من المسؤولية، سواء من أجل الحفاظ على النظام الرأسمالي الغربي ومبادئ دولة الرفاه والأمن الأوروبي أو من أجل العالم، إذا التزم ترامب بما ردده خلال حملته الانتخابية أنه سيعمل على تنفيذ سياسة حمائية على صعيد التجارة، وهو ما سيعني مخاطر جديدة للتجارة الأوروبية التي تحاصرها الصين في أسواق الدول الناشئة. كما أن تقليص الالتزامات الدفاعية الأميركية وغيرها من الارتباطات الأميركية في الخارج، سيعني أن أوروبا بحاجة إلى إنفاق أكبر على الأمن والدفاع.
ويرى التحقيق أن على أوروبا أن تنهض للحفاظ على العلاقات التجارية التي شيدها العالم خلال السنوات المقبلة بدءاً بمنظمة التجارة العالمية وتحرير القوانين التي تحكم حركة المال والتجارة والاستثمار، وكذلك حماية اتفاقية المناخ وحماية نفسها بنفسها ضد روسيا وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إذا انسحبت واشنطن تحت قيادة ترامب من المسرح العالمي.
في هذا الصدد، قال مانفريد فيبر، حليف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذي يقود كتلة المحافظين في البرلمان الأوروبي: "هذه صيحة تنبيه أخرى. الأمر عائد لأوروبا الآن. علينا أن نكون أكثر ثقة بالنفس ونتحمل قدراً أكبر من المسؤولية".
من جانبه، أوضح ديدييه رايندرز، وزير خارجية بلجيكا، أن البيت الأبيض في ظل ترامب "قد يساعد البعض في أوروبا على إدراك الحاجة لتعزيز التعاون الدفاعي بين الأوروبيين".
لكن المخاوف تنصب في البداية على تحطيم المكاسب التجارية بين أوروبا وأميركا. وتقدر الإحصائيات التجارية حجم اقتصادات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تبلغ معا نحو 50% من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين في العام الماضي 500 مليار يورو في مجال البضائع و280 مليار يورو في قطاع الخدمات المالية والمعلوماتية.
واختلفت تقديرات مراكز اقتصادية أوروبية حول النتائج والتداعيات المتوقعة لاتفاقية التجارة الحرة بين أوروبا والولايات المتحدة.
وهنالك استثمارات أوروبية في أميركا تقدر بأكثر من ترليون دولار من بينها 400 مليار دولار لشركات ألمانية.
ومن غير المعروف للشركات الأوروبية كيف ستتعامل في ظل الرئيس ترامب.
أما دول شرق أوروبا التي انضمت حديثاً لعضوية الاتحاد الأوروبي، فتشعر بالقلق من أن يستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعهد ترامب بتحسين العلاقات مع موسكو، التي ترزح تحت عقوبات أوروبية وأميركية، من أجل بسط نفوذ روسيا سياسياً وفعلياً، كما حدث في أوكرانيا.
يذكر أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ومسؤولي المال والاقتصاد في المفوضية الأوروبية قد دعوا إلى عقد اجتماع خاص على العشاء اليوم الأحد لبحث ما يعنيه انتخاب ترامب لأوروبا.
وقال جايلز ميريت من مركز أبحاث أصدقاء أوروبا (فريندز أوف يوروب) المقرب من الاتحاد الأوروبي في بروكسل إن الزعماء يجب ألا يتوانوا عن التحرك و"صياغة رد أوروبي مشترك ... قبل أن يطأ الرئيس ترامب أرض المكتب البيضاوي".