وجدت الحكومة الجزائرية نفسها في سباق مع عقارب الزمن، لتوفير حلول لمخلّفات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ قرابة العامين، بعد تراجع إيرادات النفط.
وعلى الرغم من نجاح حكومة عبد المالك سلال في إيجاد بعض الحلول كخفض قيمة الدينار وتقليص فاتورة الواردات بالإضافة إلى توسيع الوعاء الضريبي، إلا أنها بدأت تُظهر شيئا من التخوف مما ينتظرها في المستقبل القريب بشأن توفير رواتب العمال.
وعلى الرغم من نجاح حكومة عبد المالك سلال في إيجاد بعض الحلول كخفض قيمة الدينار وتقليص فاتورة الواردات بالإضافة إلى توسيع الوعاء الضريبي، إلا أنها بدأت تُظهر شيئا من التخوف مما ينتظرها في المستقبل القريب بشأن توفير رواتب العمال.
أول من فجّر قنبلة عجز الجزائر عن توفير أجور العمال مستقبلا، كان أحمد أويحيى، مدير ديوان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والأمين العام لثاني قوة سياسية في البلاد (التجمع الوطني الديمقراطي)، الذي قال صراحة، نهاية الأسبوع الماضي، إن الجزائر إذا واصلت السير في نفس سياسة الإنفاق، فلن تجد ما تدفع به أجور العمال في القطاع العام، إلا إذا استدانت من صندوق النقد الدولي ما يعادل مليار دولار سنويا".
ولم تمر هكذا تصريحات بشكل عابر على وسائل الإعلام والخبراء في الجزائر، بحكم مكانة الرجل في منظومة الحكم الجزائرية وتاريخه في تسيير الأزمات.
وبالنظر إلى مؤشرات الاقتصاد الجزائري، يبدو أن السيناريو الذي وضعه مدير ديوان الرئيس الجزائري بات أقرب للواقع، فإيرادات البلاد من النفط، الذي يعد عصب الاقتصاد، تراجعت من 64 مليار دولار قبل سنتين إلى 27 مليار دولار العام الجاري، في وقت حافظ الإنفاق العام على مستوياته التي لم تنخفض تحت عتبة 50 مليار دولار سنويا.
ويرى الخبير الاقتصادي فرحات علي، أن أحمد أويحي ليس مخطئا في قراءته، "وذلك ليس لمكانة الرجل في منظومة الحكم، بل من منطلق اقتصادي"، وفق تعبيره. وأضاف الخبير الاقتصادي، لـ "العربي الجديد"، أن السيناريو قادم لا محالة ولا يمكن تجاوزه إذا بقيت فاتورة الدعم مرتفعة، لذلك يجب ادخار بعض الأموال.
اقــرأ أيضاً
وكانت الحكومة قد قلصت ميزانية التسيير لسنة 2017 بملياري دولار مقارنة بالسنة الحالية، وهي الميزانية المخصصة لدفع أجور العمال في القطاع العام، ما يعني- حسب الخبراء- تجميد التوظيف في القطاع العام السنة القادمة.
وكان الجزائريون قد عرفوا، مطلع تسعينيات القرن الماضي، سيناريو مشابها، بعدما قرر رئيس الوزراء أحمد أويحيى، في عام 1994 الاقتطاع من رواتب عمال وموظفين من أجل تسديد رواتب عمال آخرين عجزت مؤسساتهم عن دفع أجورهم.
وحسب مدير مكتب "الجزائر للاستشارات الاقتصادية الدولي"، مبارك سراي، فإن الدولة لن تستطيع في القريب العاجل المساس برواتب العمال، خاصة في قطاع التعليم والصحة والهيئات النظامية من شرطة وحماية مدنية، وبالتالي ستضحي بالحلقة الأضعف وهي أصحاب عقود العمل المؤقتة وعمال البلديات والنظافة.
ويتوقع سراي أن عجز الحكومة عن دفع أجور العمال وحتى المتقاعدين سيكون مطلع عام 2018، حيث سيكون هامش المناورة ضيقا بالنسبة للحكومة إذا تواصل انهيار أسعار النفط تحت عتبة 50 دولارا للبرميل من جهة، واستمرت السياسة الإنفاقية على حالها من جهة أخرى.
ويصل عدد العاملين في القطاع العام الجزائري إلى نحو 5.5 ملايين عامل، يضاف إليهم قرابة ثلاثة ملايين متقاعد كلهم يتقاضون رواتبهم ومعاشاتهم من الخزينة العمومية، فيما يشغل القطاع الخاص قرابة 6 ملايين جزائري.
اقــرأ أيضاً
ولجأت الحكومة، منذ 2011، إلى زيادات في أجور العمال، خاصة الأساتذة والأطباء وأجور أفراد الهيئات النظامية، وبأثر رجعي من يناير/كانون الثاني 2008.
ووفقا لتقديرات موازنة 2017، فإن كتلة الأجور تصل إلى حدود 2730 مليار دينار جزائري (25 مليار دولار).
وعرف متوسط الراتب الشهري في الجزائر ارتفاعا نسبيا، بالرغم من مرور الاقتصاد بحالة من الانكماش الحاد.
