ويأتي هذا الإعلان بالرغم من الحكم النهائي الصادر من محكمة النقض المصرية بإدانة مبارك ونجليه بإهدار المال العام في قضية القصور الرئاسية، كما قامت السلطات السويسرية برد طلب لجنة استرداد الأموال المصرية المهربة للخارج، في يوليو/ تموز الماضي، بمبرر عدم تمكن مصر من إثبات أن الأموال المجمدة في المصارف السويسرية تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة.
وكانت سويسرا شددت على صدور حكم نهائي ضد مبارك ورموز نظامه لإعادة الأموال المهربة والمودعة لدى مصارفها، وبالفعل صدر الحكم عن محكمة النقض المصرية في مطلع العام 2016، بمعاقبة مبارك ونجليه بالسجن
المشدد 3 سنوات، وتغريمهم في قضية "القصور الرئاسية" التي تعرف بأنها من أبرز عمليات الفساد في البلاد المرتبطة باختلاس ملايين الدولارات من أموال عامة مخصصة لصيانة القصور التابعة لرئاسة الجمهورية.
إلا أن تصريحات المسؤولين السويسريين تؤكد أن السلطات المصرية لا تتبع الأصول القانونية المطلوبة وفق القانون السويسري لاستعادة الأموال من ناحية إثبات أن الحصول على الأموال التي تدور حولها الدعاوى تم بأساليب غير مشروعة.
ويزداد الموقف غموضا في ظل عدم صدور أحكام نهائية حتى اليوم ضد عدد من رجالات نظام مبارك السابق، وكذا تبرئة بعضهم من تهم الاختلاس والاستيلاء على المال العام.
ويأتي تقرير الصحيفة السويسرية في ظل صمت مطبق من قبل السلطات المصرية، التي لم تعلن حتى اللحظة أي تعليق أو توضيح للإجراءات التي سيتم اتخاذها في سبيل الإبقاء على التجميد إلى حين استعادة الأموال المنهوبة.
احتمال التمديد لمدة عام
وذكرت الصحيفة السويسرية أن المدة القانونية للسماح بتجميد أموال مبارك وبن علي سوف تنقضي في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط المقبلين على التوالي، بعد حوالي 6 سنوات على الإطاحة بالرئيسين السابقين.
وأضافت الصحيفة أن وزارة الشؤون الخارجية تنوي تجديد التجميد في ملف أموال مبارك وبن علي وكذلك الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، لكن القرار يعود في ذلك إلى المجلس الاتحادي السويسري.
وقال رئيس إدارة القانون الدولي العام في الوزارة، روبرتو بالزارتي، في مؤتمر صحافي يوم الجمعة الماضي "أفترض أن الأوامر ستجدد التمديد لمدة عام".
وأشارت الصحيفة السويسرية إلى أن فترة تجميد أموال بن علي، تنتهي في 18 يناير/كانون الثاني المقبل، في حين تنتهي في 10 فبراير/فبراير لأموال مبارك.
وبالنسبة للحالة التونسية، تجمد سويسرا حوالي 60 مليون فرنك سويسري (59.1 مليون دولار)، بينما تجمد في حالة مصر 580 مليون فرنك (571.7 مليون دولار) تقريباً. ولن يكون تجميد الأموال دائما لكنه محدد من حيث المبدأ بفترة عشر سنوات.
وبدأ في أوائل يوليو/تموز الماضي سريان قانون سويسري جديد بشأن أموال الملوك والرؤساء. وقال رئيس إدارة القانون الدولي العام في وزارة الشؤون الخارجية إن القانون يسهل التجميد الإداري، وهو إجراء وصفه بأنه "فريد في أوروبا وربما في العالم".
وبحسب هذا القانون، فإن السلطات في البلد الأصلي للرئيس أو الملك لا يمكنها استخدام الأموال المجمدة في سويسرا قبل صدور حكم قضائي نهائي.
ويهدف القانون، وفق بالزارتي، إلى تجنب المخاطرة بإمكانية دفع الأموال مرتين للدولة ولصاحب الحساب المصرفي، وذلك إذا سلمت الأموال للدولة لكن الحكم النهائي رفض ذلك، وهو ما قال بالزراتي إنه "قد يرعب الكثير من الأشخاص".
وعلى مدى 15 عاماً مضت، ردت سويسرا 1.8 مليار فرنك (1.77 مليار دولار)، كما وافقت السلطات هناك على إعادة 320 مليون فرنك (315 مليون دولار) لهايتي ونيجيريا، ولكن ما تزال عملية إرجاع الأموال للبلدين قيد التنفيذ.
مسار الأموال المصرية المهربة
وسلمت مصر منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ملفات تعود إلى عشرات الشخصيات المصرية ومن بينها مبارك إلى السلطات السويسرية، بهدف الحجز على أموالها، إلا أن لجنة استرداد الأموال التي تغيّرت 9 مرات منذ اندلاع الثورة لم تستطع استرداد أي مبلغ حتى الآن.
