ينظر 83% من مواطني ألمانيا إلى اتفاقية التبادل التجاري والاستثماري الحر بين دول الاتحاد الأوروبي وأميركا، على أنها "حصان طروادة" الأميركي الذي سيمكن الشركات الأميركية من السيطرة على أوروبا.
وحسب المسح الذي أجراه الخميس الماضي موقع يو جوف YouGov البريطاني لصالح مؤسسة بيرتلسمان البحثية الألمانية، فإن عدد الألمان الذين يدعمون الاتفاق انخفض من 55% منذ بداية المفاوضات إلى 17% فقط.
وتأتي هذه المعارضة الألمانية رغم التطمينات الأميركية والأوروبية بأن الاتفاقية ستصب في صالح زيادة وتعزيز النمو الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي التي تعيش منذ مدة أضعف أوضاعها المالية.
وتعمل الاتفاقية على إزالة الحواجز القانونية وتوحيد الإجراءات في مجالات التجارة والاستثمار لتفتح الباب للتبادل الحر بين أكبر كتلتين اقتصاديتين في العالم. وبالتالي ففي حال إجازة هذه الاتفاقية فستغطي حوالي 40% من الاقتصاد العالمي ونسبة كبرى من التجارة العالمية.
وتسعى أميركا عبر هذه الاتفاقية إلى ربط أوروبا تجارياً واقتصادياً واستثمارياً بشكل مباشر معها وتقوية الروابط السياسية التي تتيح لواشنطن مستقبلاً فرصة أكبر في توجيه القرار الأوروبي.
ويرى الساسة في واشنطن أن أوروبا تتعرض حالياً للعديد من التحديات وعلى رأسها التدخلات الروسية ومحاولات الصين لاستغلال شركاتها والتغلغل في أوروبا عبر الدول الضعيفة بمنطقة اليورو.
وقبيل بدء المفاوضات بين الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يزور ألمانيا حالياً لمدة ثلاثة أيام والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اكتظت شوارع هانوفر، حيث يوجد الرئيس الأميركي بعشرات الآلاف من المتظاهرين الذين عبروا عن غضبهم من الاتفاقية.
وحسب تقارير ألمانية فإن حوالي 70 ألف متظاهر على الأقل شاركوا في المظاهرات التي جرت أول من أمس السبت بمدينة هانوفر المشهورة بالمعارض الصناعية، رغم أن الشرطة الألمانية تقول إن 35 ألف فقط تظاهروا ضد الاتفاقية.
وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "أوقفوا الاتفاق" و" من أجل تجارة عالمية عادلة".
ومنذ بداية المفاوضات حول اتفاقية التبادل التجاري والاستثماري الحر بين دول الاتحاد الأوروبي وأميركا في فبراير/ شباط من العام 2015، تتزايد الأصوات المعارضة لها في جانبي الأطلسي.
ورغم أن الزعماء الأوروبيين والأميركيين يقولون إن هذه الاتفاقية ستعزز التجارة والنمو الاقتصادي للكتلتين في أميركا وأوروبا، إلا أن المعارضين لها يرون أنها ستصب في مصلحة الشركات الأميركية الكبرى على حساب مصالح المواطن الأوروبي.
وحسب رويترز قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الأميركي باراك أوباما يوم السبت إنهما يفضلان إبرام اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وأوروبا لأنها ستعزز النمو.
وقال أوباما في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية واسعة الانتشار إن "اتفاق الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي هو أحد أفضل الطرق لتعزيز النمو وتوفير فرص العمل".
وقالت ميركل في خطابها الأسبوعي المسجل إن إبرام الاتفاق سيكون فيه "الكل فائز"، وأضافت "أنه جيد بالنسبة لنا لأنه سيمكننا من تقييم منافسينا".
وتعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لألمانيا.
ويقول مؤيدو الاتفاق إنه سيفتح المجال للمزيد من النمو الاقتصادي، بينما يحذر منتقدوه من أنه قد يعرض حقوق المستهلكين وحماية البيئة للخطر.
وقال أوباما متحدثاً بشكل منفصل في لندن السبت إن اتفاق التجارة يتعارض مع "مصالح ضيقة" لدول بعينها، لكنه سيوفر الملايين من فرص العمل ويحقق فوائد بمليارات الدولارات.
ولكن رغم هذه التصريحات، يرى معارضو الاتفاقية، أنها اتفاقية سرية تمت صياغتها بعيداً عن عيون المواطنين بين الشركات الكبرى والساسة وراء الكواليس.
ويقولون إن الاتفاقية ستضعف القوانين الأوروبية التي تحمي خدمات الرعاية الصحية والتعليم والبيئة التي توفرها دول الرفاه في دول الاتحاد الأوروبي لمواطنيها، كما أنها تهدد ربحية الشركات الأوروبية التي ستخسر أعمالها التجارية للشركات الأميركية الكبرى، وبالتالي يقول المعارضون إن هذه الاتفاقية سترفع من نسبة البطالة في أوروبا، لأن العديد من الوظائف ستنتقل إلى أميركا.
وتقول جماعات البيئة التي تنشط في معارضة هذه الاتفاقية إن سرية المفاوضات تزرع الكثير من الشكوك حولها، وإنها تتجاهل النظام الديمقراطي، كما طالب المعارضون للاتفاقية الكشف عن جميع بنود الاتفاقية وضرورة طرح البنود للاستفتاء الشعبي قبل الموافقة عليها من قبل الحكومات أو المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي.
ومن بين المخاوف التي تنتاب مواطني دول الاتحاد الأوروبي أن الاتفاقية، وحسب قولهم في التصريحات التي أدلوا بها للصحف الألمانية، ستفتح خدمات الصحة والتعليم والمياه للشركات الأميركية، وهذه الخدمات العامة في معظم الدول الأوروبية خدمات عامة تشرف عليها الدولة.
ويتخوف المواطنون من أن تحول الشركات الأميركية هذه الخدمات الحيوية من خدمات مجانية تقدم إلى المواطن إلى خدمات خاصة لا يمكن الوصول إليها الا بعد دفع ثمنها مقدماً مثل ما هو الحال في أميركا.
ولكن في المقابل ترد المفوضية الأوروبية بقولها إن هذه الخدمات لا تدخل في نطاق مفاوضات التبادل التجاري والاستثماري الحر التي يجري التفاوض حولها. وفي أميركا تجد الاتفاقية معارضة من المرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب.