يبدو أن الاقتصاد الأوروبي بات على موعد مع التعثر وتلقي ضربات عنيفة خلال عام 2016 قد تفوق الضربات التي تلقاها في السنوات الأخيرة وأبرزها تداعيات الأزمة المالية العالمية في العام 2008، ومع عنف الضربات وخسائرها الاقتصادية الفادحة فإن ظلالاً من الشك تدور حول مستقبل هذا الاقتصاد، وتشكك في مدي قدرته على التعافي السريع والمشاركة في صنع مستقبل الاقتصاد العالمي، أو حتى الخروج من حالة الركود التي لازمت اقتصاديات بعض دوله خلال السنوات الأخيرة.
أحدث الضربات التي تلقاها الاقتصاد الأوربي الانفجارات التي هزت بروكسل صباح اليوم الثلاثاء، وهزت معها أسواق المال، خاصة البورصات الأوروبية والأميركية وعملة اليورو، وقطاعات مهمة كالطيران والسياحة والنقل والخدمات، إضافة للفاتورة الكبيرة التي ستتحملها دول منطقة اليورو بسبب زيادة التكاليف الناجمة عن التدابير الأمنية المشددة التي ستفرضها سواء في مطاراتها وعلى حدودها وحركة المسافرين أو حول المقار الاستراتيجية.
وقد أعادت تفجيرات بروكسل الى الاذهان الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا في العام الماضي 2015 وما أسفرت عنه من ضربات عنيفة للاقتصاد الفرنسي الذي يعاني أصلا من مشاكل مالية حادة، ودين محلي متفاقم، ومعدل نمو طفيف، وحالة كساد واضحة.
لم تكن تفجيرات بروكسل هي الضربة القوية التي تعرض لها الاقتصاد الأوروبي في الأيام الماضية، فهناك ضربة أخرى في انتظار الاقتصاد البريطاني حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحسب بحث أجراه اتحاد الصناعات البريطانية وكشفت عن نتائجة أمس الأول فإن تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي قد يكبد اقتصاد بريطانيا 100 مليار جنيه إسترليني (145 مليار دولار) وفقدان 950 ألف وظيفة بحلول عام 2020، كما يصيب الاقتصاد بصدمة خطيرة، بغض النظر عن أي صفقات تجارية قد تتفاوض البلاد بشأنها مع شركائها الأوروبيين.
صدمات الاقتصاد الأوروبي لم تتوقف عند هذا الحد، فشبح أزمة ديون اليونان السيادية لا يزال يلوح في الأفق من حين لأخر، خاصة مع التحذير الذي أطلقته المفوضية الأوروبية قبل أيام لـ 6 دول هي إيطاليا وبلجيكا وكرواتيا وفنلندا ورومانيا وإسبانيا من خطورة وضعها المالي وخرق ميزانياتها قواعد الاتحاد الأوروبي للمالية العامة.
وواكب التحذير تأكيد المفوضية الأوروبية من أن وتيرة النمو الاقتصادي في منطقة اليورو في العام الجاري 2016 ستكون أقل من التوقعات السابقة بسبب ارتفاع المخاطر العالمية.
كما خفض البنك المركزي اﻷوروبي توقعاته لنمو منطقة اليورو لعام 2016، وخفض بنك جيه بي مورجان تصنيفه لأسهم منطقة اليورو إلى "محايد" من "توصية بزيادة الوزن النسبي في المحافظ" بسبب تقلبات أسواق الأسهم في دول المنطقة وهبوط الدولار.
وهناك تراجع في صادرات المانيا، صاحبة أقوى اقتصاد أوروبي، رغم ضعف اليورو وهبوط أسعار النفط، وهو ما عرقل نمو أكبر اقتصادي أوروبي في مطلع 2016، وتراجعت المعنويات الاقتصادية في دول المنطقة أكثر مما كان متوقعاً خلال شهر فبراير الماضي، وخاصة في قطاعات حيوية مثل الصناعة والخدمات وتجارة التجزئة وايضاً لدى المستهلكين.
إذن الاقتصاد الأوروبي يتلقى ضربات عنيفة لم يتعرض لها منذ سنوات، يصاحب هذه الضربات ويقويها نمو اقتصادي متواضع في أوروبا، وتباطؤ في الأسواق الناشئة وعلى رأسها الصين، وضعف في التجارة العالمية، وزيادة التوترات الجيوسياسية في دول الجوار الأوروبي مثل سورية وليبيا، وهو ما يصعب من مهمة قيادة الاقتصاد الأوروبي حركة الاقتصاد العالمي خلال السنوات القادمة حتى مع الضعف الذي يعتري الاقتصاد الصيني وحالة التردد التي يتسم بها الاقتصاد الأميركي والتي ظهرت بشكل واضح في قرار تأجيل رفع سعر الفائدة على الدولار لأكثر من مرة.
وبالطبع فان أكبر تأثير لحالة الاقتصاد الأوروبي سيكون على العملة الأوروبية الموحدة اليورو التي تراجع الرهان عليها في الصمود أمام العملات الرئيسية وعلى رأسها الدولار والجنيه الاسترليني.
اقرأ أيضا: متاعب الاقتصاد الأوروبي