وكانت سويسرا أعادت، في ديسمبر/كانون الأول 2013، تجميد 767 مليون دولار من
أموال نظام مبارك لمدة ثلاث سنوات تنتهي في فبراير/شباط 2017، بسبب "فشل السلطات المصرية في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لاسترجاع هذه الأموال".
وواجهت مصر عدة عقبات أفشلت مساعيها من أجل استرداد الأموال المهربة، كان في مقدمتها ضعف الإرادة السياسية وعدم صدور أحكام قضائية نهائية تدين الرئيس المخلوع حسني مبارك، أو نجليه علاء وجمال أو رموز نظامه.
وقال رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة الأسبق، المستشار رفعت السيد، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إنه لا يوجد حكم نهائي حتى الآن على أي من رموز مبارك في قضايا تهريب أموال للخارج، وبالتالي لا يجوز المطالبة باسترداد الأموال المهربة للخارج.
وفي يناير/ كانون الثاني 2016 تسلمت لجنة استرداد الأموال المهربة برئاسة النائب العام نبيل صادق ردا من النيابة العامة السويسرية، يفيد ضم الحكم الصادر ضد الرئيس المخلوع مبارك ونجليه علاء وجمال في قضية "القصور الرئاسية"، ضمن التحقيقات التي تجرى حول الفساد المالي وغسيل الأموال في قضية لاسترداد أموالها المهربة بالخارج.
وذكر المكتب، في بيان أن القانون السويسري يستلزم إيجاد روابط بين الأموال المهربة والجرائم المرتكبة في مصر حتى يتم ردها. ولفت إلى تأثير التصالح مع رجل الأعمال حسين سالم على استرداد الأموال المنهوبة في ظل الاتجاه المصري الذي يسعى للتصالح مع رجال مبارك.
وفي أغسطس/ آب الماضي أوضح مكتب النائب العام السويسري مارتن لوبر، أن قضية استرداد مصر أموالها المنهوبة والمهربة في عهد الرئيس المخلوع مبارك إلى سويسرا، ستبقى رهنًا لنتائج المحاكمات التي تجريها القاهرة.
دعوى ضد السفير السويسري
وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، أقام المحامي عادل عبيد دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، لاتخاذ الإجراءات القانونية والدبلوماسية لاستعادة الأموال المهربة للخارج عقب صدور حكم نهائي ضد مبارك.
وذكر عبيد في دعواه التي اختصم فيها رئيس مجلس الوزراء، وسفير سويسرا بالقاهرة أنه عقب ثورة يناير أعلنت السلطة الحاكمة في البلاد عن أموال تم تهريبها للخارج قبل وبعد الثورة على نظام مبارك، وأصدر مرسوما رقم 52 لسنة 2011 بتشكيل لجنة قضائية لشؤون الكسب غير المشروع لاسترداد الأموال المنهوبة والمهربة للخارج.
وتوالى تشكيل هذه اللجان والتي لم يسفر عملها عن شيء، ولم تسترد مليماً واحداً من هذه الأموال بالرغم من إنفاق حوالي 400 مليون جنيه على عملها حسب تقديره.
وأشار المحامي عبيد في الدعوى إلى أن حجم الأموال المهربة لمبارك ونظامه خارج البلاد بلغ نحو 134 مليار دولار منها 70 مليار دولار لمبارك وأسرته، وذلك وفق إحصائيات صادره عن منظمات دولية على رأسها تقرير البنك الدولي.
وانتقد المحامي قرار رئيس الوزراء بالامتناع عن استرداد هذه الأموال واتخاذ الإجراءات القانونية والدبلوماسية قبل سويسرا لرد الأموال يعد مخالفة دستورية جسيمة، لا سيما بعد صدور أحكام جنائية ضد مبارك نهائية في قضية القصور الرئاسية. وهو الأمر الذي يجيز لرئيس الوزراء اتخاذ الإجراءات القانونية ضد سويسرا لرد الأموال المهربة.
وقال سفير سويسرا في مصر ماركوس لايتزر أمس السبت، إن سويسرا لم تتلق أي طلبات برفع الحظر على أموال مبارك أو رجال الأعمال، موضحاً أن بلاده جمدت 600 مليون دولار، وهى جملة الأموال المجمدة للنظام السابق منذ 2011 حتى 2017 وسيتم النظر فيها.
وأكد أن جميع هذه الأموال تعود لمصر، وذلك بعد صدور أحكام قضائية نهائية ضد أصحابها أو باتفاق بين الحكومة المصرية وأصحاب هذه الأموال.
وأضاف أن أحكام البراءة التي صدرت فى مصر لصالح مجموعة من رجال الاعمال يمكن أن تؤثر سلباً على عملية استرداد الأصول، ويوجد في المصارف السويسرية حسابات لـ20 شخصية مصرية تم تجميدها.