ووفق تقرير حديث للديوان الجزائري للإحصائيات، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن متوسط الراتب الشهري ارتفع إلى 39 ألف دينار (354 دولارا) سنة 2015، مقابل 37.8 ألف دينار في 2014.
وحسب القطاعات الأحسن دفعا للأجور، يأتي قطاع المحروقات في المقدمة، حيث يبلغ معدل الأجور في قطاع الطاقة والصناعات الاستخراجية 101 ألف دينار (918 دولارا) شهريا، يليه قطاع البنوك والمالية بمتوسط أجور بلغ 56 ألف دينار، فيما سُجل المعدل الأدنى في قطاع البناء بمتوسط لا يتعدى 35 ألف دينار.
وأكد ديوان الإحصائيات، أن التقرير شمل 581 مؤسسة عمومية و252 مؤسسة خاصة الموظِفة لعشرين شخصا أو أكثر، كما أوضح الديوان أن "الراتب الشهري الصافي المتوسط يتكون من الراتب الخام الذي تخصم منه الضريبة على الدخل العام، واقتطاعات الضمان الاجتماعي والتقاعد".
وتشير نتائج التقرير إلى أن متوسط معدل الأجور في القطاع العام يصل إلى 54.7 ألف دينار، فيما يبلغ متوسط الأجور في القطاع الخاص قرابة 32 ألف دينار.
وفي ظل الأرقام التي كشف عنها الديوان الجزائري للإحصائيات، يطفو على السطح سؤال حول ثنائية ارتفاع الأجور والقدرة الشرائية، وما إن كان ارتفاع الرواتب يضمن سد العجز الحاصل في القدرات الشرائية بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية.
وقال رئيس النقابة المستقلة لعمال الإدارة العمومية، رشيد معلاوي، لـ "العربي الجديد": "الجزائريون لم يصلوا بعد إلى الراتب الذي يمنحهم حياة وفق المعايير المتعارف عليها عالميا، وهم بعيدون عن حياة الرفاهية".
وأضاف المسؤول النقابي أنه وفق الدراسة التي قامت بها نقابتهم حول القدرة الشرائية لسنة 2015، فإن الجزائري يحتاج إلى 60 ألف دينار (545 دولارا) كراتب شهري لكي يتكفل بعائلة مكونة من خمسة أفراد، وذلك شرط الاكتفاء بالضروريات، أي دون اقتناء الكماليات.
وينتظر أن تسجل القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ضغوطا إضافية العام المقبل، بعد اقتراح الحكومة حزمة جديدة من الإجراءات ضمن الموازنة العامة التي سيصوت عليها البرلمان الجزائري، اليوم (الثلاثاء)، منها زيادة ضريبة القيمة المضافة من 17 إلى 19%، ما يعني ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى مراجعة الضريبة على الدخل العام، المُطبق على رواتب العمال.
وتتخوف أحزاب المعارضة في البرلمان الجزائري من توجه الحكومة الجزائرية نحو تقليص ميزانية التجهيز وتجميد العشرات من المشروعات المسطرة، وبالتالي الاستغناء عن الآلاف من فرص العمل.
في المقابل، يقول رئيس الحكومة سلال، إن البلاد مقبلة على عام "صعب"، داعيا الجزائريين إلى التقشف بعد تراجع إيرادات النفط، وهو ما تنتقده أحزاب في المعارضة، معتبرين أن سياسة التقشف مفروضة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة فقط.
اقــرأ أيضاً
ولم تمر هكذا تصريحات بشكل عابر على وسائل الإعلام والخبراء في الجزائر، بحكم مكانة الرجل في منظومة الحكم الجزائرية وتاريخه في تسيير الأزمات.
وبالنظر إلى مؤشرات الاقتصاد الجزائري، يبدو أن السيناريو الذي وضعه مدير ديوان الرئيس الجزائري بات أقرب للواقع، فإيرادات البلاد من النفط، الذي يعد عصب الاقتصاد، تراجعت من 64 مليار دولار قبل سنتين إلى 27 مليار دولار العام الجاري، في وقت حافظ الإنفاق العام على مستوياته التي لم تنخفض تحت عتبة 50 مليار دولار سنويا.
ويرى الخبير الاقتصادي فرحات علي، أن أحمد أويحي ليس مخطئا في قراءته، "وذلك ليس لمكانة الرجل في منظومة الحكم، بل من منطلق اقتصادي"، وفق تعبيره. وأضاف الخبير الاقتصادي، لـ "العربي الجديد"، أن السيناريو قادم لا محالة ولا يمكن تجاوزه إذا بقيت فاتورة الدعم مرتفعة، لذلك يجب ادخار بعض الأموال.
وكانت الحكومة قد قلصت ميزانية التسيير لسنة 2017 بملياري دولار مقارنة بالسنة الحالية، وهي الميزانية المخصصة لدفع أجور العمال في القطاع العام، ما يعني- حسب الخبراء- تجميد التوظيف في القطاع العام السنة القادمة.
وكان الجزائريون قد عرفوا، مطلع تسعينيات القرن الماضي، سيناريو مشابها، بعدما قرر رئيس الوزراء أحمد أويحيى، في عام 1994 الاقتطاع من رواتب عمال وموظفين من أجل تسديد رواتب عمال آخرين عجزت مؤسساتهم عن دفع أجورهم.
وحسب مدير مكتب "الجزائر للاستشارات الاقتصادية الدولي"، مبارك سراي، فإن الدولة لن تستطيع في القريب العاجل المساس برواتب العمال، خاصة في قطاع التعليم والصحة والهيئات النظامية من شرطة وحماية مدنية، وبالتالي ستضحي بالحلقة الأضعف وهي أصحاب عقود العمل المؤقتة وعمال البلديات والنظافة.
ويتوقع سراي أن عجز الحكومة عن دفع أجور العمال وحتى المتقاعدين سيكون مطلع عام 2018، حيث سيكون هامش المناورة ضيقا بالنسبة للحكومة إذا تواصل انهيار أسعار النفط تحت عتبة 50 دولارا للبرميل من جهة، واستمرت السياسة الإنفاقية على حالها من جهة أخرى.
ويصل عدد العاملين في القطاع العام الجزائري إلى نحو 5.5 ملايين عامل، يضاف إليهم قرابة ثلاثة ملايين متقاعد كلهم يتقاضون رواتبهم ومعاشاتهم من الخزينة العمومية، فيما يشغل القطاع الخاص قرابة 6 ملايين جزائري.
ووفقا لتقديرات موازنة 2017، فإن كتلة الأجور تصل إلى حدود 2730 مليار دينار جزائري (25 مليار دولار).
وعرف متوسط الراتب الشهري في الجزائر ارتفاعا نسبيا، بالرغم من مرور الاقتصاد بحالة من الانكماش الحاد.
ووفق تقرير حديث للديوان الجزائري للإحصائيات، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن متوسط الراتب الشهري ارتفع إلى 39 ألف دينار (354 دولارا) سنة 2015، مقابل 37.8 ألف دينار في 2014.
وحسب القطاعات الأحسن دفعا للأجور، يأتي قطاع المحروقات في المقدمة، حيث يبلغ معدل الأجور في قطاع الطاقة والصناعات الاستخراجية 101 ألف دينار (918 دولارا) شهريا، يليه قطاع البنوك والمالية بمتوسط أجور بلغ 56 ألف دينار، فيما سُجل المعدل الأدنى في قطاع البناء بمتوسط لا يتعدى 35 ألف دينار.
وأكد ديوان الإحصائيات، أن التقرير شمل 581 مؤسسة عمومية و252 مؤسسة خاصة الموظِفة لعشرين شخصا أو أكثر، كما أوضح الديوان أن "الراتب الشهري الصافي المتوسط يتكون من الراتب الخام الذي تخصم منه الضريبة على الدخل العام، واقتطاعات الضمان الاجتماعي والتقاعد".
وتشير نتائج التقرير إلى أن متوسط معدل الأجور في القطاع العام يصل إلى 54.7 ألف دينار، فيما يبلغ متوسط الأجور في القطاع الخاص قرابة 32 ألف دينار.
وفي ظل الأرقام التي كشف عنها الديوان الجزائري للإحصائيات، يطفو على السطح سؤال حول ثنائية ارتفاع الأجور والقدرة الشرائية، وما إن كان ارتفاع الرواتب يضمن سد العجز الحاصل في القدرات الشرائية بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية.
وقال رئيس النقابة المستقلة لعمال الإدارة العمومية، رشيد معلاوي، لـ "العربي الجديد": "الجزائريون لم يصلوا بعد إلى الراتب الذي يمنحهم حياة وفق المعايير المتعارف عليها عالميا، وهم بعيدون عن حياة الرفاهية".
وأضاف المسؤول النقابي أنه وفق الدراسة التي قامت بها نقابتهم حول القدرة الشرائية لسنة 2015، فإن الجزائري يحتاج إلى 60 ألف دينار (545 دولارا) كراتب شهري لكي يتكفل بعائلة مكونة من خمسة أفراد، وذلك شرط الاكتفاء بالضروريات، أي دون اقتناء الكماليات.
وينتظر أن تسجل القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ضغوطا إضافية العام المقبل، بعد اقتراح الحكومة حزمة جديدة من الإجراءات ضمن الموازنة العامة التي سيصوت عليها البرلمان الجزائري، اليوم (الثلاثاء)، منها زيادة ضريبة القيمة المضافة من 17 إلى 19%، ما يعني ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى مراجعة الضريبة على الدخل العام، المُطبق على رواتب العمال.
وتتخوف أحزاب المعارضة في البرلمان الجزائري من توجه الحكومة الجزائرية نحو تقليص ميزانية التجهيز وتجميد العشرات من المشروعات المسطرة، وبالتالي الاستغناء عن الآلاف من فرص العمل.
في المقابل، يقول رئيس الحكومة سلال، إن البلاد مقبلة على عام "صعب"، داعيا الجزائريين إلى التقشف بعد تراجع إيرادات النفط، وهو ما تنتقده أحزاب في المعارضة، معتبرين أن سياسة التقشف مفروضة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة فقط.